×

سناء غَنَوي... شاعرةُ رَشْق من الزّهر وتاريخ لنا

التصنيف: تقارير

2010-05-26  10:50 ص  1410

 

د. ميشال كعدي
يومَ رَشَقَتِ الزَّهرَ، وعبَّتِ الدروبَ البيضاءَ، تَفاوحَ الوردُ، فأقبلَ، صوبَها صُيَّابَةٌ مِن عُمقِ تاريخِ لبنانَ، صاولوا الأَيَّامَ، وضاربوا، ليبقى الوطنُ، فهم مِن المجالدينَ المصاميد.
هؤلاءِ الذين تصوَّنوا من المعايبِ والشوائبِ، كان لهم واقعاتٌ ورؤىً شُدَّتْ إلى الأَرضِ اللّبنانيَّةِ بنياطٍ، أمَّا الأمكنةُ فقد لُوِّنَتْ باليُمنِ، وأقواسِ القُزَحِ، وقد آذنَ الأصيلُ على أصواتِ أبطالٍ ذواهبُ في الدّنيا، ملاعبُهم بُعْدُ الموانئِ، وأَشرعةٌ، وتوقُ مناراتٍ، ومئاتُ القرونِ، ومِساحاتٌ للمساجدِ العريقةِ، التي تساوتْ بالكنائِسِ الهانئةِ ومأثورِ الجوارِ.

الشّاعرةُ سناء غَنَوي، أعادتِ الدورةَ الدمويَّةَ لتاريخِ لبنانَ القديمِ والحديثِ. على أَنَّ الرّؤَى، أُثقلَتْ بالأَري التي في الخليّاتِ، والأَرزةِ المجذيةِ، والثّرى الثابتِ، والساعدِ الأَجدلِ، وَمَدِّ الميازينِ، واستشرافِ الواقِع والأحداثِ.
أرض الصّبّاح
ثمَّ يتَّسِعُ المجالُ التاريخيُّ على متنِ الرؤيةِ والأملِ الغَدوي، لتبقى القيمةُ مفهوماً تاريخيًّا ومعنويًّا، وقد زادتِ الشاعرةُ غَنَوي إيمانَها بالوطنِ الإِنسانِ وأرضِ حسن كامل الصّبّاحِ، والجمالِ والملوكِ وأمراءِ لبنانَ، من عهدِ أَحيرامَ ملك جبيل إلى فخر الدّين الثاني، وبشير الثاني، ورجالِ الميثاقِ والاستقلالِ، مِن دونِ أَن تُهمِلَ الشاعرةُ الأدواتِ والأتباعَ، ودورَ الفينيقيّين، الذين عاشوا الموضوع، فهانتْ لديهم التجاربُ، حتّى باتوا ركّابَ المشاقِّ، ونُهَّاضاً إِلى العَلياءِ.
هذه الجَنوبيَّةُ، تعيشُ لقضايا مُلِحَّةٍ، منها وطنيَّةٌ ومنها حقوقيَّةٌ، وساعةَ تتكلَّمُ على التاريخِ، يلوحُ أمامَها قومٌ شَهاوى، ما عَرَفوا اعتزالَ المجدِ، وما انفردوا عن طموحٍ، وما نسوا أَنَّهم مِن محتدٍ أصيلٍ ومِن أطيبِ أكرومةٍ وأَفخر أَرومةٍ، وتمثلُ إِزاءَها شواطئُ بيروتَ وصيدا وصورَ وجبيلَ، فتُبقي عيناً عليها، وعيناً أُخرى، تهدأُ على رؤوسِ القلاعِ والصوامعِ التي حَبَكَتِ العصورَ أرديةً مِن خيوطِ الزَّمنِ وَحَبِّ الغَمامِ، وَمُعلماتِ اليواقيتِ، وفي جُمْعِ يَديها وادي الرَّندِ، والحريقِ، ونيرونَ، وأرنونَ، وهونين، وما أنعمَ اللهُ على بَلَدِنا والجنوبِ.
أَمَّا مغاورُ العباداتِ والعتباتِ المنقوشةِ، فهي مِن مَهَمَّاتِ راشقةِ الزَّهرِ، وربيبةِ الشّطآنِ المتوسطيَّةِ التي مرَّتْ عَبْرَها الأبجديَّاتُ الأولى لتفُكَّ عُقَدَ أَلسنِ البَشَرِ.
استشراف القَدَر
الشاعرةُ، تَعملُ رؤاها السَّبعُ في استشرافِ القَدَرِ، مروراً في الحَدَثِ ويوميَّاتِ الحَرْبِ والمُدُنِ وشاطئِ المتوسِّطِ والقيامةِ الملأى بالبشارةِ والصَّلاةِ حتَّى يستفيقَ الصَّباحُ الجديدُ، ويبقى الحبُّ تحت مَلْمَسِ الأَناملِ المهيلةِ في وطنٍ أرادتْ شمسُهُ أَلاَّ تغيبَ عنه تقول:
وطني / نُريدُكَ مَعَ الشَّمسِ / تُشرِقُ، لا تغيب / ولا نريدُ أَن نسمعَ في لحنِكَ / أَيَّ نحيب / وليُزهرَ فوقَ سَفْحِكَ المَهيب / مجدٌ خصيب / من آمالِنا أَنبتناهُ / وعلى الزَّمَنِ حُبُّكَ أبد1
ومن مقوِّماتِ رؤيتِها، أَلاَّ يتقبَّضَ الظِّلُّ والخيرُ على أرضِها، فهي أبداً تطلبُ مِن مجاديحِ السَّماءِ أن تروي السّفوحَ خِصباً ومَجداً وحبَّاً لا ينتهي، ونيساناً مُزهِراً، وصباحاتٍ تُواصِلُ نَسْجَ الأَحلامِ، لا أَزيزَ الرَّصاصِ، وإطلاقَ النَّارِ، وما يُقفِلُ شوارعَ بيروتَ، ويَقطعُ المرورَ، وإِنَّما تريدُهُ فرحاً، لا صُراخَ أُمٍّ مفجوعةٍ فوقَ ولدِها، وترجوه أن يبقى قُربَها.
وَطَن سلام
تريدُه لبنانَ وَطَنَ سلامٍ، لا وَطَنَ حَرْبٍ :
عند شاطئِ المتوسِّطِ / وفي المُدُنِ الّتي غَنَّتْ لِلحُبّ / هناك ... يُجهَضُ ربيعٌ / وتُوقَدُ حرب ... / ... في الصّباحاتِ الناهضة، / وفوقَ السَّواحلِ المتهادية، / تواصلُ نسجَ الأحلام / أَزيز الرصاص / وإِطلاق نار / ... يُقفِلُ المدنية / يَقطعُ المرور1
سناء غَنَوي، قياميَّةٌ، تتوقُ إِلى وَطَنٍ حُرٍّ، سَرمديِّ، مَداهُ السَّبْقُ، أهلُهُ مَرَدُوا على الجهادِ، فأنجحَ الخالقُ قضاياهُم، هُم للصَّلاة قيامٌ، يُجمِعونَ على أَدبِ شريعةِ اللهِ، مئذنةُ المُسلِمِ، صِنوٌ للجَرَسِ وقُبَّةِ الكنيسةِ، مِن هذا المفهومِ، نادتْ غَنَوي بوطنٍ غير طائِفيٍّ، رَفَضَتِ الضّياعَ والخرابَ، رَفَضَتْ أَرضَ المحاربين، فَمَدَّتْ نداءِهَا فوقَ الرّمالِ، لعلَّه يصلُ إِلى أحيرام، قائلةً، نحن هنا، فالرَّندُ يحترقُ لأَهلِ الصّلحِ. ثمّ تنفحُكَ من تاريخِ لبنانَ الحديثِ، بنهوضِ فخر الدِّين الثاني، والأَمير بشير الثاني، وبنهوضِ مَنِ اعترفَ بالأَرضِ، أولئك الّذين لو اقتدحوا بالنَّبعِ لأَورَوا ناراً.
على أنَّ كلَّ ما تتمنّاهُ للبنانَ، أن يَحصُلَ بلمسةِ يقينٍ، لعلَّ بيروتَ تخلعُ عنها الرِّداءَ الرماديَّ، وتستعيدُ رونقَ الأمنيةِ، وآصرةَ القُربى، وأَصالةَ المنبتِ، وبالتّالي يخلعُ المارُّ على المارِّ ابتسامةَ الرّضى، أمَّا الطّفلُ، فالمُنى أَن يلبَسَ قبَّعةَ الفرحِ الملأى بأجراسِ القَرَنْفُلِ، وعلى القشاعمِ أن تظلَّ بواذخَ فوقَ شوامخِ الجبال، اقرأ معي:
ويرنُّ فرخٌ قُبيلَ التلاقي / تأخذُ بيروتُ وجهَنا، / عطرنا، عناق أصابِعنا / تخلعُ مِعطَفها الرماديّ / تستعيدُ رونقَ الأمنية /... تغدو قبّعاتُ الأطفالِ أجراسَ قَرَنْفُل /... ونبتهجُ للحريَّةِ!!! /... وتسألُ النوافذُ المساء / وعداً مِن شذانا1...
وَفيما السَّماءُ جلواءُ، مصْحية، بُعَيدَ ما تنشرُ الشَّمسُ خيوطَها وَتَضْحى، وتهنأُ بالمداناة، يحلو الحبٌّ، وهو الحبُّ الذي يجبُ أن يبقى، كما يشاؤُه البالُ، ومِساحاتُ الألوانِ والظّلالِ، تقولُ في نشيدِ يبقى الحبُّ:
تحتَ سماءٍ تفرَّدت / وَزَخرفتْ بالأَنوارِ ظلالَها والألوان / كنّا نردِّدُ: / لا، لن يكونَ هناكَ اختلافٌ / لا، لن يكونَ فراقٌ ولا بُعاد / لا، في مُدُنِ الوردِ / لن يستحيلَ الحبُّ رماد2
لدَمنا عشبٌ جديدٌ
ديوان، لدَمنا عشبٌ جديدٌ، مزيجٌ عَجَبٌ،
رَشَّتْ سناءُ كلماتِهِ بالماءِ المطيَّبِ بفتيقِ الوردِ، وطالبَتْ نفسَها بالبُعدِ والعُمقِ، والثوابتِ التاريخيَّةِ العميقةِ، والعقلِ المتطلِّبِ المضيءِ . وتحتَ المطرِ الصَّبيبِ الصَّيِّبِ، وخاطرِ الغيم، ووثبةِ الجذورِ، وجَنانا، وشَذانا، ولهاثِ الرِّيحِ المجنونِ، يذوبُ على الأَزاميلِ شقعُ المداميكِ المدمَّاةِ.
إِخالُ سناءَ الشاعرةَ، الحقوقيَّةَ لإِصلاحٍ، في زمنِ الضَّعفِ، وصورةً لقدموسَ، تشيعُ على عَددِ اللّحظاتِ، أراها خيالاً لحاملي الأبجديَّةِ في أعراسِ الأَشرعةِ والمجاذيفِ، وعندما تحدَّثَتْ عن لبنانَ التاريخِ والإنسانِ، ورجالِ الميثاقِ والاستقلالِ، والأدواتِ، والأتباعَ، تمثّلتُها تهاجمُ أهلَ الحكمِ، بتهذيبٍ، وتنشُرُ أَضاحيكَهُم المبكياتِ، طالبةً ضمناً أن يسلُكوا خطَّ العظماءِ، الذين كانوا أسياداً للعظائِمِ والمكرُماتِ.
في ديوانِها لدمنا عشبٌ جديدٌ، رَسَمَتْ وجهَ لبنانَ المقاوم، رَسَمَتْ وجهَ الشَّهيدِ الذي تَغَضَّنَ جبينُهُ بوشيٍ يُحاكي سَيفاً رَسَمَهُ واشمةً على ساعِدِهِ، حتَّى جَمَّمَ مكيالَهُ، وجعلَ الغلالَ طفافاً في بيدرِهِ، فيأنسُ إِذ ذاكَ بالمبُشِراتِ والأرضِ.
في أيِّ حالٍ، مقصودُها صحيحٌ، ورؤيتُها وافيةٌ للحقَِّ في الأحكامِ. منطقُها رخيمُ الحواشي، على شمولِ نَظَرٍ وثقةِ بلوغٍ، حتَّى غَدَتْ على غيرِ جفافٍ. وبينا هي في نقلِها الوِجدانيِّ، على صُوَرٍ تنبضُ بالحياةِ في لمسة يقين، واحتفال النار و ولنا الجنى و يبقى ... الحب وغير ذلك في رؤاها، تستدرجُكَ لشهادةِ إرهافٍ، وعندما تعصفُ بها ريحُ العنفوانِ، تظلُّ على تيهٍ قوامُهُ التخطُّرُ في نشوةِ الشِّعرِ.
في ديوانِ لدمنا عشبٌ جديدٌ شِعرٌ أَخلاقيٌّ، وتطلٌّعاتٌ وِجدانيَّةٌ، ووطنيَّةٌ مفعمةٌ بالرُّؤى الصَّائبةِ، وَنِشدانُ الحياةِ، وحرّيَّةٌ مسؤولةٌ، وإنسانيَّةٌ مِثاليَّةٌ.
أَمَّا وقفةُ سناء غَنَوي فتنبئُ بنضوحٍ شفَّافٍ.
سناء، سلمت يداكِ

نقلا عن الانوار/ 14/5/2010

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا