×

اللبنانيّون يتسممون بالزيت المزوّر

التصنيف: سياسة

2009-09-29  05:15 ص  2062

 

هل أصبحت صحّة اللبنانيين مهدّدة بسبب إغراق السوق المحلية بزيت الزيتون المزوّر؟ هذا السؤال هو برسم المعنيين، ولا سيما أن رئيس «لجنة الزيتون» في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان، جورج عيناتي، كشف لـ«الأخبار» تفاصيل مثيرة للقلق عن حجم هذه الظاهرة وتداخلها مع مصالح شخصية لبعض النافذين في السلطة، فيما يعاني إنتاج زيت الزيتون المحلي منافسةً غير مشروعة، فضلاً عن مشكلات لا تنتهي

رشا أبو زكي
طفح كيل مزارعي الزيتون في لبنان، وباتوا على أبواب انتفاضة... فزيت الزيتون البلدي، الذي يظن منتجوه أنه بمثابة دواء لعدد كبير من الأمراض، أصبح في مواجهة الزيت المزوّر المنتج من نفايات الجفت، المحظور استهلاكها غذاءً في عدد كبير من بلدان العالم، لكونها مادة سامة تهدّد صحة المستهلكين.
لقد تميز لبنان عن غيره، كعادته، وقرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 21 تشرين الأول من العام الماضي فتح الأسواق لاستيراد زيت الجفت، وإعطاء هذا الزيت مواصفة بأنه «صالح للاستهلاك البشري»، وذلك بناءً على طلب وزارة الاقتصاد والتجارة، التي قررت أيضاً استثناء الزيوت المستوردة من شرط إعادة التكرير، على عكس ما كان معمولاً به سابقاً.
وكانت «الأخبار» (العدد الصادر في 4 تشرين الثاني 2008) قد أثارت هذا الموضوع، ونقلت عن مصادر معنية أن القرار اتُّخذ لمصلحة التاجر سامي السنيورة، وهو الأخ الأصغر لرئيس الحكومة، الذي يستورد الزيوت المكرَّرة بكميات ضخمة إلى لبنان. هذا الواقع، إضافة إلى عدد من المشكلات والأمراض التي تقضي على المواسم من دون أي التفاتة من الحكومة والوزارات المعنية، دفع بالهيئات الزراعية في الكورة أمس إلى دعوة مزارعي الزيتون في لبنان لإقامة سلسلة من التحركات في مناطق زراعة الزيتون استنكاراً لـ«المؤامرة» التي يتعرض لها القطاع.
نعمة: مهندس واحد في الوزارة مهمته إرشاد مزارعي كل لبنان!

ويكشف رئيس «لجنة الزيتون» في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان، جورج عيناتي أنه بعد مرور سنة على قرار مجلس الوزراء، أُغرقت السوق اللبنانية بزيت الزيتون المزوَّر، لا بل أصبح يصدَّر إلى الخارج على أنه زيت الزيتون اللبناني. ويشرح عيناتي أن مؤسسة ليبنور أعلنت مواصفة قياسية، مفادها أن زيت الجفت صالح للاستهلاك البشري، علماً بأنّ ثمة دراسة سابقة أخرى من ليبنور نفسها تشير إلى أن هذا الزيت هو سامّ. واستكملت حلقة المؤامرة على القطاع بقرار حكومي صدر في 21 تشرين الأول من العام الماضي يسمح باستيراد جميع أنواع الزيوت والدهون ضمن بواخر وشاحنات ومن دون إعادة تكريرها. وهكذا سُهِّل إدخال هذا الزيت السام إلى لبنان، لا بل شُرِّع استخدامه للاستهلاك البشري!
ويشير عيناتي إلى أن زيت الجفت هو عبارة عن نفايات الزيتون، إذ يُعصَر الزيتون في المعاصر. وعادةً، يبيع أصحاب هذه المعاصر «الجفت» لاستخدامه في صناعة الصابون، إلا أن بعض المزوّرين يعمدون إلى خلط «الجفت» بمادة الهيكسان أو بمواد بترولية، بهدف دفع ما بقي من الزيت في «الجفت» نحو الأعلى واستخراجه، ثم إعادة تكريره لتعديل حموضته المرتفعة جداً. وبعدها يلوّنونه بموادّ خطرة، منها موادّ تُستخدم في تلوين الدهانات، أو سائل الصبار الأخضر، أو مواد أخرى قاتلة محظور استخدامها حتى في تلوين المبيدات الزراعية!
ويلفت عيناتي إلى أن الأمم المتحدة أغلقت مصانع تزوير الزيت في تركيا في عام 1970. وفي ألمانيا قُبض على أحد مزوّري زيت الزيتون وتجّاره، وهو لبناني، لأنّ زيته سبّب عشرات الإصابات السرطانية. وفي المغرب توفي العشرات من المغاربة بعد تسممهم بزيت الجفت الذي كان يباع على أساس أنه زيت زيتون، وأحد المصدرين كان لبنانياً. وفي عام 2002 سُحبت من أسواق الخليج، وأُولاها الكويت، جميع كميات الزيت الإسباني الذي يُصنع من زيت الجفت، وكان مكتوباً عليها زيت زيتون نقي، وبالإنكليزية «زيت الجفت». كذلك سحبت إسبانيا نفسها 57 مليون ليتر من زيت الجفت من أسواقها... أما المشكلة الكبرى، فهي أن جميع هذه الكميات التي سُحبت من الأسواق الخليجية حُوِّلت إلى السوق اللبنانية في أكبر عملية غش للمواطنين، لا بل أُعيد تصدير كميات منها إلى الخارج باسم لبنان. وهكذا تحوّل لبنان إلى مكبّ لنفايات الزيوت، وممر لمافيا تزوير الزيت إلى العالم. أما زيت الزيتون الطبيعي، الذي يُعدّ دواءً لأمراض عديدة، فهو مسجون في خوابي المزارعين ينتظر «الفرج» لتسويقه! ويضيف أنّ هناك أنواعاً أخرى من التزوير، منها مزج نسبة 10% من زيت الزيتون بزيوت نباتية مكررة، أحدها زيت بذر القطن الذي يسبّب تصلباً في العمود الفقري.
إلا أن وزير الزراعة، إيلي سكاف، يستغرب في حديث مع «الأخبار» أن ينتفض مزارعو الزيتون، مشيراً إلى الطلب الكبير على الزيتون، وخصوصاً في أسواق أوستراليا والبرازيل والهند وغيرها. وهذه الأسواق تستطيع استيعاب جميع الإنتاج اللبناني، إلا أن بعض مزارعي الزيتون لا يلتزمون مواصفات التصدير العالمية، وخصوصاً في ما يتعلق بالتوضيب، وجزء منهم لا يريدون تطوير زراعته. وفي هذا الإطار لا بد للتعاونيات الزراعية من زيادة نشاطها في المناطق لمساعدة المزارعين... ويلفت سكاف إلى أن مراقبة زيت الزيتون ليست من مهمات وزارته، التي لا تستطيع أن تحمي الإنتاج المحلي برسوم، «فإما أن نعلن الحرب التجارية على الدول، وإما أن نفتح أسواقنا»، لافتاً إلى أنه حين كان لبنان يدعم صناعة النبيذ عبر وضع رسوم مرتفعة على النبيذ المستورد، تعرض لضغط كبير من الدول الأوروبية، وها هو اليوم يشهد انخفاضاً تدريجياً في الرسوم الجمركية. ويرى أن الحل هو أن يحترم المزارعون المواصفات العالمية المتبعة... لكن أليست من مهمات وزارة الزراعة إقامة مراكز إرشادية زراعية في المناطق؟ يجيب سكاف بأن الوزارة تعاني نقصاً كبيراً في عدد المهندسين الزراعيين، وأنه تقدم بطلب زيادة عدد الموظفين إلى الحكومة، وجرت الموافقة عليه، وأن التوظيف يجري على مراحل تمهيداً لبدء العمل على مشروع المراكز الإرشادية.
إلا أن المهندسة الزراعية ندى نعمة تلفت إلى أن قطاع زيت الزيتون غير منظّم رسمياً وبفاعلية، فهو يمثل 20% من الزراعة اللبنانية، لكن التوضيب سيئ ويرفع نسبة الحموضة في الزيت، وبالتالي يُرفَض في خارجياً. وتوضح أن الغش كبير في القطاع، لوجود تلوين للزيت، وتوضع له نكهة زيت الزيتون وليس هناك مراقبة! وتدعو إلى تنظيم المساعدات الضخمة التي تطال القطاع من المنظمات الدولية، لكي يستفيد المزارعون منها، لا التعاونيات المحسوبة سياسياً. وتلفت إلى أن الطامة الكبرى تتعلق بعدم وجود إرشاد زراعي في لبنان، ففي وزارة الزراعة مهندس زراعي واحد موكلة إليه مهمة الإرشاد الزراعي في كل لبنان!



15 تشرين الأول

هو التاريخ الذي تطالب الهيئات الزراعية في الكورة الحكومة بإعلانه موعداً لمنع استيراد الزيت، على أن يستمر القرار 6 أشهر، لحماية زيت الزيتون اللبناني، وتصريف انتاجه. داعية وزير الزراعة إلى مساعدة المزارعين في القضاء على مرض عين الطاووس الفطري.



المشكلة واحدة: غياب الإرشاد

يشير رئيس جمعية مزارعي الجنوب، هاني صفي الدين، إلى أن مزارعي الزيتون في الجنوب يعانون العديد من المشكلات، أبرزها عدم وجود معاصر كافية، وارتفاع كلفة عصر الزيتون وصعوبة نقل الزيتون إلى المعصرة، إضافة إلى أن آليات القطاف لا تزال بدائية، مشدداً على ضرورة أن تهتم الحكومة بموضوع تدريب المزارعين للتمكن من تسويق إنتاجهم، ويقول: «مللنا التحركات. لمن نشكو؟ ليس ثمة دولة. هل نصرخ في الهواء؟». أما رئيس جمعية المزارعين، أنطوان الحويك، فيشير إلى أن المزارعين لا يريدون منّة، بل بيع إنتاجهم، وخصوصاً حين يكون الموسم «مضروباً».

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا