جودت حيدر قلعة بعلبك
التصنيف: تقارير
2014-11-14 05:56 م 423
انتصار الدّنّان
الشاعر اللبناني جودت حيدر، ذلك الاسم الذي لا يشبهه فيه إلا تلك القلعة القابعة في سهل البقاع، العصية على الزمن في مسقط رأسه في بعلبك، تلك المدينة التي وُلد فيها في العام 1905، وأحبّها كحبه لفلذات قلبه: بناته الست، وابنه الذي أفجعه به القدر.
جودت حيدر الاسم العصي على الآلام والمحن، جودت حيدر الاسم الذي قهر الزمن بقدر ماقهره، جودت حيدر الطفل الذي عاند المستعمر بإرادته وصلابته على الرغم من إبعاد أهله عنه، وموت والدته وهو مازال طفلاً في الثامنة من عمره.
جودت حيدر الطود الشامخ الحي النابض بعراقة لبنان ورسوخه، جودت المنفطر على التنوع الديني وتعدده السياسي والثقافي، جودت الذي أدرك أن الإبداع لا يأتي إلا من خلال التنوع وليس من خلال التماثل، وأن ما يصنع الإبداع أو يطلقه هو ذلك الشخص الذي يطلق الحرية، ولقد تعزز ذلك التنوع في مسيرته الحياتية والإبداعية والتي ظهرت في إبداعاته الأدبية وإنجازاته العلمية، ومع كونه عربيا متمسكا بلغته العربية إلا أنه تميز في أن ينقل صورة وطنه ووجعه وألمه من خلال كتابته تجربته الشعرية باللغة الإنكليزية، فيتبن لنا من خلال مسيرته مدى الانفتاح على الآخر وذلك من خلال حضوره الجوهري، ومن مواقفه، ومن احتكاكه بالثقافات الأخرى.
وجودت حيدر كان حضوره في الوسط الاجتماعي والثقافي الأدبي لافتا، غير أنه لايمكننا أن ننسى ذلك الأثر التربوي الذي خلّفه إرثا لطلاب نموا على علمه وثقافته، حيث عمل في حقلي التربية والتعليم والإدارة التربوية في الجامعة الوطنية في عاليه، وكلية النجاح في نابلس بفلسطين.
لقب حيدر بشكسبير العرب، وذلك لتميز شعره واعتباره من الشعر العالمي، حيث يتقاطع إرثه الثقافي اللبناني مع الإرث الثقافي الأميركي، في شعر غير عادي، فقد كان شاعراً أصيلاً في دنيا الشعر الإنكليزي ، ومفكّراً كبيراً، ونموذجاً فذاً من نماذج العبقرية اللبنانية.
جودت حيدر صاحب مدرسة عريقة، مدرسة النضال والكفاح المستمرين، لم تثنيه العوائق في نيل ما طلب وتمنى، لذلك استقبله سلم المجد برحابة صدر، فهو كلما شعر أنه سيتعثر على درجات الحلم، ارتقى لأكثر مما كان يتصوره، لأنه صاحب العزيمة القوية، صاحب الثوابت الوطنية، والنفس الشريفة، فهو المردد دائماً:" لنا الصبر من دون العالمين أو القبر".
فجودت حيدر حفظ الحرمة الوطنية، فقد اختار الرهان الصعب في زمن سقطت فيه الأقنعة عن الوجوه، وانغمست بالفساد بألوانها كلها، فنبذ البيع والشراء على حساب القيم والمبادئ، وكرامة الفرد والأمة. فكان حيدر رجل الفصول كلها، فهو المثقف الشاعر، وهو التربوي النزيه، وهو العالم النزيه، فعلم تلاميذه أن التربية مهمة وضرورية لاستكمال تطور الحضارة والمدنية وديمومة الحياة، لكنه تجلت قيمه الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية في شعره، حيث حول القصيدة إلى اللغة الإنكليزية بطريقة رائعة، ما جعل صحيفة" نيويورك تايمز" تتحدث عنه، واصفة إياه بالمميز.
ابن مدينة الشمس رجل بمزايا رجال متعددين، جمعت فيه مزاياهم، فهو من الرواد النهضويين، والرواد المجددين، في الحداثة والشعر والأدب والفنون والثقافة، والعلم والعمل الأكاديمي، فرسخت إبداعاته بما خلفه من إرث أدبي.
فترك لنا ديوانه الأول الذي تشعر عندما تقرأه، وكأنه يروي لك قصة حياته" أصوات"، ومن ثم" أصداء" عنوان ديوانه الثاني، و" والظلال" عنوان ديوانه الثالث، ما يشد المرء عند قراءة العناوين الثلاثة لتمحصها والبحث عن مكنوناتها واكتشاف أسرارها" قصة حياته جمعها في الدواوين الثلاثة".
ومن ثم وداعه أرض الوطن بديوانه الأخير الذي جاء تحت عنوان" مئة قصيدة وقصيدة مختارة".
ودعنا بقصيدة لا تشبهها قصائد، قصيدة وضع فيها فلسفة الحياة والكون كلها، قائلاً:
هنا تنشّق يا صاحبي رياح الشّباب، وانس الكهولة والعذاب، واذكر صهيل الخيل وهمس العذارى وحنين الأحباب، وعند الوداع قف بشجاعة قبل الغروب، واستغفر الله عند الغياب".
ودعنا بشجاعة الفارس المقدام، ودعنا برباطة جأش، وحل خلف الغيوم على صهوة جياد العزة والشرف والكرامة، تاركاً إرثاً أدبيا عظيماً، ومكانة أخلاقية مرموقة.
فلتهنأ أيها الكبير، جودت حيدر.
أخبار ذات صلة
لا تنسوا تأخير الساعة
2021-10-29 09:19 ص 229
تفاصيل "هروب" أحد المرضى من مستشفى رفيق الحريري
2020-03-09 02:49 م 468
حزب الله والجيش السوري يبحثان عن مسار جديد لقافلة الدولة الإسلامية
2017-09-02 10:30 م 789
لحظة انهيار ثلج متراكم على سطح أحد المساجد على المارّة في ولاية "ريزا" شمالي البلاد
2016-01-05 05:00 ص 405
روسيا تتهجّم على تركيا...اردوغان: سأستقيل!
2015-12-01 07:59 م 431
بالفيديو... دموع البقرة تنقذها من الذبح
2015-08-07 03:34 م 1586
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية