×

من أمراض الدعاة : التصرّف بالمال العام

التصنيف: إقتصاد

2016-01-20  01:08 م  1525

 

بقلم/ الشيخ جمال الدين شبيب
أسباب اكتساب المال الحرام كثيرة، وكلها محرمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ،وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّّهِ يَسِيراً﴾ [النساء: 29-30]، وكلها لها أثر سيء على المسلم فكيف على الداعية وطالب العلم، فهو يأكل في جوفه خبيثاً باطلاً، فكيف يطمع أن يصدر من هذا الجسد خير وقد غذاه بالحرام.
قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله أبى أن يدخل الجنة لحماً نبت من سحت، فالنار أولى به »([1])، والسحت هو الحرام، وما ليس بحق، وقال صلى الله عليه وسلم : «وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُه حرَامٌ ، ومَلْبسُهُ حرامٌ ، وغُذِيَ بِالْحَرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ »([2])، فالمال الحرام يحول دون تزكية الإنسان نفسه.
وعلينا معشر الدعاة أن نربي أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا على الحذر والخوف من أكل المال الحرام، خاصة في زماننا الذي كثر فيه المال الحرام، وقد حذر من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أَمِنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرام »([3]).
ومما يدخل في المال الحرام: السرقة والربا والرشوة والاعتداء على المال العام وأكل مال اليتيم، وأكل الميراث بغير حق، وأكل الدَّين مع القدرة على سداده، والقمار، واليانصيب([4])، والغش في المبيع، والنجش، وغير ذلك.
ومن أهم المعاصي التي يتوصل بها إلى المال الحرام
ـ السرقة:
السرقة من الكبائر التي شرع الله عليها حداً كبيراً، إذ جعل عقوبتها قطع يد السارق، وذلك يدل على عِظَم جريمة السرقة، قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
ولخطورة السرقة كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع المؤمنين رجالاً ونساءاً على عدم السرقة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أتبايعونني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا، وقرأ آية النساء([5]) ... فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له »([6]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية([7]) : ﴿ لا يشركن بالله شيئاً﴾ قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها([8]).
ـ والسارق مطرود من رحمة الله مهما كانت سرقته قليلة، قال صلى الله عليه وسلم : « لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده »([9])، ولا ينبغي للمسلم أن يتهاون في سرقة القليل ولو كان مما لا يقام عليه الحد، فإنه يخون بذلك نفسه وإخوانه، ويعصي ربه، ويقوده ذلك إلى التهاون في الكبير.
وحينما يتورع الإنسان وخصوصاً طالب العلم عن حَبَّة التمر وعن الدِرْهم وعن أمثالهما؛ فسيكون بإذن الله أكثر احتياطاً مما هو فوقها، فكلما كان الإنسان متورعاً أكثر عن مال غيره وعما لا يحل له؛ كلما كان أبعد عن الحرام.
ـ وتأتي خطورة السرقة من كون السارق يقطعُ الأمن في المجتمع، ويجرِّئ الناس على الباطل وأكلِ المال الحرام، وعملية السرقة وإن كانت طلباً للمال فهي تعرِّض الناس للقتل، فإذا أقمنا حدَّ الله فيها عاش المجتمع في أمن، فيخاف كل من يحب السرقة من العقوبة فتكون زاجراً له عن ارتكاب معصيته، فهي تحقق الأمن له أيضاً، ويحصل بذلك حفظ أموال الناس.
ـ إن الأساس النفسي الدافع إلى السرقة: حب المال وحب الدنيا، حباً يطغى على حكم الله وحب الله، فلا بد من تزكية النفس بإخراج عظمة الدنيا من القلب، حتى نكون مترفعين عن الحرام والسرقة.
ومن دوافع السارق إلى السرقة أحياناً: الخوف من الفقر، وهو ناتج عن عدم الثقة بالله بما تكفل من رزق العباد، وناتج من سلوك السبيل غير المشروع في معالجة الفقر، وناتج من تقصير بعض الأغنياء في حق الفقراء، فلا بد في معالجة السرقة من معالجة الأمر الأول بالإقناع الفكري السليم، ومن معالجة الأمر الثاني ببيانِ الأحكام الفقهية في كيفية دفع الفقر، ومعرفةِ متى يجوز للإنسان أن يسأل الناس، ومن معالجة الأمر الثالث بِحَثِّ الأغنياء على تقديمِ المال للفقراء والبحثِ عنهم وإعطائهم ما يغنيهم.
ـ ومن السرقة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم :
ـ سرقة أملاك الآخرين أو المال العام ونسبتها إلى نفسك: قال صلى الله عليه وسلم : « من أخذ شبراً من الأرض ظلماً؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين »([10]).
ـ الأخذ من نتاج ممتلكات الآخرين بغير إذنهم: ومنه حلب حليب المواشي بغير إذن أصحابها، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يحلُبَنّ أحدٌ ماشية امرئٍ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن يؤتى مَشْرُبَتَه فتكسَر خِزانته فيُنتَقَل طعامُه ؟ وإنما يَخْزُنُ لهم ضُروعُ مواشيهم أطْعِماتهم»([11]).
ـ الغلول: وهو ما يأخذه الولاة والموظفون من الأموال العامة بغير حق، ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ [آل عمران: 161]، وقال صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمَنا منه مِخْيَطاً فما فوقه فهو غالّ يأتي به يوم القيامة »([12])، وقال صلى الله عليه وسلم : « من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أَخَذ بعد ذلك فهو غلول »([13]).
ـ التصرف في المال العام بغير حق:
بأن يأخذ من المال العام ما لا يحق له، أو يتصرف به على غيره وجهه، أو يمنعه من يستحقه، أو يعطيه لمن لا يستحقه، أو ينفقه في شيء غيرُه أنفع للمسلمين، قال صلى الله عليه وسلم : « إن رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق؛ فلهم النار يوم القيامة »([14]).
نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ أهلنا وأحبتنا وإخواننا وعلماءنا ومن اكتساب الحرام أو التصرف به إنه سميع مجيب.
----------------------
([1]) حديث صحيح، رواه الحاكم رقم 7162 عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وصحح إسناده، ورواه الحاكم أيضاً نحوه رقم 7163 عن جابر رضي الله عنه ورواه أحمد بنحو هذا اللفظ رقم 14481 عن جابر رضي الله عنه، ورواه الترمذي رقم 614 نحوه عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، وابن حبان رقم 1723 عن جابر ورقم 5567 عن كعب أيضاً.
([2]) رواه مسلم رقم 1015 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([3]) أخرجه البخاري رقم 1977، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) والميسر الذي أمرنا باجتنابه في قوله تعالى : ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾؛ يدخل فيه القمار واليانصيب.
([5]) يعني آية بيعة النساء التي سبق ذكرها.
([6]) رواه البخاري رقم 4612 ومسلم رقم 1709 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
([7]) وهي المذكورة آنفاً.
([8]) رواه البخاري رقم 6788 وبمعناه في مسلم رقم 1866.
([9]) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([10]) رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
([11]) رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه.
([12]) رواه مسلم عن عدي بن عَميرة رضي الله عنه.
([13]) رواه أبو داود بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه
([14]) رواه البخاري رقم 2950 عن خولة بنت ثامر الأنصارية رضي الله عنها.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا