×

كتـاب مفتـوح إلى الرئيـس المكلّـف سـعد الحـريـري:

التصنيف: سياسة

2009-10-07  05:29 ص  1447

 

كتب المحرر السياسي:
دولة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري المحترم،
يصل اليوم، إلى دمشق، كما تعلم، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، ليعيد وصل ما انقطع بين العرب والعرب مما أضر بمصالح العرب جميعا, وان كان لبنان الخاسر الاكبر.. وبهذا يؤكد الملك السعودي حرصه على استقرار العروبة أينما حلّ. من هنا توقيت الرسالة المفتوحة ليس إلا.
فالرحلة الملكية يؤمل منها ربما أكثر مما تحتمل ساعاتها الثماني والأربعين، ولكن... كونها تأتي بعد مرحلة التباسات وتصدعات، فإنها تفتح الأبواب العربية أمام إعادة صياغة الحضور العربي والدور العربي ولو بحده الأدنى، بعدما صرنا نسمع عن أدوار الأميركيين والأتراك والإيرانيين واللاتينيين، ونفتقد من يحدثنا عن دور عربي.. فهل نبالغ إذا نحن عوّلنا على زيارة الملك السعودي ونبهنا من احتمال ضياع فرصة يحاول الأميركيون جاهدين في واشنطن ومعهم الاسرائيليون أن يسرقوها منا.
التوقيت أيضا لا ينفصل عما أصاب كل مواطن عربي من مهانة عندما «اكتشف» أنه لا متسع لمصري يمثل دولة مقيدة بمعاهدة كامب ديفيد، على رأس منظمة الأونيسكو، بقرار إسرائيلي ـ أميركي... برغم الافطار الرئاسي الذي اقامه الرئيس المصري لرئيس حكومة العدو الاسرائيلي في القاهرة, والذي لا يمكن اعتباره مصدر فخر.. كذلك وقبلها بأسابيع قليلة، شعرنا بمهانة موجعة لرؤيتنا السفارة المصرية في تل أبيب تستضيف بنيامين نتنياهو واركان حكومته «ليحتفلوا» مع المصريين والعرب بذكرى «ثورة يوليو» الناصرية!
وهي هي المهانة التي تجعلك تغرق في خجلك، عندما تعلم أن مندوب فلسطين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة هو من طلب رسميا إرجاء مناقشة مسودة مشروع قرار يتبنى توصيات «تقرير غولدستون» حول الجرائم الإسرائيلية في حرب غزة.
المهانة التي تجعل لبنانيا يفتخر بانتمائه إلى المقاومة ضد إسرائيل، بينما عربي آخر، اختار «فلسطينه» الخاصة بعيدا جدا عن فلسطين وقدسها وأقصاها وأدار ظهره لفلسطين الأصلية في ضميرنا..
المهانة التي تجعل بغداد أو بيروت أقرب إلى واشنطن منهما إلى دمشق... و«الخطر النووي الإيراني» مصدر الخطر على وجودنا وكياناتنا بدلا من الكيان الإسرائيلي وأسلحته النووية وغير النووية.
التوقيت هو رهان كبير على لحظة اجتماع القيادتين السعودية والسورية في دمشق، فهل هناك فسحة للهواجس والأسئلة والأفكار، بلغة ايجابية وهادئة وحريصة.
دولة الرئيس،
كلما اقتربت من أهلك أكثر وأكثر, عرفت أن عروبتهم هي الأصل في سياساتهم كما في صلواتهم، والعروبة حاضنة لبنان الواحد، العربي، السيد، الحر، المستقل، هي عنوانك الأول والدائم في أيام والدك كما في أيامك الماضية خارج الرئاسة الثالثة، فكيف وقد أصبحت لزاما عليك ولدورك ومهمتك التاريخية.
دولة الرئيس،
تعلم كما يعلم الجميع، أنه مهما أخذتنا الرياح في اتجاهات مختلفة، فإن عروبة لبنان لا تكتمل صحتها وعافيتها ما لم تكن على صلة ود مميز وتفاهم وصداقة مع عروبة دمشق.

الفرصة الآن ليست سانحة أمامك فقط كرئيس لحكومة وحدة وطنية بل إن الزمان يفتح الباب واسعا أمام حركة عروبتك في الاتجاه السليم أردته الداعم لسلم أهلي دائما وازدهارا تريد أن يطبع صورتك المستقبلية في عيون اللبنانيين والعرب.
دولة الرئيس،
لا يستوي الحق دون أهله ولا تسلم العروبة دون اجتماعها وها ان حكمة العاهل السعودي، مع الاندفاع المحسوب للرئيس الشاب للدولة السورية... يوفران المناخ الصحي لاعادة وصل ما انقطع مع حداثة لبنانية تمثلونها.
نعرف أن هذا الكلام ليس غريبا عليك وأنه ليس سهل التحقيق أيضا. من هنا، لا يحق لأحد أن يفترض أنك ستلبي دعوة الافتراق عن حلفائك أيا كان اتجاههم، ذلك أن باب العروبة الجالبة السلامة، مفتوح وجميعهم، يقول انه قد عبره، عن حق أو مسايرة أو مصلحة أو أي شيء آخر.
عليك أن تأخذ بكلام هؤلاء الحلفاء كما هو لتصبح الفرصة ماثلة أمامك لكي تدخل التاريخ بدل أن تجلس في صدارة قاعة رئاسة مجلس الوزراء... في انتظار حلول لن تأتي وحدها.
دولة الرئيس،
كل اللبنانيين استبشروا بك خيرا، ورحبوا بك رئيسا شابا مفعما بحيوية متحمسة للتصدي لمجموع الأزمات السياسية والمعيشية والاقتصادية المتراكمة، آملين أن يكون تكليفك نقطة فاصلة تقطع مع زمن الخيبات والمرارات الممتد منذ اغتيال والدك الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى يومنا هذا...
هذا الاغتيال، ليس مأساتك الشخصية، فلقد أصاب الحزن شعب لبنان كله، في مختلف المناطق والجهات، كما العرب عموما خارج لبنان. لم ينظر أحد الى جريمة الاغتيال على أنها جريمة ضد شخص رفيق الحريري أو موقفه السياسي بل رأى فيها الناس جريمة ضد وطنهم الصغير. ضد استقرارهم وسلامة كيانهم وضد هويتهم العربية.
وفي ما يعنيك يا دولة الرئيس، فقد تجاوز الناس في لبنان التصنيفات التي فرضت عليهم، من خارج إرادتهم، فجعلت من بعضهم أهل الفقيد، وهم لم يكونوا كذلك أبدا، وجعلت الآخرين خصوما له واستطرادا لك، وهم ليسوا كذلك، لكن الاستثمار السياسي لجريمة الاغتيال زوّر صورة رفيق الحريري فجعله وكأنه لفئة أو لقسم من اللبنانيين من دون الآخرين.
دولة الرئيس،
ها أنت تأتي إلى الحكم، قادما من «اختبار الاغتيال»... وبعده الأزمة غير المسبوقة في تاريخ العلاقة اللبنانية السورية وأيضا العلاقة السعودية السورية، مرورا ببوابة الانتخابات النيابية، حاصدا أكثرية وشرعية تكليف لا تشوبها شائبة، ولكن في اتجاه غير محدد المعالم داخليا حتى الآن، بينما تحيط به مناخات حوار ومفاوضات في كل الاتجاهات، وكلها عناصر لمصلحتك.
ليس خافيا أبدا أن التردد والتروي خدش صورتك ويكاد يأكل من وهجها، وصار مطلوبا منك الإقدام، فأنت الآن، في الموقع الذي يلزمك بالمبادرة إلى اعلان الحكومة الوطنية الجامعة، حكومة الوحدة والشراكة الوطنية، وإطلاق عجلة البلد، وليس المهم تهافت هذا الفريق او ذاك على حصة هنا أو حقيبة هناك، المهم هو البلد، هموم الناس هي الأولوية، فكل يوم يمر من دون حكومة، يأكل من البلد ويطيح بكل الأرصدة السياسية مهما كان وزنها.
خاف اللبنانيون في زمن الانتخابات السيئة القانون والذكر و«النتائج المذهبية»، واستبشروا خيرا بما بعدها، وقد كنت السباق والمبادر، فوعدت أن تكون رأس حربة التصدي للفراغ الذي عاناه بلدك، لكن اللبنانيين أحبطوا عندما تيقنوا أن الفراغ الذي أقلقهم بات اكبر وأعمق بعد الانتخابات، وتاه في مهب وضع انشطاري سياسيا ومذهبيا.
لا خصم داخليا لك، إلا من تستخصمه، وصار لزاما عليك إعادة صياغة العلاقات الداخلية، متعظا من تجربة والدك الشهيد مع القوى السياسية على اختلافها. فبادر ولا تتردد واثبت قدرتك على الانجاز، فتضيق مساحة التدخل الخارجي.
اجعل من حكومتك الأولى مساحة رحبة للحوار حول النقاط الخلافية بدلا من المواجهة على عناوين تنقسم البلد من حولها فتجعل من وزراء حكومتك أطيافا ومتاريس لهذه الطائفة أو تلك، أو لهذا المذهب أو الاتجاه السياسي أو ذاك وغير ذلك من المصائب السياسية التي حلت علينا بفعل الحمى المذهبية والطائفية التي رافقت الانتخابات قبل ان تجري وبعد إنجازها.
دولة الرئيس،
يفترض أنك تعلم أن لبنان لا يمكن ان يحكم بيد واحدة، أو بفريق واحد، ولا بوجهة تخالف طبيعته وموقعه وجغرافيته، ولذلك انت اكثر حاجة الى مختلف الاطراف مما هم بحاجة اليك.. وكلنا بحاجة الى بلدنا لانه اذا ضاع صرنا كلنا مشروع مهاجرين أو مهجرين.
الامر بيدك، خفف الأثقال والشروط، فتربح حكومة ورئاسة حكومة، القرار بيدك وحدك.
افتح الباب دولة الرئيس، أمام أمة الوسط، بمعناها التاريخي، وبمقدار ما يدخل عليك هذا الهواء الوسطي، وبمقدار ما يحيط بك، بمقدار ما تكون الأقرب الى بيئتك وصورة والدك الشهيد وأهلك, بعيدا عن اهل التطرف الذين ينافقونك ليتمكنوا, فإذا ما تمكنوا التهموا البلد ودولتها واهلها وجعلوها خرابا.
دولة الرئيس،
بادر والله ولي التوفيق، فلقد طال وقوفك منذ السابع والعشرين من حزيران 2009 على ضفة التكليفين والتأليفين، واللبنانيون يريدون حكومة اليوم قبل الغد وغدا قبل الذي بعده... حتى يلتفتوا الى همومهم الاجتماعية وما أكثرها وهل هناك من عناصر تعيد اللحمة إليهم أكثر من خبزهم ومدرستهم وجامعتهم وصحتهم؟
ولتكن حكومتك هدية ليس الى اللبنانيين فحسب، بل الى المملكة التي رعت والدك من قبل وترعاك الآن، والى سوريا التي ستفتح لك قلبها كما فتحته لأبيك الشهيد قبل عشرين سنة أو يزيد وقد أعلن رئيسها الدكتور بشار السد، وأكثر من مرة، الترحيب بك رئيسا لحكومة لبنان «السيد، الحر، المستقل» الذي تقوم في بعض جنبات عاصمته «السفارة السورية» التي كانت مطلبا «انعزاليا» مستحيلا، فغدت مؤشرا قاطعا على الرغبة، في علاقة طبيعية بين البلدين المتكاملين، بالجغرافيا والتاريخ والأنساب، كما بالمصالح وضرورات حماية الحاضر والمستقبل.
أعلنها اليوم، يا دولة الرئيس، واجعلها هدية لشعبك والى قمة دمشق التي ستفتح الباب أمام مرحلة عربية جديدة

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا