×

البوسطجى... من الواقع للتراث

التصنيف: تقارير

2015-01-02  05:42 م  418

 

 رغدة الدماصى
وجوه غابت، ومهن تبدلت، وأجواء توارت. فعلى دراجته القديمة وبزيه المميز وحقيبته المحملة بمشاعر وأشواق تطمئن القلوب بأخبار الغائبين وتحوى العشق والحزن والفرح والموت يسعى ساعى البريد (البوسطجى) الذى كان يبدأ مشواره من الفجر متحملا ً قسوة برد ومطر الشتاء, ولهيب الشمس وحرارتها فى الصيف، يطوف الأحياء والأزقة يبحث عن عناوين أصحاب الرسائل, وحين ينادى (بوسطة) مع جرس الدراجة يلتف الجميع حوله بلهف وشغف مسرعين لتلقى الرسائل.

كانت الأهالى تعتبره واحد من أسرتهم, بديلا ً عن ابنهم المسافر, أو على الأقل مندوبا عنه مبعوثا منه, حين يأتى حاملا ً خطابه وأخباره, يقرأ الرسائل فى بعض الأحيان لمن لا يجيدوانالقراءة ليطمئنهم ويرسم الابتسامة على ملامحهم، أما العشاق فكانوا يعتبرونه صديقًا لهم ويعرفون مواعيد قدومه ليسلمهم رسائل الحب بعد طول انتظار،و يكرهه أهل البيت أحيانا بلا ذنب منه إذا جاء حاملا خبرأ سيئا، ويطلقون عليه (وش السعد) ويستبشرون خيرًا بقدومه إذا جاء برسائل التهنئة والمباركات وخطابات التعيين وأخبار النجاح وجوابات التنسيق وبرقيات وصول الأحباب الغائبين, فيعطونه الإكراميات التى تعتبر مصدر رزق له ويعتمد عليها فى دخله, حيث كانت إدارة البريد تصرف له مرتبا ضئيلا لا يكفى احتياجاته، وكانت تشترط فيمن تعينه معرفة القراءة والكتابة والأخلاق الحسنة, لأن هذه المهنة لصيقة بالناس وأسرار البيوت.

وأشهر من عكس شخصية البوسطجى فى مرايا الأدب كاتبنا يحيى حقى, فى قصته ( البوسطجى) التى أخرجها للسينما حسين كمال وجسد شخصية البوسطجى شكرى سرحان, ويحكى العمل عن البوسطجى عباس الذى عين فى قرية فى الصعيد الجوانى لا يحدث فيها شيئ فيقرر الانتقام من الملل فيقوم بالتجسس على جوابات أهل القرية ومعرفة أسرارهم.

ومن أشهر الأغانى القديمة (البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلى) وهى صياغة شعبية جمبلة لمعانى الشوق والهجر والأمل رغم دواعى اليأس.

يرجع أصل فكرة ساعى البريد إلى الاعتماد على الخيل والجمال لنقل الأخبار والمعلومات وخاصة فى الحروب، ثم استخدم الحمام الزاجل كوسيلة أسرع لنقل الرسائل بين المدن وكان ذلك فى العصر الأموى. ثم تطور شكل البوسطجى حتى صار يتنقل داخل البلاد على دراجة هوائية كانت تسلم له عهدة من قبل إدارة البريد. أما فى القرى والمناطق الجبلية فكانت وسيلته هى الحمير والبغال أحيانا، ثم ظهرت صناديق البريد فكان يمر عليها ليفرغها ويوصلها لمكتب البريد لتصنيفها حسب الجهة التى سترسل إليها.

كانت مغلفات الظروف تختم بعدة أختام وتزينها طوابع البريد التى تحمل صور المدن،الأعلام، الرؤساء، المعالم السياحية والدينية، المشاريع الاقتصادية والعمرانية. ومن هنا نشأت هواية جمع الطوابع التى كانت تساهم فى تطوير معارف الإنسان لثقافات وتقاليد الشعوب.

مشاهد أصبحت جزءأ من الماضى واختفت أو كادت من الحاضر مع التطور الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعى والتليفونات الجوالة التى تسببت فى الاستغناء عن دور ساعى البريد, وبات المواطن قادرًا على مراسلة الآخرين فى لحظات خاطفة، واقتصرت وظيفة البوسطجى حاليًا الذى استبدل دراجته الهوائية بالدراجة النارية على توصيل جوابات البنوك لعملائها بالإضافة إلى جوابات المدارس والجامعات وتوصيل المعاشات لكبار السن. كما أصبحت هناك شركات متخصصة لنقل البريد السريع داخل وخارج الدول.
http://www.ahram.org.eg
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا