أُنجز الحِمل الأكبر في ملفات الإرهاب التي كانت تُهدّد أمن الداخل اللبناني، باستثناء ملف مطلوبي عين الحلوة المتّهمين بجرائم إرهاب. أُمِّنت الحدود اللبنانية وأُزيل تهديد تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، بعدما رُحِّل مسلحوهما صوب دير الزور وإدلب. ولم يبقَ سوى العشرات ممن يحملون فكر التنظيمين المتشددين يترقبون من خلف «حدود» مخيم عين الحلوة. يسعى هؤلاء إلى مغادرة المخيم إلى الداخل السوري بعدما ضاقت بهم السُبل، ناهيك عن فشل مشروع البعض منهم، إلا أنّ مسعاهم أُحبِط إلى الآن.
لم تنته محاولات الحلحلة بعد، والملف يُطبخ على نارٍ هادئة. فما هي العُقد التي تحول دون إنجازه؟ وماذا سيكون الثمن الذي سيُدفع في المقابل؟ هل ستكون صفقة تبادل؟ ومن سيكون طرفاها؟
بحسب معلومات «الأخبار»، مع إثارة قضية الترحيل إلى سوريا، سارع ١٤٧ مطلوباً إلى تسجيل أسمائهم في قائمة الراغبين بمغادرة المخيم. وكشفت المصادر أنّ هؤلاء توزّعوا بين ١٢٠ مطلوباً فلسطينياً وسورياً، في مقابل ٢٧ لبنانياً. شُكّلت لجنة تنفيذية جالت على المطلوبين لتسجيل اسم من يودّ الالتحاق بركب المغادرين. وأكّدت المصادر أنّ اللواء عباس ابراهيم أبلغ الوسطاء استحالة قبول مغادرة أي مطلوب لبناني في حال أُبرِمت الصفقة، مشدداً على ضرورة محاكمة المطلوبين اللبنانيين المتورطين في دماء أبرياء أمام القضاء اللبناني. وعلى الرغم من أنّ المدير العام للأمن العام أكّد أمس وجوب «إقفال ملف مخيم عين الحلوة لكونه يشكّل ثغرة أمنية داخل الجسم اللبناني والفلسطيني»، إلا أنّ المصادر تؤكد أنّه لم تُذلّل العقبات بعد أمام عقد صفقة انتقال مطلوبي عين الحلوة إلى إدلب.
تتحدث المصادر عن تعقيدات كثيرة تعتري الملف، رغم وجود الرغبة والنية لإنهائه. وفي هذا السياق، تكشف المصادر أنّ الدولة اللبنانية لا تزال تُشكِل على العديد من التفاصيل الأساسية في هذه القضية. من بين هذه العُقد، جنسيات المغادرين وطبيعة الجرائم المتّهمين بارتكابها. فهل يُعقل أن يُترك شادي المولوي يخرج بحماية الدولة اللبنانية؟ ماذا عن الـ ١٣ مطلوباً من جماعة الشيخ أحمد الأسير؟
عُقدة أخرى تُضاف أيضاً، تتمثل بتردد معلومات عن رفض الدولة السورية نقل عشرات المتّهمين بالإرهاب إلى أراضيها. وهنا تتحدث معلومات عن احتمال تبدّل في موقف الجانب السوري، في حال عقد صفقة تبادل مع تنظيمي «النصرة» و«الدولة» لتحرير عدد من الأسرى السوريين، يُضافون إلى لبنانيَّين مخطوفَين في سوريا، أحدهما مصوّر صحافي والآخر ناشط إغاثي، ناهيك عن كشف مصير المطرانين المخطوفين. ورغم ما سبق، تكشف مصادر عين الحلوة أنّهم اتّخذوا قرارهم بالمغادرة، لكنهم ينتظرون قرار الحكومة اللبنانية التي لم يتبلّغوا منها جديداً سوى موقفها الرافض لعقد أي صفقة في هذا الخصوص.
تنقسم المواقف إزاء هذه القضية، بين مرحّب بالخطوة باعتبارها تُخلّص لبنان من قنابل موقوتة تجثم على صدره وتُهدّد أمن مواطنيه واللاجئين الفلسطينيين فيه، وبين من يعتبر أنّ ترك مطلوبين متورطين في أعمال إرهابية يغادرون الأراضي اللبنانية بتسهيل من الحكومة اللبنانية من دون محاسبة يجرح مفهوم العدالة ويُشجّع على الإرهاب. وهنا قد يُستعاد الانقسام القائم والجدل بشأن السماح لمسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» بالمغادرة. وتزدحم الأسئلة المتناقضة بين قائل كيف تتركون القتلة يفرّون من دون حساب، وآخر يرى في فتح الطريق لذهابهم فرصة نجاة للبنانيين والفلسطينيين من خطر داهم كان يتهددهم بالانفجار في كل لحظة. هذا بعيداً عن النكاية السياسية التي تُمارسها بعض الأطراف باعتمادها ازدواجية المعايير في مقاربة هذا الملف، ولا سيما أنّ بعض من يستنكر ترك مسلحي «الدولة» يُغادرون أحياء، هم أنفسهم من هلّلوا لترك مسلحي جبهة النصرة واستنكروا هجوم مقاتلي حزب الله عليهم.