من المنتظر ان يشكل هذا الاسبوع مساحة اختبار لنتائج المشاورات السياسية الجارية على خطوط عدة، لتحصين الساحة اللبنانية في مواجهة المخاطر التي يحملها ملف القرار الظني والمحكمة الدولية، بينما تكشّف المزيد من المعطيات حول اختراق الموساد الاسرائيلي لقطاع الاتصالات، عبر استباحة «داتا» شبكة شركة « ألفا»، معظم أيام حرب تموز.
وبات واضحا ان معيار تحقيق أي تقدم داخلي يكمن في المسار الذي ستسلكه قضية شهود الزور المفترض ان تكون على موعد مع جلسة حاسمة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع، تردد انها قد تكون الاربعاء المقبل، علما بأن جلسة عادية ستعقد اليوم في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس سعد الحريري.
وبينما التقى النائب وليد جنبلاط أمس الرئيس السوري بشار الاسد وسمع منه كلاما وديا تجاه الرئيس الحريري، يبدأ الرئيس نبيه بري اليوم زيارة الى باريس حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخميس المقبل وسيبحث معه في محاذير القرار الظني المتداول وتعقيدات المحكمة الدولية، وهو الامر الذي كان أيضا موضع نقاش بين ساركوزي والرئيس ميشال سليمان في اللقاء الذي عقد بينهما في سويسرا، حيث علم ان الرئيس الفرنسي أطلق امام نظيره اللبناني إشارة مهمة بقوله ان المحكمة الدولية طالب بها اللبنانيون قبل سنوات، ودعمت فرنسا موقفهم الإجماعي عليها، وإذا حصل إجماع لبناني على أي موقف جديد فسندعمه.
وفي حين يحاول رئيس الجمهورية تجنيب مجلس الوزراء تجرع كأس التصويت المر على ملف شهود الزور حتى لو تطلب مسعى التوافق كسب المزيد من الوقت، يبدو فريق المعارضة ميالا الى حسم المسألة هذا الاسبوع سواء عبر التوافق او التصويت، علما بأن الخيار الثاني سيضع الرئيس سليمان والنائب جنبلاط امام محك اتخاذ موقف واضح الى جانب الإحالة على المجلس العدلي او ضدها، وسط ترجيحات بأن يكون لقاء جنبلاط الاسد في دمشق أمس قد قاده نحو مغادرة منطقة الوسط.
جنبلاط مرتاح للقاء الاسد
وقال جنبلاط لـ«السفير» ليلا ان الجلسة مع الرئيس الاسد كانت ممتازة وموفقة ولطيفة جدا، وان الرئيس السوري وجه إشارات ود مباشرة الى الرئيس سعد الحريري. وأوضح انه جرى عرض عام للوضع في المنطقة، ولآفاق المرحلة المقبلة على المستوى اللبناني، وكان هناك تركيز على ضرورة التهدئة والحوار.
وعلمت «السفير» ان جنبلاط عرض مع الاسد الجهد الاميركي المبذول لتخريب العلاقة السورية - السعودية، حيث بدا ان الرئيس السوري في هذا الجو، كما تطرق جنبلاط الى زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان الى بيروت التي لم تكن «زيارة سياحية»، وقد ابلغ رئيس اللقاء الديموقراطي الرئيس الاسد ان فيلتمان حاول استعادته.
وقال جنبلاط في تصاريح إعلامية أدلى بها بعد عودته من دمشق انه كان هناك توافق في الرأي مع الرئيس الاسد على كل الملفات، معتبرا انه «في هذه المرحلة حيث الأمن العربي والقومي مهدد، المطلوب التنسيق والتعاون مع سوريا، وكما مررنا في الماضي في ظروف متشابهة وانتصرنا، فسننتصر ايضا».
وأكد ان «القيادة السورية تركز على ضرورة التهدئة في لبنان والخطاب المعتدل، وان الأسد شدد أمامه على الحوار بعيدا عن التشنّج»، مشيرا الى ان الرئيس السوري يحمل مودة لرئيس الحكومة سعد الحريري ورغبة في التعاون معه.
وكان جنبلاط قد أوضح خلال لقاء في بلدة عانوت في إقليم الخروب، انه سأل فيلتمان خلال لقائهما الاسبوع
الماضي «لماذا لا ننظر معاً الى فرضيات أخرى، لكن الاخير رفض هذا الامر، وقلت له نحن الذين عملنا معا من اجل تحقيق هذه المحكمة، لكن لا نريد ان تكون هذه المحكمة سبباً لفتنة أو لدمار لبنان».
ولفت جنبلاط الانتباه الى ان تأخير القرار الظني الى آذار «يعني اننا أخّرنا المشكلة». ودعا الى عدم اللجوء الى التصويت في الحكومة على موضوع شهود الزور «لأن هذا الامر قد يجر البلاد الى ازمة وزارية، ولا بد من معالجة هادئة، وأعلم ان هذه المعالجة هي اليوم قيد الدرس والمساعدة من قبل السعودية وسوريا».
بري يدعو إلى الحسم
أما الرئيس نبيه بري فقال لـ«السفير» ان جلسة مجلس الوزراء التي يفترض ان تعقد هذا الاسبوع يجب ان تكون حاسمة بخصوص ملف شهود الزور، معتبرا ان هذا الملف لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل، وحان الوقت للبت فيه، بعدما طال الاخذ والرد حوله. ولفت الانتباه الى ان وزراءه وافقوا خلال الجلسة السابقة على تأجيل البحث فيه، انطلاقا من انه ستخصص له جلسة نهائية هذا الاسبوع.
وأضاف بري: لقد أراد رئيس الجمهورية ان يمهد لهذه الجلسة بجولة من المشاورات السياسية سعيا الى بلوغ التوافق حول المعالجة القضائية لموضوع شهود الزور، وهذا حقه، وامامه كل أيام الاسبوع حتى يحاول إنجاز هذه المهمة، إنما بمعزل عما يمكن ان يحققه، نحن ننتظر ان تُعقد الجلسة قبل نهاية الاسبوع.
وأكد تمسك المعارضة بإحالة قضية شهود الزور على المجلس العدلي، مشيرا الى انه لا يوجد حل وسط بين طرحنا وطرح الفريق الآخر الذي يطالب بان يضع القضاء العادي يده على الموضوع، ونحن ندعو الى التوافق على اعتماد خيار المجلس العدلي، فإذا تعذر ذلك، فينبغي اللجوء في الجلسة المقبلة الى التصويت، حتى تتضح حقيقة مواقف كل الاطراف ومدى تطابق المعلن منها مع المضمر، ونحن مستعدون من جهتنا لتقبل النتائج، أيا تكن.
وإذ شدد على ان رئيس الحكومة نفسه تكلم على قضية شهود الزور، وكل ما فعلناه اننا اقترحنا صيغة قانونية لمعالجتها، نبه الى ان سلوك طريق القضاء العادي يعقد المشكلة ولا يحلها، لانه سيحرج القضاء وسيفرض استبعاد بعض كبار القضاة عن مراكزهم لكونهم موضع خصومة في القضية المثارة، وهذا من شأنه ان يثير أزمة جديدة، باعتبار ان البعض سيتمسك بهؤلاء القضاة وسيرفض تنحيتهم.
اجتماع لوزراء المعارضة
وفي حين يعقد وزراء المعارضة اجتماعا تنسيقيا اليوم، قالت مصادر قيادية بارزة في المعارضة لـ«السفير» انه لم يعد مقبولا استهلاك الوقت بتأجيل تلو الآخر ويجب اتخاذ القرار المناسب، ولو عبر التصويت على الإحالة على المجلس العدلي إذا اقتضى الامر، وفي حال خسرنا فلن تكون نهاية العالم، بل مجرد معركة خسرناها، لكن الوضع سيصبح أصعب بكثير على الرئيس الحريري حينها، واغلب الظن انه سيندم لاحقا على إسقاط خيار المجلس العدلي.
وأشارت المصادر الى ان المعارضة تتفهم حاجة الرئيس سليمان الى بعض الوقت كي يحاول الوصول الى التوافق حول مسألة شهود الزور، وهي تدرك ان موقعه الوسطي يتطلب منه التمهل وتكرار المحاولة مرة أولى وثانية، لكن لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال الى ما لا نهاية، ولا بد في لحظة ما من حسم الامور، علما ان هذا الاستنزاف إذا استمر يسيء أولا الى صورة رئيس الجمهورية.
ساركوزي لسليمان: ندعم أي إجماع
في هذه الاثناء، عاد الرئيس سليمان من سويسرا، في ساعة متأخرة من ليل أمس، بعد مشاركته في القمة الفرنكوفونية التي انتخب نائبا لرئيسها.
وقد شكل لقاء سليمان - ساركوزي على هامش القمة محطة بارزة، فيما قال مصدر دبلوماسي لبناني لـ«السفير» ان ساركوزي أبدى حرصه على دعم حكومة الوفاق الوطني ورئيس الجمهورية في دوره الوفاقي لايجاد حلول للقضايا الداخلية المطروحة بهدوء وبالحوار وبعيدا عن التشنج والتوتير.
وأوضح المصدر ان ساركوزي اكد لرئيس الجمهورية استعداده للمساهمة والمساعدة في كل ما يسهل الحوار والتلاقي والتهدئة، وأن فرنسا مستعدة لاستقبال جميع القيادات، لا سيما المتحاورين بلا استثناء، اذا كان ذلك عاملا مساهما في التهدئة والوفاق.
وأشار المصدر الى انه «يُستشف من كلام ساركوزي خلال المحادثات انه جاهز للعب دور لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين انفسهم حول القضايا الخلافية وفي صلبها المحكمة الدولية والقرار الاتهامي المنتظر صدوره، وبين بعض اللبنانيين وسوريا».
وأبلغت مصادر دبلوماسية فرنسية «السفير» ان ساركوزي عبّر امام سليمان عن قلقه الشديد على الوضع البناني، وقال له ان المحكمة الدولية طالب بها اللبنانيون قبل سنوات، ودعمت فرنسا موقفهم الإجماعي عليها، وإذا حصل إجماع لبناني على أي موقف جديد فسندعمه، في إشارة جديدة الى ان أي توافق جديد حول المحكمة سيحظى بتجاوب فرنسي.
وحذر ساركوزي ـ بحسب المصادر ـ من ان الفوز المرتقب للجمهوريين في الانتخابات النصفية الاميركية سيؤدي الى نسف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية.
الموساد... والاتصالات
على صعيد آخر، يعقد وزير الاتصالات شربل نحاس، مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم في الوزارة، يتحدث فيه عن القرار الصادر عن مؤتمر الاتحاد الدولي للاتصالات الذي أدان، للمرة الأولى، التعدي الإسرائيلي على شبكة الاتصالات اللبنانية الثابتة والخلوية.
وفي سياق متصل، كشف مصدر قضائي لبناني لـ«السفير» أن التحقيقات الأولية مع الموقوفين في قطاع الاتصالات، من المتعاملين مع «الموساد» الإسرائيلي، ولا سيما شربل ق. وطارق ر.، بيّنت أن الإسرائيليين منذ اليوم الثاني لحرب تموز 2006، وعلى مدى اثنين وثلاثين يوما (13 تموز ـ 14 آب)، تمكنوا من الإمساك بشركة «ألفا» من ألفها الى يائها، وكانوا يتحكمون بـ«داتا» معلومات الشركة كلها، وهو الأمر الذي وفر لهم في بعض الأحيان، معلومات سواء لاستهداف أبنية، خصوصا في الضاحية الجنوبية والجنوب، أو أفراد، تبعا لما كان يتوافر لهم من معلومات على مدار الساعة، اذ تبين أن الاسرائيليين كانوا ممسكين بكل قاعدة معلومات الشركة المذكورة