ثلاث سنوات مرت على سقوط مخيم نهر البارد ومأساة اهله المشردين في اماكن مختلفة وفي ظروف سيئة للغاية تتفاقم يوماً بعد يوم واصحاب القرار ينامون على ريش من نعام غير عابئين بمعاناة اربعين الف مهجر يعيشون ظروفاً انسانية صعبة. الاعتصامات لم تجد نفعاً، الظهور الاعلامي لم يحل مشكلة المخيم، مقابلة المسؤولين واصحاب الشأن من جميع الاطراف لم تلق اذاناً صاغية، فما كان من منكوبي البارد الا التوجه الى وسط مدينة بيروت وتلبية دعوة "هيئة المناصرة الأهلية لمخيم نهر البارد" للاعتصام التضامني مع أهالي البارد بعد توقيف الاعمار فيه يوم الاثنين 12-10-2009 في ساحة الشهداء.

شارك في الاعتصام الحاشد شخصيات لبنانية وممثلون عن الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وفصائل م.ت.ف وحشد من رجال الدين ووجهاء وفاعليات المخيمات الفلسطينية وممثلو اللجان الشعبية والمؤسسات الاهلية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وحشد من اهالي مخيم نهر البارد. ورفعت اعلام فلسطين في ساحة الشهداء واليافطات المطالبة باعادة اعمار مخيم نهر البارد.

والقت منسقة "هيئة المناصرة الاهلية لمخيم نهر البارد" نوال حسن كلمة شددت فيها على ان هيئة المناصرة واهالي المخيم ما زالوا ينظرون بجدية الى كلمة الرئيس ميشال سليمان في خطاب القسم حول الانتهاء من آثار "جرح البارد"، متسائلة ألم يحن الأوان ان يلتئم هذا الجرح النازف منذ عامين ونصف العام، ومشيرة الى وعد وعهد دولة الرئيس فؤاد السنيورة "ان النزوح مؤقت، والعودة مؤكدة، والاعمار محتم".

وأضافت حسن "منذ ما يزيد عن خمسة اشهر استبشرنا خيراً بقرار الحكومة اللبنانية باستملاك اراضي المخيم والموافقة على المخطط التوجيهي والتنفيذي وطمر الآثار المكتشفة بطرق علمية بعد توثيقها من قبل لجنة منتدبة من مديرية الآثار في وزارة الثقافة، الا اننا فوجئنا بالطعن المقدم الى مجلس شورى الدولة ضد قرارات الحكومة باعادة اعمار المخيم".

وثمنت ما تقوم به الحكومة من خطوات لابطال هذا الطعن الذي هو بمثابة طعنة في ظهور ابناء شعب الفلسطيني، معولة على حكمة وانسانية مجلس شورى الدولة في اتخاذ القرارات التي تسرع في انهاء معاناة اكثر من اربعين الف فلسطيني من مخيم البارد ما زالوا يقبعون في اماكن الايواء المؤقت المهينة والمذلة والحاويات المعدنية التي لا تصلح لحياة آدمية. كما استنكرت محاولات استخدام المخيم في التجاذبات السياسية اللبنانية واستخدامه كورقة لتحسين مواقع البعض على حساب شعبنا والآمهِ ومأساته ونزوحه وتشرده.

وجددت حسن دعوتها الى تضافر كل الجهود اللبنانية والفلسطينية لتذليل كافة العقبات التي تقف امام عرقلة مشروع اعادة اعمار مخيم نهر البارد، لأن ما يجري الحديث عنه حول الآثار وإثارتها يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات والتحليلات ويجعلها متساوقة مع مؤامرة التهجير لأبناء المخيم وبالتالي للفلسطينيين في لبنان، مشيرة "نحن مع الحفاظ على ثروة لبنان الاثرية، وليس صحيحاً ان هناك استهتاراً بالاثار التي وجدت بل العكس هو الصحيح لأن كل ما وجد من اثار قد وثق وتم بعد ذلك طمره في حفرة محددة وعلى حساب اموال اعمار المخيم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي نوعية الاثار المكتشفة وحجمها واهميتها التاريخية؟ ولماذا اثيرت ضجة كبيرة ومبرمجة عن وجود مدينة اثرية تدعى ارتوزيا تحت المخيم على الرغم من ان مديرية الاثار لم تعلن حتى اليوم عن حقيقة ما تم اكتشافه. في الوقت الذي لم تهتم فرق الاثار اللبنانية بهذا الموضوع على مدى 80 عاماً كما يشير تقرير اعلامي منذ العام 1927 فلماذا اقرت الحكومة اللبنانية في العام 49 انشاء هذا المخيم فوق موقع تعلم انه يحتوي على اثار؟ ولماذا لم يجر ترميم او اعادة تأهيل عدد كبير من الاماكن الاثرية مثل قلعة شقيف المهددة بالانهيار وهي احدى اهم القلاع التاريخية في الشرق الاوسط والتي يعود تاريخها الى القرن الثاني عشر حين بناها الصليبيون حصنا منيعا لجيوشها، وقلعة ميس المهددة بالزوال فتناهشها الاهمال وقوضها النسيان، والاثار الرومانية في بيروت بين النفايات والتحلل، فالمدينة التي تغص بالآثار الرومانية القديمة تتخلص من هذه التحف لصالح اقامة بنايات سكنية حديثة ويكون مصير الاثار مكب نفايات النورماندي، واثار البص المطلة على البحر التي لم يتم الاتفاق على ترميمها منذ العام 1998، والكارثة الكبرى التي حلت باثار مدينة طرابلس في مراحل عديدة حيث ازيلت السرايا القديمة والمواقع الاثرية الهامة في محيط نهر ابو علي وبالأمس القريب تهدم مسرح الانجا ومنذ ايام ازيلت مدرسة السلطانية التي تعود الى العهد العثماني والتي كانت في زمن الانتداب الفرنسي وبعده مباشرة عاصمة التعليم في لبنان وخان العبدة الذي دمر تدميراً كاملاً اثناء المعركة وقلعة حكمون في ضواحي المنية حيث اصبحت مزرعة للبقر".

 

وكانت مدينة صيدا قد شهدت أيضا اعتصاما جماهيريا حاشدا أمام مقر الأمم المتحدة دعت اليه القوى الوطنية والاسلامية في صيدا ومخيم عين الحلوة تحت شعار "نتوحد من أجل إعادة إعمار مخيم نهر البارد". وشارك في الاعتصام امين سر فصائل م.ت.ف وحركة فتح في صيدا وممثلو القوى والفصائل الوطنية والاسلامية والاتحادات والمنظمات واللجان الشعبية والفلسطينية حيث رفعت خلاله اليافطات والشعارات التي تتطالب وتؤكد على الوعد الذي قدمته الحكومة اللبنانية بإعادة اعمار المخيم.

وأكد عضو قيادة حزب الشعب الفلسطيني عمر النداف في كلمة ل م.ت.ف القاها في المناسبة على أن الإصرار والمطالبة باعادة اعمار مخيم نهر البارد بشكل سريع، ما هو إلا تشديدا على الاهمية السياسية التي تمثلها المخيمات الفلسطينية كإحدى ركائز حق العودة ورفض التوطين، مجددا الدعوة الى تضافر جميع الجهود اللبنانية والفلسطينية وازالة كافة العراقيل وحل مشكلة الاثار وفقا لقرار مجلس الوزراء بهدف انهاء هذا الملف في اطار توفير مقومات صيانة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وتعزيز موقفه والتمسك بحق العودة وفقا للقرار 194.

بدوره، ناشد وليد جمعة في كلمة لقوى التحالف الفلسطيني مجلس شورى الدولة العمل على انهاء معاناتهم المستمرة التي مضى عليها ما يزيد عن عامين ونصف العام وذلك عبر الشروع في اعادة اعمار المخيم القديم من خلال انهاء ملف الاثار بما يخدم المصلحة الوطنية، والاسراع  في اعادة اعمار المخيم الجديد انسجاما مع قرار الحكومة اللبنانية.

وطالب الشيخ عبدالله حلاق في كلمة القوى الاسلامية، من جهته، الى الاسراع في اعادة اعمار مخيم نهر البارد باعتباره ركناَ اساسياً من اركان الحفاظ على الهوية والنسيج الاجتماعي والتمسك بحق العودة في مواجهة كافة اشكال التوطين والتهجير، مستغربا قرار مجلس شورى الدولة المستجد والمفاجئ واسباب تاجيل اعادة اعمار المخيم.

وكان أمين سر اللجان الشعبية لقوى التحالف عبد المقدح قد تلا مذكرة موجهة الى الحكومة اللبنانية والامم المتحدة تم تسليمها الى مدير خدمات الاونروا في صيدا، شددت على مطالبة الأخيرتين بالبدء الفوري في إعادة اعمار مخيم نهر البارد، ومطالبة الأونروا بأن تتولى مسؤولية الاعمار والترميم في المخيم الجديد. كما طالب المذكرة بإلغاء الحالة العسكرية المفروضة على المخيم وإلغاء التصاريح والسماح بحرية الحركة والتواصل مع اهالي نهر البارد والزائرين، والتعويض على اهالي المخيم الذين تضرروا في بيوتهم وممتلكاتهم وتجارتهم، وتسليم البيوت والعقارات لأصحابها والسماح لهم بالعودة الفورية اليها.

وناشدت الاونروا بوقف عملية تقليص الخدمات لأهلنا في مخيم نهر البارد والاستمرار في برنامج الاغاثة اليومية لدعم العائلات، مطالبة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والدول المانحة بتوفير الدعم المادي الكافي والسريع لاعادة اعمار المخيم.

وأشارت الى أن هذا الاعتصام هو خطوة اولى ستتبعها سلسة من الفعاليات من اجل تحقيق المطالب المحقة لاهلنا في مخيم نهر البارد.

 

وفي صور، وجهت لجنة المتابعة مذكرة الى كل من رئيس الحكومة اللبنانية والمفوض العام للأونروا طالبوا فيها بضرورة إنهاء ملف نهر البارد بإعادة  إعماره وعودة سكانه وتأمين العيش الكريم لهم. كما توجهوا الى وكالة الغوث الدولية والمؤسسات الإنسانية لمواصلة دورها في تطوير ادائها تجاه ابناء المخيم  والعمل مع المجتمع الدولي لتوفير الأموال اللازمة لإعادة اعماره.

جاء ذلك خلال الاعتصام التضامني مع أهالي البارد المتزامن مع اعتصامات باقي المخيمات، والقى خلاله ابو العبد تامر عزيز كلمة شدد فيها على ضرورة رفع الصوت عالياً إذ أن حياة الفلسطييين أصبحت لا تطاق خصوصاً حياة النازحين من مخيم نهر البارد، مضيفا أنه "من حقنا على الدولة اللبنانية تحمل مسؤولياتها وأن تسرع بتسهيل إعادة الإعمار وايجاد الحلول القانونية للعوائق التي تقف بوجه اعمار المخيم، والا سنعتبر هذه الحفريات حفريات سياسية لتشتيت الشعب الفلسطيني من جديد".

وشدد على ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي للمخيم، والحفاظ على ترابط العائلات وتقارب القرى الفلسطينية ببعضها البعض، ليبقى المخيم "صورة مصغرة عن الوطن الذي نقرأه ونعيشه في كل صباح ومساء"، متوجها لكل من يقف بوجه التوطين أن يقف بنفس الشدة من تهجير أهالي مخيم نهر البارد لأن التهجير يؤدي حتماً الى التوطين، ومعتبرا ان المساهم بالتهجير شريك للمساهم بالتوطين.

 

وتحت شعار في البارد بيتي دعما لأعمار المخيم نظمت اللجان الشعبية في البقاع الأوسط والبقاع الشمالي اعصامات جماهيرية بمشاركة عائلات البارد المقيمة في المنطقة وعلماء الدين وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية في المنطقة والمؤسسات المدنية الناشطة في المجتمع المحلي الفلسطيني وتحدث ألاخ احمد شاهين عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن معاناة أهل البارد والظروف الاجتماعية القاسية والتجاذبات السياسية الضاغطة والمؤخرة في عملية إنجاز الأعمار وعودة الأهالي وتطرق للوضع الفلسطيني الراهن وما جرى مؤخرا عبر الإعلام العربي والمحلي وأكد على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني الذي هو الخيار الأفضل والأسمى لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.