×

حتى الكاتب لم نعد نعرف من هو في ظل الاحتكار السياسي اللبناني

التصنيف: تقارير

2010-06-23  10:24 ص  807

 

 

.. ربما مع بعض الانزياح ـ وعلى الرغم من أن كثيرين يجدون ذلك واقعا حقيقيا ـ يمكننا القول إن هناك اليوم، في الحالة الثقافية اللبنانية، ما يمكن تسميته، بـ«موسم اتحاد الكتاب اللبنانيين». هذا الموسم، لم يشترط منذ سنين عديدة، أيّ نشاط ثقافي بارز، أو أيّ حالة خاصة ومميّزة، بعيدا عن بعض البيانات الصادرة عنه، في هذه المناسبة أو تلك. من هنا، ما يمكن تسميته بالموسم، لا يزيد عن الانتخابات ـ انتخابات هيئة إدارية جديدة ـ ومنها تتفرع عملية انتخاب أمين عام جديد، الخ.. وهي عملية تحدث مرّة كلّ سنتين.
إذاً، كلّ سنتين نتذكر الاتحاد، ونتذكر ما آل إليه مصيره، بعد أن كان ذات يوم، رمزا من رموز ثقافة هذا البلد. نتذكره يوم الانتخاب ولا شيء آخر، بعد أن كان من المفترض، أن يكون حاضرا أكثر في قلب الحياة الثقافية، وإن كان كثيرون يعتقدون أن الثقافة ليست بحاجة لا إلى اتحادات ولا إلى وزارات، لأنها عملية إنتاج خاصة، وتملك شروطها الفردية، بالدرجة الأولى، بعيدا عن هذه الجماعية. من هنا، يسأل كثيرون، هل من ضرورة بعد لاتحاد الكتاب اللبنانيين، ما دامت الثقافة تنتج وتستمر بعيدا عن ذلك كله؟
ليست غايتي، في هذه المقالة، أن أجيب عن هذا السؤال الذي يُطرح عادة، بل أشير إلى هذا الموضوع، بعد الذي حدث يوم 13 حزيران الماضي، خلال انتخابات الهيئة الإدارية الجديدة، وما أسفر عنه من إلغاء لعملية الاقتراع، لينتج عن ذلك كلّه، حملات وحملات مضادة، أطلقتها اللائحتان المتنافستان. حملات، أوصلت بالضرورة، إلى تعليق عمل الاتحاد ـ ولو مؤقتا ـ بانتظار ما ستفسر عنه عملية «ترميم الصدع» الذي شقّ الاتحاد، وكأنه بذلك صورة متكاملة عن هذا «الصدع الخرافي» الذي يصيب البلاد منذ سنين عديدة.
قد يظن المرء، للوهلة الأولى، أنه كان من المفترض على «كتّاب» لبنان أن يخرجوا من هذه المحسوبية الضيقة، على الأقل إن كانوا يعتبرون أنفسهم، على درجة ما من الثقافة التي تجعلهم على اختلاف ما، مع العامة. إلا أننا لم نجد سوى هذا السقوط، بمعنى أن التصرفات لم تبتعد أبدا عن أيّ تصرف آخر، يقوم به أي فرد من أفراد هذه الجمهورية السعيدة، وكأن «الكتّاب» صورة مطابقة لسلوكنا العادي.
في أيّ حال، نعرف جميعا أن ثمة مشكلة كبيرة بدأت منذ سنين، جعلت من هذا الاتحاد، مشابها لأيّ مؤسسة أخرى. بالتأكيد، لا يمكن لأحد أن يختفي وراء إصبعه، ليبعد العامل السياسي. يتذرع كثيرون اليوم، يأن هناك قوة سياسية معينة تقف وراء الاتحاد وتدير شؤونه. لكن ما نتناساه، أن الاتحاد، في العقود الغابرة، كان أيضا يقع تحت جهة سياسية أخرى، إذ كانت غالبيته من اليساريين والشيوعيين، على الرغم من أنهم قدموا أعمالا، جعلت منه ملتقى ثقافيا حقيقيا، بينما الهيئات المتلاحقة، لم تنجح في استعادة بعض بريقه الخابي. لذلك، كل المطالبات التي نجدها اليوم، تعلن أنها ترفض «الهيمنة السياسية»، في حين، أنه من المفيد أن نوسع أفقه وأن نفكر جديّا ماذا نريد منه وكيف نجعله يستمرّ، هذا إذا رغبنا فعلا أن يبقى الاتحاد.
أمام هذا الحيّز، جاءت الانتخابات الأخيرة حيث تنافست لائحتان الأولى مدعومة من الأمين العام الحالي غسان مطر، (تعتبر اللائحة الثانية أنه لم تعد تحق له هذه التسمية إذ انتهت ولايته) وترأسها سليمان تقي الدين، ولائحة أخرى، قالت عن نفسها إنها مستقلة وتترأسها سلوى الخليل الأمين. كان يمكن للتنافس أن يبقى «ديموقراطيا»، وليفز من يفز، لكن بعض «المشكلات الطارئة» خلال عملية الاقتراع دفعت بالأمين العام إلى إيقاف عملية الانتخابات وإلغائها، لتعلن اللائحة الأخرى عن نفسها بأنها فائزة، ولندخل في متاهة، يحاول الجميع اليوم أن يجدوا حلا مناسبا لها.
مخالفات
حقيقة، من الصعب جدا، تبني رأي حول هذه القضية، أو بالأحرى، معرفة ما جرى فعلا، إذ تتهم كلّ جهة الجهة المنافسة «بالتزوير» وبإفساد عملية الانتخابات. تجد سلوى الخليل الأمين عملية الاقتراع أنها لم تكن تعلم في البداية بوجود مندوب عن وزارة الداخلية كما أن الأمين العام لم يوزع أوراقا «بقطع الحساب عن السنوات التي قضاها في الاتحاد وهذا من أصول النظام الداخلي» كما تضيف أنه «بدأ الانتخاب بطريقة عشوائية». حول تفسيرها للطريقة العشوائية تقول الأمين: «كان يوصل الكاتب ويسجل اسمه ويوقع وتُرفع هذه الأوراق إلى أمين السرّ على المنبر... وحين كان (أمين السرّ) ينادي على الأسماء، أحضر كل واحد مغلفه ووضعه في الصندوق بدون أن يكون أمام أمين السر لائحة بالأسماء، أي لم يستند إلى اللائحة التي يحق لها أن تنتخب علما أن الأمين العام السابق (كما تسميه الأمين) كان أعلن عبر الصحف أنه أسقط عضوية أكثر من نصف المنتسبين». وتضيف: «إن إسقاط العضوية تحتكم إلى النظام الداخلي الذي يقول إنه يجب أن يبلغ المنتسب عبر كتاب أو عبر الصحف بسقوط عضويته وهذا ما لم يحدث إلى جانب الشروط الأخرى»..
وتستمر رئيسة اللائحة بتعداد المخالفات منها أن الأمين العام لم يمنح الوقت الكافي إذ رغب في إقفال عملية الانتخاب قبل الموعد المحدد على إقفالها لتقول إن «صوتا ارتفع من القاعة صائحا أن الانتخابات غير شرعية وهناك من ينتخب وهو ساقط العضوية.. ليعلو صوت حافظ الصائغ قارئا النظام الداخلي» وتعلق الأمين بالقول «يا ليتهم قرأوا النظام قبل عملية الانتخاب» وحين طالبت بالفرز، تمنع الأمين العام عن الفرز بحجة أن الانتخابات غير شرعية»..
أخطاء
حول ما جرى، سألنا رئيس اللائحة الثانية سليمان تقي الدين الذي أجاب بسرعة: «لن أقول أي كلمة، لم يعد لي أي علاقة بهذا الأمر، وقد انسحبت من هذه القصة بأسرها».
ربما لدى تقي الدين ما يبرر هذا الموقف، بينما يقول غسان مطر، الأمين العام الحالي (أو السابق كما تسميه اللائحة المنافسة)، حول سؤال عن تأجيل الانتخابات: «أجلّت الانتخابات بسبب أخطاء تتحمل مسؤوليتها الهيئة الإدارية وشكلنا لجنة تحقيق للتدقيق في ما جرى وصولا إلى تلافي كل الأخطاء التي وقعت وذلك من أجل إجراء انتخابات شفافة وفق الأصول والنظام الداخلي».
من هذه الأخطاء، يجد مطر: «كنا في 2008 اتخذنا قرارا اعتبرنا فيه أن كل الذين لم يسددوا اشتراكاتهم أو لم يحضروا جمعيتين عموميتين، تعلق عضويتهم وإذا أرادوا يمكنهم تسوية أوضاعهم بتقديم طلب جديد وعندما يفعلون يحق لهم الانتخاب بعد سنة من طلبهم وفقا للنظام الداخلي». إذاً ثمة أخطاء حصلت يعترف بها مطر كأن يضيف: «ما حصل يوم 13 حزيران هو أن بعضا من هؤلاء المعلقة عضويتهم تقدم ودفع اشتراك سنة واحدة وانتخب. الخطأ هو أننا لم نقارن أسماء المتقدمين للانتخاب بأسماء اللائحة الأساسية التي هي لائحة الأعضاء الناخبة».
أمام هذا الخلل الكبير، والذي كان يجب أن ينتبه له الجميع قبل البدء بعملية الانتخابات، ثمة أسئلة كثيرة لا بد أن تطرح نفسها حول الاتحاد والاقتراع وكل ما يلزم لانتخابات شفافة وحقيقية.
أمام ذلك كله، نتج عن ذلك أمران، الأول أن الهيئة الإدارية الحالية ستستمر في تصرف الأعمال، كما يقول مطر، إلى أن يتم انتخاب هيئة إدارية جديدة. هل إن اللائحة الثانية موافقة على هذه الانتخابات؟ سألنا الأمين التي أجابت: «نقبل بانتخابات جديدة على أساس القانون والنظام الداخلي وإعادة ترتيب اللوائح ولوائح المنتمين وإبلاغ من أسقطت عضويتهم بالصحف أو عبر كتاب خاص يرسل إليهم ومن ثم نخضع للنظام الداخلي الذي يقول إننا في حالة استثنائية. هذه الحالة تستوجب تشكيل هيئة من النخب الحيادية الثقافية المشهود لها بالشفافية وغير المنتمية إلى فريق سياسي على الساحة اللبنانية، أن تكون الحكم».
هذه الهيئة، تشكلت مؤخرا كما يقول مطر «إذ أعطيت الصلاحية للاتصال بكل الأعضاء الذين كانوا في الاتحاد منذ تأسيسه ودعوتهم إلى العودة إلى العمل بحيث نعيد إلى الاتحاد أسماء كثيرة من المبدعين الذين لسبب أو لآخر ابتعدوا عن الاتحاد».
كيف تشكلت هذه اللجنة؟ أحد المقربين من أجواء الاتحاد، وقد فضل أن لا نذكره (ونحترم هنا رغبته) قال: «حصل لقاء ثقافي في دارة نور سلمان (وهو لقاء ثقافي دوري تقيمه الأديبة في منزلها) وقد صادف حضور غسان مطر وسليمان تقي الدين وطرح الموجودون، على جدول الأعمال مسألة الاتحاد. وقد أكد المجتمعون في عريضة، وهم كثر، على ضرورة المحافظة على وحدة الاتحاد وديموقراطيته ودوره الثقافي الوطني وتصحيح أوضاعه القانونية والإدارية وإعادة التواصل مع كل أعضاء الاتحاد لتثبيت العضوية ولحث المثقفين على المشاركة وتشكيل لجنة من الحكماء (أنيطت بمحمد المجذوب كما عرفنا) وتتولى هذا العمل بتفويض من الهيئة الإدارية وهي التي يجب أن تشرف على الانتخابات وإدارتها بعد تصحيح لوائح القيد وضمانة نزاهة الانتخابات».
نعم لنتوقف عند هذا التعبير: «نزاهة الانتخابات». تماما كما يجري في أي مؤسسة أخرى. ربما كل شيء في هذا البلد أصبح بحاجة «إلى نزاهة» حتى الكتّاب. لكن من هم الكتّاب اليوم في لبنان؟ غالبية الذين ينتجون حقا، نسوا هذا «الشيء» الذي يدعى «اتحاد الكتّاب اللبنانيين».
إسكندر حبش
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا