×

حارات صيدا القديمة تعيش رمضان بين الذكريات والواقع المرير

التصنيف: Old Archive

2010-08-18  01:17 م  1342

 

ثريا حسن زعيتر: تُخفي زينة رمضان الجميلة التي زنرت بعض الحارات والأحياء في صيدا القديمة، خلفها الكثير من حكايات الناس ومعاناتهم وأوجاعهم في هذا الشهر الفضيل، إذ لم تدخل الى منازلهم ما يُبسلم آلامهم من الفقر والفاقة والعوز، ما يُهدد بفرط أولى حلقات التكافل الإجتماعي التي إعتادت عليه صيدا منذ عقود، حيث كان الغني يشعر بجوع الفقير ويقدم له ما يحتاج من مساعدات وصدقات وزكاة، فضلاً عن موائد الرحمن··
 

والى جانب الفقر، ينغص التقنين القاسي في التيار الكهربائي، وشح المياه، وقلة النظافة، وركود الحركة الرمضانية في أحياء صيدا القديمة ومقاهيها، على أبناء المدينة صيامهم، فيهربون من واقعهم الى ذكريات زمان الجميلة، حيث كان أهل البلد، الذين يعتبرون هذا الشهر الفضيل مصدراً لرزق الكثير من العائلات، يصومون معاً ويفطرون معاً، وتتشكل موائدهم من أطباق متبادلة بين الجيران، إختفت اليوم لتحل مكانها مقولة <كل واحد همّه يكفيه>·· تأكيداً على أن ثمة تبدّلاً واضحاً في يوميات الشهر ولياليه، فرمضان صيدا القديمة اليوم غير الأمس، إذ بعد غياب البهجة العفوية التي كانت تفرض هالتها على مختلف التفاصيل، تغيب عن المدينة العتيقة مفردات صارت من حديث الذاكرة: الحكواتي، البرك والحمامات التركية، المسحراتية العتاق، والأجواء الحميمة في المقاهي الشعبية الداخلية··

<لـــواء صيدا والجنوب> جال في صيدا القديمة، وعاد بمشاهدات وآراء الناس عن أيام رمضان أيام زمان، التي يتحسرون عليها ويدعون أن تعود بركاتها··

وحدة متكاملة تعتبر صيدا القديمة بمساجدها وأسواقها وناسها وحدة متكاملة، حيث المساجد العثمانية والمملوكية، والتكايا والزوايا والأسواق المتخصصة بالتحف والساحات والباحات والمقامات لا تزال مقصداً للناس ومحط إهتمام ما يجعل لشهر رمضان نكهة خاصة يختلف عن سواه، يزيده تألقاً تلك الزينة والأنوار التي تملأ الساحات وتنير المساجد والمقاهي إحتفاءً بهذا الضيف الكريم·

ففي المدينة القديمة، تنقلب حياة الناس رأساً على عقب، تشعر بتجليات رمضان يخرق صمت الحارات، والأحياء في حركة لا تهدأ، فثمة تلازم وثيق بينهما، رغم كل الحداثة والتطور ما زال أبناء المدينة القديمة <البلد> وفق المصطلح الصيداوي القديم، يُحافظون جيلاً بعد جيل على الكثير من العادات الدينية والإجتماعية التي شكلت جزءاً مهماً من حياتهم اليومية في هذا الشهر، يكسرون بها رتابة نمط عيشهم عن بقية أيام العام، فيما عادات وتقاليد أخرى زالت أو تكاد تزول وفي المقدمة منها التكافل الإجتماعي الذي بدأ نجمه بالإفول لصالح الضائقة الإقتصادية والغلاء، حيث لم يعد للمال قيمة وفقدت بركته·

بيوت مظلمة ففي حي السبيل الأكثر فقراً، ندخل الى بعض بيوتها فتندهش من الحال، فهذه البيوت لا تدخلها الشمس ولا الهواء ليزيدها ظلمة في النهار وحلكة في الليل التقنين القاسي في التيار الكهربائي، وفي إحداها يقطن محمد سعد الدين الحنش (62 عاماً) ويُلازم منزله بعدما فتك به داء السكري، فبترت أصابع قدمه أولاً ثم مشطها ويتهدده الخطر مجدداً·· تشكو خديجة أبو دقة قلة حيلتها أمام متطلبات رمضان الكريم، فزوجها محمد الذي كان يعمل في الموبيليا في المدينة الصناعية القديمة، بات منذ 8 أشهر عاطلاً وغير قادر على العمل·

وتقول خديجة: ليس لدي أولاد وأصبحت بلا معيل، فيما ضنك الحياة تنخر أجسادنا ومنازلنا بلا رحمة، نعيش على تبرعات المحسنين التي تمتد إلينا لتبلسم بعضاً من أوجاعنا، حتى المنزل الذي نقطن به بالإيجار، لم ندفع الإيجار لصاحبه منذ شهرين·

وتابعت بلوعة: إذا كان رمضان شهر الرحمن كي يشعر الغني بجوع الفقير، فإنه في هذه الأيام بدأ يفقد روحانيته ومعانيه السامية ويتحول الى فولكلور وسهر مصطنع أمام أفول نجم التكافل الإجتماعي والتضامن الذي عاشته صيدا القديمة ردحاً طويلاً من الزمن، ليس بالزينة والإحتفالات نخفف عن آهات الناس التي تنتظر هذا الشهر لتسد جزء من رمقها·

تكفكف أبو دقة دموعها وهي تترحم على أيام زمان في رمضان، <لقد كان الناس على قلب رجل واحد إذا أصابه شيء تضافروا لمساعدته وتأمين كل ما يلزم له، اليوم نرفع الدعاء والنداء ولا أحد يُجيب، لقد قست قلوب الناس ولم تعد تُبالي بعذابات الآخرين>·

زمن <القلة والذلة> في ذات الحي، تحتشد بعض النسوة صباح كل يوم ليتبادلن أحاديث الليل وكيف ناموا في الظلام، أو الأصح لم يناموا من الحر والرطوبة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وتقول زكية خليل عكر (زوجة سعد الدين عمر الأتب): إن واقع الحال تبدل في شهر رمضان، نُعاني اليوم من الغلاء والفقر والتقنين القاسي في التيار الكهربائي، إنه زمن <القلة والذلة>، منازلنا في النهار مظلمة فكيف الحال في الليل، ننتظر دورنا في التغذية كي ندخل إليها لأنها تتحول الى أفران لا تُطاق، وكثيراً ما يشكو زوجي من ضيق التنفس <الربو>، وهذه الأيام أصبح مريضاً ودائماً يذهب الى الطبيب نتيجة الرطوبة والتقنين·

في الزاروب المؤدي الى منزلها، تُشير زكية بيدها الى النفايات الملقاة أرضاً وتفوح منها رائحة كريهة، لتقول: حتى النظافة تغيّرت، لم تعد كما الماضي، كان الناس ينظفون الحارات قبيل شهر رمضان، أما اليوم فلا أحد يسأل·· وعلى البلدية المزيد من الإهتمام، فيكفي إنقطاع الكهرباء وشح المياه، فتفوح الروائح الكريهة لتمنعنا هي الأخرى من الجلوس في الأزقة، قرب مداخل المنازل ريثما تأتي الكهرباء·

وتروي زكية أنها تلتقي وجاراتها في الزاروب قرب المنزل نهاراً وليس في المنازل كما جرت العادة سابقاً، <نتحدث ونتبادل أطراف الحديث عن السياسة والغلاء والوضع العام، ثم ندخل لإعداد الطعام الرمضاني>·· قبل أن تردف <كلها طبخة وبساعة واحدة تنضج، لا نملك الكثير من المال كي نشكل المائدة، كل يوم صنف واحد من الطعام، وبالكاد نشتري أي شراب>··

وتخلص زكية الى القول: رمضان زمان أحلى، ليت تلك الأيام وناسها تعود من جديد·

ذكريات رمضانية في حي المصلبية المجاور، ينقلب مشهد النساء، اذ يجلس كبار السن من أبناء البلد، يقطعون الوقت بإنتظار موعد آذان الظهر أو العصر، يتحدثون عن ذكرياتهم وأيام رمضان بين الماضي والحاضر، فيرسمون صورة واضحة أن الأيام التي ذهبت لن تعود·

ويقول أبو صلاح بسيوني (70 عاماً) رغم كل شيء، فإن صيدا مدينة الإيمان والتقوى ومركز الورع والتقوى، وكل أبنائها يلتزمون بالصوم حتى الشقي منهم يُصبح تقياً، قبل أن يضيف <الأيام الحلوة ذهبت بلا رجعة، ليس في رمضان وحده بل في كل الأيام، ذهبت البركة وحل مكانها الهم والغم والغلاء، هو موت أحمر للفقراء، ليس بإستطاعة كل الناس تأمين قوت اليوم في هذا الشهر الفضيل، فيما التكافل الإجتماعي يعجز عن تأمين إحتياجاتهم أمام ازدياد أعداهم بسبب الأزمة الإقتصادية والغلاء وتُلهي كل واحد بحاله>·

ويختم بسيوني بالقول: صحيح أن الزينة تملأ المكان، ولكن خلفها حكايات حزينة لبعض الناس تستحق كل رعاية وإهتمام، ولا أحد يسمع أو يُجيب النداء>··

سهلة الخير ويقول الحاج سعد الدين معنية (75 عاماً - وهو رب أسرة لزوجة و6 أولاد): لقد أقفلت الفرن منذ ثلاث سنوات، أفلست بسبب الأزمة الإقتصادية والغلاء وتقاعدت عن العمل، ألازم المنزل وأعيش من عرق أولادي، أحدهم كهربائي، والثاني صراف، والثالث موزع خبز، والحمد لله على كل حال، لقد كان الحي الأفضل بين الحارات القديمة، وسهلة الخير وأيامه مليئة بالبركات، كان الناس يصومون ويعبدون الله في المساجد، ويسهرون في المقاهي، ثم يحيون الليل بالطاعة والعبادة، ويعملون في النهار، كان الرزق ميسراً، أما الآن فقد ذهبت منه البركة ولم تعد للأموال قيمة، مما يُفقد كل شيء ميزته·· ولكن تبقى الدنيا بألف خير·

ثريا حسن زعيتر Th@janobiyat.com

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا