×

ترميم وتأهيل قلعة الشقيف يُعيد إليها مجد تألّقها السياحي الماضي

التصنيف: تقارير

2015-01-28  07:00 ص  573

 

بقلم ثريا حسن زعيتر

شامخة كتاريخ الجنوب وصمود أهله ومقاومته.. تنتصب «قلعة الشقيف» في أعلى قمة في بلدة أرنون - قضاء النبطية، كرمز للعزّة والنصر والحرية... وقد تحوّلت من معلم أثري إلى موقع عسكري من أهم المواقع الصامدة، طالما افتخر مَنْ بسط سلطته عليها، كونها موقع استراتيجي تشرف منه على فلسطين المحتلة ونهر الليطاني والجولان في آن واحد، منذ بنائها عام 1139 وحتى عام 2000 تاريخ اندحار العدو الإسرائيلي عنها وعن معظم مناطق الجنوب...
اليوم... تنتقل القلعة الشهيرة من زمن الحرب إلى السلم، بعدما أُعيد نفض غبار الإهمال عنها وترميمها لإعادة ضخ الحياة السياحية فيها واستقبال الزوّار والسيّاح، غير أنّ المفاجأة كانت كبيرة لجهة حجم الدمار والتخريب الذي لحق بالقلعة على مدى عقود طويلة، نتيجة استخدامها العسكري طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي، واستخدام الدبابات، وكان الإسرائيليون قد ردموا خندقاً حول القلعة، وبنوا ثكنة عسكرية محصّنة لقوّاتهم، وفجّروها يوم انسحابهم، ما أثّر بشكل كبير على سلامة بعض المنشآت داخل القلعة...
«لـواء صيدا والجنوب» واكب عملية الانتهاء من أعمال تأهيل وترميم «قلعة الصمود» وحفل تدشينها الذي جرى بعد مرحلة تعاون بين «مجلس الإنماء والاعمار» و«الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية» وتنسيق من «الجمعية الوطنية  للحفاظ على آثار وتراث الجنوب اللبناني»...
ترميم واكتشاف
مع بدء أعمال ترميم «قلعة الشقيف»، كانت المفاجأة خلال التنقيب، وهي اكتشاف مستويات في الطبقات السفلى، تعود إلى فترة التأسيس الأولى لا سيما خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر لم تكن ظاهرة سابقاً، حيث عُثِرَ على عدد من القطع الأثرية تبيِّن الحياة اليومية لسكان القلعة من أوانٍ فخارية وزجاجية وقطع نقدية، كذلك على قذائف المنجنيق وقنابل الحديد والصواريخ الحديثة التي استخدمها العدو الإسرائيلي لقصف القلعة أثناء الاجتياح عام 1982، إضافة إلى رؤوس الأسهم المعدنية التي تعود إلى الفترات ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر.
واللافت في أعمال التنقيب أنّها أظهرت الوجهة العسكرية التي من أجلها بُنيت هذه القلعة، فوجدت معظم قذائف المنجنيق في الجهة الغربية من القلعة وداخل مبنى الأسوار نفسه، وهذا يدل على أنّها كانت الجهة الأكثر استهدافاً خلال فترات الحصار والأكثر سهولة لدخول الغزاة إلى قلب القلعة، إضافة إلى عدد كبير من قطع الغليون تعود إلى أيام الإقطاع في فترة القرن السابع عشر وما بعد، وعلى برج حاكم القلعة من عائلة «الصعبيين» في الجهة الشرقية من القلعة، ما يدل على أنّهم عاشوا في هذا الجزء منها، كذلك توجد مقابر يُعتقد بأنّها لأشخاص دُفِنوا خلال فترة حصار العثمانيين للأمير فخر الدين في القرن السابع عشر.
والغريب في الاكتشافات أيضاً، هو نظام تخزين المياه في القلعة، فهي بحكم موقعها المرتفع عن الليطاني، من الصعب وصول المياه إليها، لذلك أقام البناؤون نظاماً متطوّراً لتجميع المياه، وخصوصاً مياه الأمطار، عبر القنوات وجرّها إلى خزانات للمياه داخل القلعة نفسها، لاستخدامها في الحياة اليومية، وخلال فترات الحصار، كما تم العثور على نظام صرف صحي لإخراج المياه المبتذلة خارج القلعة، حيث عُرِف من خلال هذه الحفريات تطوّر بناء القلعة عبر الزمان، كل هذه الاكتشافات دفعت لوضع مشروع إقامة متحف في إحدى القاعات يضم هذه الاكتشافات.
تأهيل.. وتأجيل
ومن أجل حماية وتأهيل قلعة الشقيف كمعلم تاريخي والمحافظة عليها كرمز للنصر والتحرير، قرّرت الدولة اللبنانية ترميمها وتحويلها موقعاً سياحياً وأثرياً، ولهذه الغاية وفي 7 تشرين الثاني 2007 تم الاتفاق بين «مجلس الإنماء والإعمار» و«الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية»، بكلفة بلغت 3.5 ملايين دولار أميركي، ساهم لبنان بمليون دولار منها، ووضع الحجر الأساس عام 2010، وبدأ مشروع الترميم في 2011، واستغرق العمل نحو أربع سنوات، وأُعيد بناء بعض ما دُمِّرَ وتهدّم لاستكمال الشكل العام للقلعة الذي أصابه تشوّه نتيجة الدمار مما لحق بها.
وقد استُكمِلَت معظم أعمال الترميم، مثل تقوية أسوار القلعة، وإعادة بناء الأقبية التي دمّرت، إنّما لم يكتمل تنظيف خندق القلعة من بقايا الموقع الإسرائيلي لعدم توافر تمويل كافٍ، فتم تأجيله إلى مرحلة لاحقة».
{ مدير «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية» عبد الوهاب البدر قال: «لقد كان للكويت بعد العدوان الإسرائيلي اهتمام بدعم لبنان من كافة النواحي لا سيما إعادة الإعمار اقتصادياً وإنمائياً، وأولينا أهمية لدعم لبنان ثقافياً لأنّنا نعرف أهمية الثقافة في التأسيس لبناء المستقبل، وأنّ الصندوق الكويتي يقدّم دعمه للتنمية الثقافية من خلال تمويل تأهيل عدد من المتاحف في صيدا وبيروت».
{ واعتبر رئيس «مجلس الإنماء والإعمار» نبيل الجسر أنّ «مشروع ترميم «قلعة الشقيف» من قِبل دولة الكويت هو واحد من مئات المبادرات الكويتية البيضاء على مساحة لبنان، وإنجاز أعمال الترميم  يفتح آفاقاً كبيرة في الجنوب أمام الحركة السياحية».
ثقافة مقاومة
{ هذا، وقال وزير الثقافة ريمون عريجي: «نحن في وزارة الثقافة مؤمنون بالمقاومة الثقافية حِفاظا على قيمنا الحضارية والفكرية والاجتماعية وكل أشكال الإبداع التي يجسّدها لبنان كموقع إشعاع كان وسيبقى في المنطقة العربية، وذلك لمواجهة المخطّط الهادف إلى تفتيت وتسطيح هذه المنطقة وهدم كل معالمها الثقافية والاجتماعية والدينية لقطع جذور أهلها بأرضهم علّهم يذهبون بلا عودة، وهم يخرّبون ونحن مُصرّون على البناء إيماناً بذواتنا وتشبثنا بأرضنا وتاريخنا ومستقبل أجيالنا، إنّنا نتطلع بأمل كبير إلى إشعاعات ثقافية ومهرجانات فنية تُقام هنا على غرار بعلبك وجبيل وصور وسائر أنحاء لبنان وتشكّل عامل جذب لأهلنا الجنوبيين ومن كل لبنان والعالم قاطبة احتفاء بتاريخنا وبعطاءات شعبنا اللبناني وتطلّعا إلى إبداعات الزمن الآتي».
متحف وطني
{ رئيسة «الجمعية الوطنية للحفاظ على آثار وتراث الجنوب اللبناني» عقيلة رئيس مجلس النوّاب السيدة رندة عاصي بري قالت: «ما يجري على مساحة أوطاننا هو سلخ الإنسان العربي عن تاريخه وثقافته وتراثه، ومن هنا ندعو الحكومة اللبنانية بشخص وزير الثقافة روني عريجي إلى ضرورة وعي أهمية الاستثمار على عائد الثقافة والمعالم الأثرية والتراثية في لبنان من خلال الخطوات التالية».
وأضافت: «يجب إيلاء الأهمية القصوى نحو التأهيل الدائم للمعالم الأثرية في لبنان وتأمين كل مقومات الحماية والتحصين لها في مواجهة عمليات النهب والقرصنة الدولية.. والمضي في مشروع إقامة المتحف في المناطق لا سيما في صيدا وصور وجبيل وبعلبك... واستكمال مشروع تأهيل القلاع التاريخية التي تمثل سلسلة متواصلة مع بعضها البعض، فقلعة الشقيف لا يمكن فصلها استراتيجياً وتاريخياً عن قلاع تبنين وشمع وديركيفا ودوبي والمسيلحة وقلعتي صيدا البحرية والبرية... وتحديث الخارطة الأثرية اللبنانية عبر ضم العديد من المعالم المكتشفة حديثاً والتي تم تأهيلها بما يتيح أمام السائح اللبناني والأجنبي للتعرّف عليها».

اللواء

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا