أمرت الولايات المتحدة سفاراتها في مختلف أنحاء العالم بمراجعة إجراءاتها الأمنية، وذلك في أعقاب تأكيد القس تيرى جونز راعي إحدى الكنائس في ولاية فلوريدا المضي قدما في خططه الرامية لإحراق نسخ من المصحف السبت، تزامنا مع الذكرى التاسعة لهجمات الحادى عشر من سبتمبر/أيلول.
وقد حذرت الحكومة الأمريكية ورجال دين ومنظمات غير حكومية من ان عزم مجموعة بروتستانتية أمريكية صغيرة على احراق مصاحف يهدد في حال تنفيذه بزيادة توتر علاقات الولايات المتحدة مع الدول الاسلامية، وتعقيد مهمة الغربيين في افغانستان.
الا ان كنيسة "دوف وورلد اوتريتش سنتر" البروتستانية الصغيرة في جينسفيل بولاية فلوريدا، اكدت عزمها احراق مئات النسخ من المصحف الشريف علنا السبت، في الذكرى التاسعة لاعتداءات 11 سبتمبر/ ايلول 2001 في الولايات المتحدة التي قتل فيها حوالى 3000 شخص.
كلينتون تحذر
وأعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وهي ارفع مسؤول أمريكي يندد بخطط حرق نسخ من المصحف، عن سرورها "للادانة الواضحة التي لا لبس فيها ضد هذا العمل المشين والمخزي والتي صدرت عن المسؤولين الروحيين الأمريكيين من جميع الديانات، من المسيحيين الانجيليين الى الحاخامات اليهود، كما عن المسؤولين الأمريكيين العلمانيين وقادة الرأي".
واعلن القس تيري جونز انه "يأخذ على محمل الجد" المخاوف التي اعرب عنها بترايوس، لكنه قال انه "ينوي بإصرار" المضي في تنفيذ ما توعد به.
وتأتي خطط هذه الكنيسة وسط جدل متصاعد بسبب مشروع لبناء مركز ثقافي اسلامي في نيويورك في مكان قريب من موقع هجمات 11 سبتمبر/ ايلول.
وعلق البيت الابيض على الامر بالقول ان مبادرة "دوف وورلد اوتريتش سنتر" تشكل "مصدر قلق" و"تضع قواتنا في خطر"، مؤيدا بذلك مخاوف الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الدولية في افغانستان.
ورد بترايوس على الامر بالقول انه سيوفر دعاية اعلامية لطالبان، قائلاً: "اشعر بقلق بالغ للانعكاسات الممكنة اذا ما احرقوا المصحف". واضاف ان "ذلك يمكن ان يعرض للخطر في آن معا القوات والجهود الشاملة في افغانستان".
وصرح الناطق باسم البيت الابيض روبرت جيبس ان "هذه الخطوة تعرض حياة جنودنا للخطر. ومن الواضح ان اي عمل كهذا هو مصدر قلق لهذه الادارة".
خطة "خطرة"
واجتمع وزير العدل الأمريكي ايريك هولدر بعدد من الزعماء الدينيين لبحث سبل القضاء على موجة العداء للاسلام.
وقالت فرحانة خيرا مديرة جمعية "المناصرين للاسلام" عقب الاجتماع ان هولدر وصف خطط حرق نسخ من المصحف بانها "غبية وخطرة"، الا انه اعرب عن اسفه لان الحدث بحد ذاته لا يشكل انتهاكا للقانون الفدرالي.
ويصادف احياء ذكرى 11 ايلول/سبتمبر مع اليوم الثاني من عيد الفطر الذي يحتفل به نحو مليار ونصف المليار مسلم في العالم.
اما الحاخام نانسي كريمر فقالت: "نشعر بالاستياء الشديد والحزن العميق بسبب حوادث العنف التي ارتكبت ضد مسلمين في مجتمعاتنا، وكذلك بسبب تدنيس بيوت العبادة الاسلامية".
صدمة في ألمانيا
ودانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مبادرة القس جونز، خلال تكريمها رسام الكاريكاتير الدنماركي كيرت وسترجارد، صاحب الرسوم المسيئة للنبي محمد، والتي أثارت زوبعة من الاحتجاجات عام 2006.
وفيما دافعت ميركل عن وسترجارد وحرية الرأي والتعبير في ألمانيا وأوروبا، اعتبرت إحراق نسخ من المصحف "عملاً غير مقبول إطلاقاً".
ونددت الكنيسة التي اسسها جونز في المانيا بدعوة الاخير، معلنة انها "صدمت ازاء هذا العمل على غرار الكثيرين في انحاء العالم".
وقال ستيفان بار مدير "مجموعة كولونيا المسيحية" التي تتبع حركة "الكنائس الحرة" القريبة من البروتستانتية لوكالة فرانس برس "نحن ننأى تماما عن جونز وعن دعوته".
واضاف: "لقد صدمنا على غرار ما صدم الكثيرون في كافة انحاء العالم" موضحا ان مجموعته "لم يعد لديها اي اتصال" مع القس جونز منذ قرر الاخير عام 2008 مغادرة هذه المجموعة التي أسسها مطلع الثمانينات، بسبب "خلافات" حول اسلوبه في ادارتها.
واضاف ستيفان بار "لقد غادر جونز من دون سابق انذار" بعد ان عمل نحو عشرين عاما على رأس هذه المجموعة، آخذا على القس جونز انه "كان يبرز شخصيته اكثر مما يبرز العقيدة المسيحية".
وقال بار ان المجموعة كانت تعد نحو 800 عضو لدى خروج جونز منها ولا تعد اليوم سوى ما بين 60 و80 عضوا.
واوضح ان احدى محاكم كولونيا حكمت على جونز بدفع غرامة بقيمة 3000 يورو عام
2002 لانه انتحل صفة دكتور جامعي.
واضاف بار عن القس جونز ان الاخير قام ايضا بدفع مبلغ من اربعة او خمسة ارقام "غرامة" بسبب تجاوزات مالية ارتكبها.
واوضح بار ان القس جونز ترأس كنيسة "دوف وورلد اوتريتش سنتر" بعد وفاة مؤسسها، مع بقائه على رأس المجموعة الالمانية.
وتضم "دوف وورلد اوتريتش سنتر" نحو 50 عضوا.
وتتهم "دوف وورلد اوتريتش سنتر" التي تأسست عام 1986 الاسلام بالسعي الى الهيمنة على العالم ودعت مجموعات دينية اخرى الى الانضمام اليها في ما سمته "اليوم العالمي لاحراق القرآن".
تنديد دولي
واعرب الامين العام للحلف الاطلسي اندرز فوج راسموسن عن استيائه من "عواقب وخيمة محتملة على امن قواتنا" في افغانستان حيث ضمت تظاهرة من دون عنف حوالى 200 رجل الاثنين في كابول وسط هتافات "الموت لأمريكا!" و"يحيا الاسلام!".
واعلن ممثل الامم المتحدة الخاص في افغانستان ستيفان دي ميستورا الاربعاء "اذا ما حصل عمل مشين كهذا، فانه سيعزز ذرائع الذين يعارضون السلام والمصالحة في افغانستان".
اما وكالة تنسيق المساعدة لافغانستان فلفتت باسم منظمات افغانية واجنبية غير حكومية عدة "في اطار افغانستان حيث يبقى الوضع هشا، فان مثل هذه الخطط قد تؤدي الى قتل مدنيين ابرياء وعمال انسانيين".
كما دانت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون دانت هذه الخطط، واكدت "احترام كل المعتقدات الدينية"، كما دانها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى بشدة واعتبرها مشروعا يقوم به شخص "متعصب".
وكان الفاتيكان ندد "بمبادرة مسيئة حيال كتاب تعتبره طائفة دينية مقدسا"، معربا عن "قلقه العميق"، وذلك في بيان للمجلس البابوي للحوار بين الاديان.
وفي اندونيسيا الدولة المسلمة الاكثر عددا للمسلمين في العالم، تخشى الاقلية المسيحية من "توترات"، وكتب اتحاد 20 الف كنيسة مسيحية بروتستانتية في اندونيسيا الى الرئيس اوباما تحضه على التدخل.
ردود عربية
عربياً، اعتبر احد المسؤولين في جماعة الاخوان المسلمين في مصر عصام العريان ان ذلك سيزيد من الحقد حيال الولايات المتحدة في العالم المسلم.
وحذر العالم الازهري البارز الشيخ عبد المعطي البيومي عضو مجمع بحوث الازهر الاربعاء من انه في حال نفذت كنيسة أمريكية خطتها القاضية بحرق مئات المصاحف فان هذا الامر قد يؤدي الى "تخريب" العلاقات بين واشنطن والعالم الاسلامي.
وقال الشيخ بيومي، الذي وصفه الرئيس الأمريكي باراك اوباما في ندائه للمصالحة مع العالم الاسلامي بانه "منارة للعلم"، انه "لو عجزت الحكومة الأمريكية عن وقف هذا سيكون (حرق المصحف) احدث صيحة في الارهاب الديني ومعنى ذلك تخريب العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي".
ودان الرئيس اللبناني ميشال سليمان الخطوة، معتبرا ان ذلك "مناف لتعاليم الديانات السماوية".
واكدت ايران ان تنفيذ المشروع سيثير ردود فعل "لا يمكن السيطرة عليها". واعلن المرجع الديني في قم بإيران لطف الله صفي قلبايكاني:"اذا حصل مثل هذا العمل غير الانساني والفظيع في أمريكا، فان الرئيس اوباما سيستحق عندئذ الملاحقة".