×

ملاحات عكار تعاند الزمن

التصنيف: Old Archive

2010-10-15  11:56 ص  2409

 

 

عكار ـ زياد منصور
"للملح" تاريخ طويل وهو يدخل في الكثير من الأدبيات، وورد في كل الكتب السماوية، فهو عرف منذ أكثر من ألفي سنة قبل ميلاد المسيح.
وكان الملح سبباً للاستعمار والحروب كما في الهند، وفي مصر استخدم الفراعنة الملح مع الثوم والطحالب الخاصة في التحنيط وحفظ الجثث.
أما بالنسبة للعرب القدامى فقد استخدموا الملح في حفظ اللحوم والأسماك ونقلها من بحر الروم والخليج إلى داخل الجزيرة العربية، وكانوا أيضا يدبغون الجلود بالملح.
وكان العرب يؤمنون أن الملح جيد في طرد الحسد والعين، ولجلب البركة، ولكن لابد من اقتناء الملح مع التمر في السفر وسير القوافل والحجاج، وأن الأرواح الشريرة والشياطين يخافون الملح، لذلك كانوا يضعونه عند الأبواب والنوافذ.
ويستخدم العكاريون اليوم الملح كمادة لمعرفة أحوال الطقس شتاءً وصيفاً، ويوصف الرجال بأنهم ملح الأرض.
هذا غيض من فيض ما ورد وما يرد عن أهمية هذه المادة، التي لا تزال عنواناً للبركة، ولا تزال ترمز الى الكثير من الأمور والمعاني في الثقافة الشعبية.
ولا حاجة للتدليل على أهمية انتاج الملح وفوائده، فالانسان يحتاج الى الملح في طعامه كضرورة لاحداث توازن المحاليل اللازمة لأجهزة الجسم كي تؤدي وظائفها الحيوية مثل تنظيم ضربات القلب وإدرار اللعاب وهضم المواد النشوية وإحداث التفاعلات الكيميائية الحيوية اللازمة وإفراز العرق أو البول، ويستهلك الانسان من6 الى 8 كيلو غرامات من الملح سنويا.
فضلا عن ذلك يتزايد الاحتياج لملح الطعام في مختلف الانشطة الصناعية, اذ يدخل ملح الطعام الان في العديد من الصناعات سواء كانت مادة أولية أو مادة مساعدة خاصة في الصناعات الكيميائية حيث يستخدم في انتاج الصودا الكاوية والكلور وكربونات الصوديوم والصناعات البتروكيمائية.
الملح في عكار
وتبدو عكار متمسكة بهذه الأدبيات وبتراثها، حيث هناك من يصر على استمرارية هذا الانتاج رغم كل الضغوط والعوائق والعقبات، فلا يزال هناك في عكار في المناطق الحدودية الممتدة من مطار القليعات وصولاً حتى الشيخ زناد ملاحات تعد بالعشرات باتت مسعفاً للكثير من العائلات، كما أصبحت عنواناً من العناوين التي ترمز الى نشاط اقتصادي منتج يحتاج الى الكثير من العناية والتطوير والاهتمام من نواح عدة:
أولاً: لأن هذه المادة المنتجة في عكار باتت على مائدة الآلاف من العائلات اللبنانية، وتنتج لتباع أيضاً في الأسواق العربية.
ثانياً: لأن ملاحات عكار باتت محور استقطاب سياحي من كل المناطق، حيث لا تخلو الملاحات في نهاية كل أسبوع من عشرات الزائرين من مناطق لبنانية عدة، ومن صيادي الطيور الذين باتوا على علم بأن الملاحات نقطة عبور للطيور المهاجرة النادرة الى لبنان وخصوصاً البط والأوز لاقتناصها وإن هذا موضوع آخر، لكن هناك من يحذر وينبه على مخاطر هذا الأمر بيئياً، خاصة جمعيات بيئية، وكذلك أصبح أصحاب الملاحات والأهالي والمزارعون يرفعون الصوت مطالبين القوى الأمنية بردع "الغزاة الجدد"، نظراً للآثار المترتبة على ذلك، سواء على الملاحات وتدميرها والعبث بها، أو على ثروة الطيور النادرة.
وبخلاف الوضع القائم في شكا وأنفه والقلمون، حيث عشرات الملاحات المهجورة والمهملة، فإن الحياة تدب في ملاحات عكار، فعلى امتداد الشاطئ جنوب طرابلس، وصولاً إلى بلدة أنفة، مروراً ببلدة القلمون، لا تكاد ترى سوى دواليب الهواء المتوقفة، والتآكل يفعل فعله في الأحواض المائية، بخلاف ملاحات الشيخ زناد، فهي في هذه الأيام تشبه خلية نحل، وتكتظ بالعمّال والشباب من أبناء سهل عكار والطلاب الذين يستغلون موسم الانتاج للعمل من أجل جني بعض النقود للدراسة في الجامعات أو من مزارعين يجهدون للعمل، فترة اراحة الأرض لتأمين القوت اليومي، كما يقول محمد اللهباوي أحد أبناء بلدة الشيخ زناد، الذي يعتبر الملاحات جزءاً لا يتجزأ من حياة هذه البلدة، ومصدراً من مصادر الرزق.
هذا الأمر لا يعني أن الأمور تسير بسهولة ويسر، فكما في كل الصناعات اللبنانية فإن الملح وانتاجه له أيضاً الكثير من المعوقات، واهمها استيراد المصري والأردني وسواه، والنوعية ليست أفضل كما يقول سمير حسن من بلدة القلمون، وهو أحد المشرفين على ورشات الانتاج في الشيخ زناد، اضافة الى ارتفاع أسعار اليد العاملة، ومواد ترميم الملاّحات، مما يرفع تكاليف إنتاج الملح، ويرفع ثمنه لكننا مصرون ومستمرون وهناك من يريد جعل هذه الصناعة محط فخر، رغم كل العوائق، ورغم أن الكميات المنتجة في لبنان والمقدرة بحدود الثمانية الى عشرة آلاف طن تغطي قسما كبيرا من السوق المحلية، لكن ذلك لا يردع بعض التجار من استيراد الملح تحت حجة وجود نقص في السوق.
ويسترسل حسن بشرح آلية انتاج الملح وجر المياه الى الأجران والتبخير وتقنياته، والترسب وسوى ذلك، حيث وبعد ترسيب الملح الخام في الأحواض-الأجران، وبعد التخلص من المحلول المتسخ يتحرك الملح الخام في القاع، وعندما يصل سمك طبقة الملح الخام في القاع الي حوالي30-40 سم يبدأ هز (او خلخلة) تلك الطبقة باستخدام المحاريث أو المخل، ثم يتم تجميع الملح في اكوام تفصلها بعضها عن بعض مجار ليتجمع فيها ما تبقى فيها من المحلول ثم ينصرف ذلك المحلول الى احواض الصرف بعد ذلك يجمع الملح الخام بالوسائل والطرق المتبعة يدوياً.
يؤكد حسن أن الانتاج بالطريقة التقليدية البسيطة من مياه البحر يعطي مواصفات صحية ونوعية أفضل بكثير من الملح المكرر والمستورد، المستخدم في الطعام المنزلي، ويشير الى أن قسماً من الانتاج العكاري يذهب للصناعات الغذائية.
تشير بعض المصادر الى أن لبنان يحتاج الى ما يقارب الثلاثين الى أربعين ألف طن سنوياً، لذلك تستورد كميات اضافية من مصر والأردن، فالمصري والأردني يبلغ 37 دولاراً للطن، بينما اللبناني يزيد على أربعين الى خمسة وأربعين دولاراً، ذلك أن تكاليف التكرير ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار الفيول والوقود، وبالتالي هذا سيؤثر على المنتوج المحلي الذي ينبغي ان يكون300 دولار للمُكرّر، و160 دولاراً دون تكرير كي تستمر العملية بالشكل المطلوب.
في كل الأحوال تبدو هذه الصناعة أمام احتمال تطورها فيما لو توفرت الشروط اللازمة لحمايتها، ودعمها، والاستفادة من الملاحات في مجالات عدة وفق مختار الشيخ زناد علي العلي الذي يرى أن الملاحات خرّجت متعلمين في الجامعات اللبنانية ونحن نصر على بقائها وتجاوز كل العقبات لاستمرار العمل فيها رغم الشروط الصعبة للعمل في الملاحات وانتاج الملح الذي يحمل أحياناً بعض الأضرار الصحية، ويكفي مشهدها الرائع الذي يفتح الباب أمام "الرجل الغريبة" للقدوم الى الشيخ زناد، وهذا يفتح الباب أمام حركة نحتاجها في منطقة تتميز بفقرها وافتقارها الى البنى التحتية، من هنا أهمية دعم هذه الصناعة وحمايتها والاستفادة من كل مناحيها نظراً للدور الذي تلعبه في حياة عائلات الشيخ زناد والكنيسة وتلبية وسواها من القرى والبلدات في سهل عكار.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا