×

هل خسر الحوثي جنوب اليمن؟

التصنيف: أقلام

2015-04-22  07:19 م  1454

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

عبد الله زغيب السفير
شكلت «قضية الجنوب» واحدة من أكثر القضايا تأزماً في اليمن على مدار العقدين الماضيين، على الأقل منذ أن اتحدت مع الجمهورية العربية اليمنية، التي عرفت أيضاً باسم «اليمن الشمالي»، لتشكيل الجمهورية اليمنية في 22 أيار 1990.
وبرغم عدم تمثيل القضية الجنوبية ركناً أساسياً في خطاب الساسة اليمنيين في صنعاء، إلا أنها شكلت منذ انطلاق عمليات «عاصفة الحزم» عاملاً مؤثراً في تأطير الصراع ومخرجاته العسكرية والسياسية، حيث باتت المحافظات الجنوبية، وبالتحديد عدن وشبوة، مركز ثقل الهجوم العسكري المشترك بين جماعة «أنصار الله» والجيش اليمني. وهو الهجوم الذي أضحى بمثابة رد يومي على ضربات «التحالف» بقيادة الرياض.
وقد تميزت قضية الجنوب بُعيد إطاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح بشيء من «الرتابة» بشكل عام، حيث اقتصرت التطورات في مناطق الجنوب على الاعتصام الدائم والمفتوح للحراك الجنوبي في ساحة الاعتصام في خور مكسر بعدن، وعلى عدد من الاحداث الاسبوعية، كالعصيان المدني الأسبوعي، وما يسمى بـ «يوم الأسير الجنوبي»، فضلاً عن بعض النشاطات التي ترفع خلالها أعلام الدولة الجنوبية السابقة على مدارس ومؤسسات وجامعات في عموم المحافظات. كل ذلك يدخل في سياق مطالبة الحراك الجنوبي بـ «الاستقلال» والعودة بالكتلة الجنوبية إلى المكون السياسي السابق للوحدة.
وبموازاة الواقع «الرتيــب» هذا، جاءت اختراقات الجماعات المســلحة المتصلة بـ «القاعدة» ثـــم «تنظيم الدولة» في ما بعد، حيث شكلت العمـــليات الخاطفة ضــد الجيش اليمني والمواجهات المتنقلة بين شبوة وزنجبار ومناطق أخرى، مجــــرد أخبار «يوم آخر» بالنسبة لعموم اليمنيين، ولم يكن لها عميق الأثر في الواقع الســــياسي، أو تأثير مـــباشر على الخريطة السياسية الداخلية بتشـــعباتها كافة.
ضعف تأثير الحدث الجنوبي على الواقع الصنعاني أسس لمعضلة عميقة، تأسست عليها أزمات أشد تعقيداً من أن تحل بالمبادرات اللفظية، أو حتى بمشاريع حوارية مرحلية. فمنذ 21 من أيلول 2014، وهو اليوم الذي استكمل فيه «أنصار الله» السيطرة على مراكز السلطة الأساسية في البلاد، غابت «القضية الجنوبية» عن أدبيات قادة صنعاء الجدد بشكل عام، وبشكل خاص في خطابات عبد الملك الحوثي. ولم تتعد المسألة الإشارة إلى «مظلومية أهل الجنوب». و «المظلومية» مصطلح يتضارب لا يتوافق تماماً مع طبيعة الخطاب السياسي للحراك الجنوبي، الداعي لفك الارتباط مع الشمال بشكل كامل.
لا يحتاج الواقع الذي تطورت فيه قدرة المناورة في عدن للكثير من السرد لتبيان طبيعته. فالحراك الجنوبي الذي تشكل من تجمعات أهلية، بدأ بكيان جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين الذين سرحتهم صنعاء، خاصة في منطقة الضالع، ومعظم هؤلاء سُرّح بأوامر مباشرة من نائب الرئيس اليمني وقتها عبد ربه منصور هادي. وقد تنوعت مطالبات الكيان الجديد هذا ما بين الانفصال و»العدالة» في توزيع الوظائف والخدمات. لكن التغيير الأساسي جاء مع اتساع ما سمي العام 2011 بـ «ثورة الشباب»، التي شملت معظم أرجاء اليمن وشارك فيها الحوثيون إلى جانب «التجمع اليمني للإصلاح» وأحزاب قومية ويسارية. وأتى التغيير على شاكلة جني مباشر لثمار «الثورة» تلك، التي تمثل مطلبها الأساسي في إسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
الحراك الجنوبي انقسم وقتها في التعاطي مع الواقع المستجد. فذهب فريق منه إلى تأييد التحركات الشعبية والتوقف «مرحلياً» عن المناداة بـ «الاستقلال». ومثّلت هذا العنوانَ جماعة ُالأمين العام للحراك الجنوبي عبد الله حسن الناخبي، التي انضمت إلى التظاهرات والاحتجاجات اليمنية. فيما امتنعت فصائل الحراك الأخرى عن المشاركة في هذه التحركات، وحافظت على نسقها المطالب بالانفصال بمعزل عما يحدث في صنعاء.
هذه الأحداث جاءت كما لو كانت من خارج السياق اليمني لدى القوى الأخرى في صنعاء، الحوثيين منهم تحديداً، وهم الذين طرحوا أنفسهم كأصحاب «مشروع مستقبلي» للبلاد بأسرها. وبرغم علمهم المسبق بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة يوماً ما في الجنوب، فقد استمروا في تركيز عملهم السياسي والشعبي في صنعاء، حتى وصــــلوا إلى ذروة تقدمهم وسيطروا على العاصمة، بعــــد ثلاث سنوات من «الثورة» على نظام علي عبد الله صــالح. فيما لم تشكل مؤشرات واضحة كانســــحاب الحـــراك الجنوبي من «مؤتمــــر الحوار الوطــــني اليمني» حتى قــــبل انطلاقه في 18 من اذار 2013، أي إنذار لـ «أنصار الله» بطبيعة القادم جنوباً.
مسألة أخرى كانت خارج اهتمامات صنعاء، حتى في عزّ انشغال الحوثيين بالمعارك العسكرية مع «التجمع اليمني للإصلاح» في الحديدة والبيضاء، وهي تتمثل بنمو نفوذ «القاعدة» جنوباً. فقد حاول التنظيم الإرهابي مراراً ربط تحركه العسكري بقاعدة الحراك الجنوبي الشعبية. وقد اتهمت شخصيات بتبني هذه النظرية كالسياسي الجنوبي والمحارب السابق في أفغانستان طارق الفضلي، الذي تمكن من الحصول على تبنّ واضح من زعيم الحراك الجنوبي صلاح الشنفرة، إلى أن خرج زعيم «القاعدة» في اليمن، ناصر الوحيشي، في 14 أيار 2009 ببيان صوتي، أعلن فيه تأييد جماعته للحراك الجنوبي ضد ما سماه القمع الحكومي.
وهو أمر أغضب «القيادة الدولية» لتنظيم «القاعدة»، حيث خرج في 22 حزيران 2009 مصطفى أبو اليزيد، «القائد العام» لـ «القاعدة» في أفغانستان، نافياً أي دعم من التنظيم لانفصال الجنوب، ومؤكداً أن «القاعدة» تعمل لإنشاء «دولة إسلامية موحدة» في اليمن عموماً.
التأسيس للواقع القادم كان جارياً على هذه الشاكلة من عدن إلى حضرموت مروراً بشبوة. الحراك الجنوبي كان يجهد في توسيع نشاطه ضمن ما سماه «الثورة السلمية» بمختلف نشاطاتها. والعناصر التابعة أو الموالية لـ «القاعدة» كانت تعمل على استقطاب شباب الجنوب تحت مغريات «عقائدية» يتداخل فيها الوطني بالديني. فيما غرق «أنصار الله» في إدارة براغماتية للملف الجنوبي، كالخلاف مع الحراك على عدد مقاعد الجنوب في مؤتمر الحوار، أو الوقوف على الحياد أمام «تجاوزات» ارتكبتها السلطات المركزية في العديد من مدن الجنوب وقراه.
ومع تقدم الحوثيين وتحولهم إلى قوة أساسية لجهاز الحكم في صنعاء، وما رافق الأمر من تعقيدات أمنية وسياسية أفضت إلى هروب الرئيس اليمني المستقيل إلى عدن، لجأ الأخير إلى استغلال التباعد بين الجنوبيين والحوثيين، عبر مواجهة الموالين لصنعاء من عسكر وأجهزة أمنية في الجنوب بشكل مباشر. ومع دخول «أنصار الله» على خط المواجهة العسكرية مباشرة إلى جانب الجيش اليمني، والهزيمة السريعة لـ «اللجان الشعبية» الموالية لمنصور هادي، تحول الصراع وبشكل متجاوز للانقسامات السياسية اليمنية، إلى معركة انخرط فيها الحراك الجنوبي ضد «أنصار الله». علماً أن غرض الحوثيين ومن خلفهم الجيش من هذه المعركة، يتصل بمحاولة منع تشكل بيئة حاضنة لمشروع اجتياح سعودي بري، تتحول فيه «عاصفة الحزم» إلى معركة إنزالات جوية وبحرية واسعة مدعومة بقطاعات يمنية غير نظاميــة، لخــلق بيئة حرب مشابهة للنموذج الفيتنامي. فيــما يحــارب الطرف الآخر على تنــوع صفوفه، ما بين محــاول لمنع تكرار هزيمة الــعام 1994، أو لإقامــة «دولة خلافة إســلامية» على شاكلة «داعــش» في العــراق وسوريا، أو لأهداف يتداخل فيها القبلي بالمذهبي.
وإذا وضعنا جانباً مواجهة «القاعدة» وتفرعاتها، يمكن وصف المعارك الدائرة في شوارع المكلا وخور مكسر والضالع وأبين بالعبثية. فالأحداث هناك تبني وبشكل يومي أساسات لأزمة اجتماعية ـ وطنية أعمق من تلك التي خرجت عن حرب العام 1994، او حتى عن الوحدة بعد انهيار الكتلة الشرقية. والمعضلة هناك جاءت عقب سنوات من إهمال «القضية الجنوبية». فقبل أحداث العام الماضي، لم تكن عدن على الإطلاق تحظى باهتمام الأطراف المتنافسة في صنعاء. فقد تكفلت قدرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح على صناعة الأحداث، ومن بعده من ثار عليه من قوى سياسية، بالتقليل من تأثير الجنوب على الواقع اليمني. فيما وجد «أنصار الله» ضالتهم بالتحالف مع «الراقص على رؤوس الثعابين» وبطل الحروب الست ضدهم، وهي نشوة «نصر» كانت كفيلة ربما بتحويل أعدائه إلى أعدائهم، و «أجندته الوطنية».. إلى أجندتهم.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا