محمد دهشة  

تتدلى عناقيد العنب في كروم مغدوشة كحبات اللؤلؤ، تتلألأ تحت اشعة الشمس ولكن بريق لمعانها يخفي الكثير من معاناة المزارعين المزمنة، وان كانت هذا العام قد صمدت اما رياح التلف وكساد الموسم بالكامل، تشتهر مغدوشة عنبها الحلو المذاق، حتى انها تنظم كل عام مهرجانات "كروم الشمس" نسبة اليها، يعتمد ابناؤها بشكل رئيسي في ارزاقهم على موسم العنب الى جانب البوصفير الذي يصنع منه ماء الزهر والزيتون.. الى جانب السياحة اذ يشكل مقام سيدة المنطرة والبازاليك المجاور استقطابا لافتا للسواح.

ويؤكد مزارعو العنب ان هذا القطاع في بلدة مغوشة تحديدا عانى طويلا بدء من الحرب الاهلية اللبنانية والاهمال الرسمي في تقديم يد العون والمساعدة لاصحاب الكروم للحفاظ عليه، مرورا بالاحداث الامنية في "حرب المخيمات" والتي ادت الى تلف وحرق الكثير من كروم العنب من الجهة الشمالية الغربية، بينما الكروم في الجهة الاخرى المواجهة للبحر تتعرض في بعض المواسم الى مرض اللفحة" وهو مرض يفتك بالدوالي بسبب الرطوبة ويجتاحها عادة في شهري نيسان وايار، ويؤدي الى يباسها وموت عناقيد العنب على أمها، فضلا هذا العام عن الارتفاع اللافت في درجات الحرارة.

ويوضح احد مالكي كروم العنب في البلدة ابراهيم قسطنطين الذي يملك نحو 13 دونما كروم العنب باتت تتواجد في الجهة الشرقية الجنوبية للبلدة، مشيرا ان الطقس بات العدو الاول لموسم العنب، اذ انه متقلب في لبنان ولم يعد ممكنا توصيفه بدقة، تهطل الأمطار إلى درجة الفيضانات ثم تنقلب في اليوم التالي لتذكر بأيام عز الصيف.

واضاف: بسبب الطقس جاء الموسم هذا العام على ثلاث مراحل، الاولى مع الارتفاع اللافت في درجات الحرارة في عز الربيع حيث "أورقت" الدوالي قبل اوانها والثانية نبث الورق دون الحصرم، والثالثة الان وهو الموسم العادي الذي يمتد من تموز الى ايلول ولافت فيه ان هناك بعض الثمار ما زال حصرما اي انها تأخرت في نضوجها.

موسم واسعار
ويمتد موسم قطاف العنب عادة ثلاثة أشهر، وتحديدا من تموز الى ايلول، يسبقها مرحلة طويلة من العناية والاهتمام تمتد اشهرا وتبدأ في كانون الاول بعملية "التشحيل" ثم رش الورق كل 15 يوما بأدوية زراعية منعا لفتك الامراض والاوبئة، وعندما ينبث "الحصرم" يتم رشه مرة أخرى بمادة البودرة" ثم رشه بأدوية سائلة حتى لا تعلق على العنب كي يثمر الموسم.

ويؤكد صاحب احد الكروم حميد قزحيا "أن سعر كيلو العنب المغدوشي يتراوح بين 4 ـ 6 الاف ليرة لبنانية، فهو مميز في الاسواق اللبنانية ومعروف بانه حلو المذاق ليس له مثيلا، وقد استقدمت الشجيرات الاولى من حيفا ـ فلسطين وزرعت في البلدة قبل ان تعرف فيما بعد بعنب مغدوشة.

شكوى وتضمين
ويشكو مزارعو العنب من الاهمال المزمن لوزارة الزراعة في مساعدتهم سواء بتنظيم ندوات التوعية او بتوزيع الادوية والاسمدة الضرورية، لكن هذا العام خرقت "القاعدة" وحضر مندوبون للوزارة وملأوا استثمارة مساعدة ولكنها بقيت ـ حتى الان حبرا على ورق.

ويقول قزحيا الذي يملك نحو 20 دونما "انني فضلت "تضمين" الكرم بمبلغ 30 مليون ليرة لبنانية كي ارتاح ولا اترنح تحت وطأة الخسارة، اننا نرفع الصوت عاليا كي تهتم الدولة بهذه الكروم وتساعد اصحابها على الصمود والبقاء وعدم التحول الى زراعة أخرى.
ولا تختلف اراء مالكي الكروم في البلدة امثال بهيج حكيم، الدكتور عفيف طنوس، نجيب فارس وجان الحايك وسواهم عن بعضها البعض في ضرورة الحفاظ على هذه الثروة الزراعية كجزء من الاقتصاد الوطني امام معاناة مزارعي العنب في البقاع وباقي المناطق اللبنانية الذين يشكون هذا العام من كساد في الموسم نتيجة تلف عناقيد العنب على دواليها بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقبلها موجة الصقيع الذي ضربت لبنان خلال فصل الشتاء.