×

السيدة التي شغلت الناس وحكمت صيدا والجوار

التصنيف: نسوان

2016-02-24  02:59 م  576

 

 سامر زعيتر

دير مار إلياس - عبرا المطل على البحر ومدينة صيدا
السيدة التي شغلت الناس وحكمت صيدا والجوار فترة من الزمن
فهد ميرة: خلّدت ذكراها بـ «دار الست» الشاهد تراثياً على فن العمارة

من هي السيدة التي حكمت صيدا والجوار لفترة من الزمن عبر التاريخ، بل كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس في الشرق، وحظيت بلقاء الأمبراطور والسلطان والأمراء؟...
إنها مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ساحرة الصحراء، الأميرة، والليدي والست، كلها ألقاب عرفت بها هستر ستانهوب، السيدة التي كان لها نفوذ سياسي ومالي كبير، وتعود جذورها الأوروبية إلى «عاصمة الضباب» لندن في بريطانيا، فخالها ويليم بت السياسي المعروف والذي شغل منصب رئيس الوزراء البريطاني، فيما جدّها اللورد حاثام...
هي الابنة البكر لتشارز ستانهوب، المولودة في العام 1776 حفلت حياتها بالكثير من الأحداث السياسية وعرفت بتدخّلها الدائم في صنع التاريخ حتى وافتها المنية في العام 1839 عن عمر يناهز الـ 63 عاماً...
جاءت شهرتها من خلال تعيينها مديرة لأعمال خالها رئيس الوزراء ويليم بت، حيث تعرّفت على الكثير من الشخصيات في العام 1804، استقرّت في المشرق لأسباب عُرف بعضها فيما البعض الآخر يستدعي البحث في سجلات تاريخها وأهميته...
«لـواء صيدا والجنوب» يسلّط الضوء على دور هذه السيدة التي رعى السفير البريطاني في لبنان جايمس واط والشريف وليام ستانهوب مراسم نثر رفاتها في بلدة جون، هذا الرفات الذي تم استضافته فترة من الزمن في المقر الصيفي للسفير البريطاني، وأعيد الى «دار الست» في جون لمناسبة مرور 165 عاماً على وفاتها في العام 2004 مما يحمل دلالات هامة على دور هذه السيدة ومكانتها...
ملكة كزنوبيا
هذا الدور الهام الذي اضطلعت به أرّخه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» بالحديث عن امرأة بريطانية كان لها دور لا يستهان به في إثارة الشاميين على الحكم المصري، والتي آثرت السفر إلى الشرق بصحبتها شاب غني كان عاشقاً لها اسمه ميشيل مريون، فوصلت إلى إسطنبول ثم انتقلت منها إلى القاهرة واستقبلها الأعراب هناك كأنها ملكة، حيث كانت تسرف في العطاء وفي إحاطة نفسها بمظاهر الأبّهة والبذخ، كأنها تريد أن تعيد إلى الأذهان اسم زنوبيا ملكة تدمر.
استقرّت في لبنان، حيث شيّدت لنفسها قصراً يشبه القلعة فوق دير مهجور في قرية جون، ذات السبع روابي، على بُعد 8 أميال من صيدا.
وعـُرف قصرها بين الأهالي باسم «دار الست» واتخذت زي النساء المحلي فلبست عمامة ومداساً برأس منعكف، وصارت تدخّن «النرجيلة» وتحمل السوط والخنجر، وشرعت تدرس اللغة العربية وولعت بعلم النجوم والكيمياء، وأحاطت نفسها بحرس من الألبان وحاشية من الزنوج وفرضت عليهم أن يسلكوا معها حسب قواعد التشريفات الملكية.
ويؤكد الوردي «أنها استطاعت أن تكون ذات نفوذ وسلطة كبيرة جداً بين سكان المناطق المجاورة، فكانوا يحترمونها ويطيعون أمرها إلى درجة تبعث على الدهشة. في البداية رحّب بها الأمير بشير شهاب الثاني، إلا أن تدخّلها المستمر في شؤون الدروز وإيوائها لمئات من اللاجئين من المناحرات بين القادة الدروز، جعله ينأى عنها.
وعندما فتح إبراهيم باشا الشام أدرك ما لها من نفوذ وطلب منها الوقوف على الحياد، ولكن الحياد لم يكن من شيمتها فصارت من أشدِّ الناس طعناً في الحكم المصري.
كما كان لستانهوب جواسيس يعملون في المدن الشامية الكبيرة، وكانت مراسلاتها ومؤامراتها مع الشيوخ والباشوات متصلة، في الاثارة على الحكم المصري.
وفي آخر حياتها غرقت في الديون، وبأمر من اللورد بالمرستون، تم خصم تلك الديون من الراتب التي كانت تتلقّاه من الحكومة البريطانية لدائينها في سوريا».
حب الشرق أم مهمة استخباراتية!
سيرة من حياتها كما يعرفه الباحث العراقي، وللمزيد من تاريخها يشير الباحث الصيداوي المتخصص في شؤون الهندسة فهد ميرة إلى «أن وفاة والدتها أثّر على شخصيتها فضلاً عن وفاة أخوها بالحرب في إسبانيا، كما أن تأمين خالها قبل وفاته لمبلغ 1200 جنيه أسترالي سنوياً أدّى الى تكوين شخصية يشوبها الكثير من التساؤلات والاستغراب، تألّمت كثيراً وقررت الهجرة وكان طريقها الى الشرق الأوسط بمراقة عاشقها الذي كان يملك المال وخدمها 28 عاماً، فضلاً عن خادمة من ويلز، وكان هذا الخيار لعدة أسباب منها الحرب مع نابليون في ذلك الوقت، حيث منع السياح البريطانيين من ارتياد أوروبا بينما كانت تقدم الأراضي العثمانية في المشرق بديلاً مثيراً للاهتمام وقصور سلاطينه وعرب الصحراء والمغامرين الى الشرق، والبعض الآخر اعتبر مجيئها الى الشرق بمهمة استخباراتية لبلدها».
وقال: «وصلت في العام 1810 إلى جبل طارق ثم الى مالطة وانتقلت الى القسطنطينية بضيافة السلطان العثماني محمود الثاني، حيث استقبلها في قصره واستأجرت منزلاً على ضفاف البوسفور، وكان حاكم عكا وصيدا في تلك الفترة سليمان باشا وعبدالله باشا تلاهم باشوات مصر، فيما بلغ الأمير بشير ذروة قوته في فترة حكم سليمان باشا وعبدالله باشا. ثم انتقلت بعد ذلك إلى الاسكندرية ولكن قابلتهم عاصفة قوية اضطرتهم لتغيير مسار الرحلة إلى رودس وبعدها عادوا الى الاسكندرية ومنها الى دمياط، وقابلت في العام 1811 محمد علي باشا وأعجب بشخصيتها، أكملت رحلتها إلى القدس وعكار والتقت بالشيخ إبراهيم أبو غوشة ورافقها مع كوكبة من حراسه إلى القدس، ثم عادت إلى الدامور واستقبلها الأمير بشير ورافقته إلى دير القمر وبيت الدين والمختارة، ثم انتقلت إلى دمشق وجالت على حلب وحماة، واستقبلت من قبل العشائر بالترحيب ونثر الذهب أسوة بزنوبيا، ولكن انقلبوا عليها، فعادت إلى حماة واللاذقية وبعد انتشار الطاعون جاءت الى صيدا في السادس من كانون الثاني من العام 1814».
اختيارها صيدا والجوار
وأضاف: «أمّن لها المطران اثناسبوس جناحاً في دير مار إلياس في منطقة عبرا القريبة من صيدا، ولكن بعد اجتياح الطاعون المنطقة ونقل المرض إلى عبرا هرب السكان، وانتقلت إلى بعلبك ثم اهدن وبشري، ثم طرابلس بضيافة مصطفى آغا بربر الذي استجاب لطلب الوالي سليمان، فانتقم لها بعد فقدان صديقها الكولونيل بوتين في اللاذقية بتدمير 32 قرية، بعد ذلك عادت إلى دير عبرا وقدّمت هدية قيّمة للحاكم وأهدت المعلم ماييم اليهودي وزير الحاكم ساعة قيّمة وتوطدت علاقتها مع الأمير بشير، وتعرّفت في العام 1820 اثناء ترددها إلى «خان الافرنج» برجل يدعى السيد لوسنون والذي أصبح صديقاً مقرّباً، وقد توفي ابنه وتم دفنه في حديقة الدير في عبرا، والبعض أشار إلى أنها انتقلت إلى دير مشموشة بالقرب من جزين، وبعد تقرّبها من والي صيدا وعكا تم منحها داراً لها على أرض عائدة لدير المخلص في منطقة جون، حيث منحها الدير قطعة أرض لبناء الدار ومربض للخيول وحديقة كبيرة».
وأوضح «أن علاقتها بالأمير بشير شابها الكثير من الاستغراب، فبعد صداقة قوية وتقديم العديد من الهدايا والاقتراض من السيدة ودخولها قصره دون استئذان والإقامة في دار الحريم، يقال أنها رفضت حبه فانقلب الى كرهها، فأخذت تقاوم سياسته وتقبح أعماله، وقد ساعدت السيدة جنبلاط بعد هروبها اثر الخلاف مع الأمير بشير والشيخ جنبلاط ما أثار حفيظة الأمير وبدأ بمضايقتها، وكانت تستضيف كبار الأمراء كما قابلت امبراطور النمسا الذي زارها في دارها، وهي امتازت بالسرف والإستعلاء على القناصل البريطانيين، كما آمنت بتناسخ الأرواح والتنجيم، وربّت عدداً كبيراً من القطط في دارها، وكان لها أسلوب أدبي لافت في الكتابة والحديث».
«دار الست» شاهد على تاريخها
وعن نهايتها قال: «ساءت أحوالها المادية واستدانت مبالغ كبيرة من مرابي مصري يدعى حمص عاد وطالب قنصل بريطانيا في الاسكندرية بالأموال التي عجزت عن سدادها، ما حدا بوزير الخارجية الى قطع راتبها لسداد ديونها، فوجهت رسالة للملكة فكتوريا تشكو إساءة معاملتها، كما تديّنت من احدى نساء الأمير عبدالله ابنة سليمان باشا، وأضاعت الكثير من الأموال في البحث عن الآثار، فعاشت في آخر حياتها يائسة ورفضت مقابلة الزوار حتى وافتها المنية في 1839 ليدفنها القنصل البريطاني في حديقة «دار الست»، وتنقل رفاتها بعد الحرب الأهلية اللبنانية إلى منزل السفير البريطاني الصيفي ليحرق الرفات وينقل بعد ذلك إلى بقايا «دار الست» الذي خلّد ذكراها، وهدّمه الزلزال في العام 1956 لتنتهي سيرة تلك المرأة التي صنّف منزلها كموقع أثري سيُصار الى إعادة ترميمه».
وختم المهندس ميرة: «يتألف الدار من جناحين ومخازن ويمتاز بقناطره المعقودة وشبابيكه الصغيرة وحوائطه السميكة من الحجر الكلسي، حيث خصّص الجناح الغربي المؤلف من بيت ذي عدة غرف للسيدة وزوارها، ويضم 5 غرف متتالية وهو مبني من الحجارة الضخمة، فيما خصص الجناح الشرقي للخدم وهو مؤلف من عدّة غرف للرجال والنساء متفاوتة المساحة بجانبه اسطبل، وتصل جناحي البناء غرف متعددة، وأحيط القصر بسور كان يضم بئراً للمياه، وله مدخلان، ويوجد داخل هذا السور قبر السيدة التي شغلت الناس خلال فترة حياتها».
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا