×

6 آلاف عام حضارة تختصرها 20 سنة تنقيب في موقع الفرير الأثري.. 170 مدفناً و3 معابد وأبراج الكنعانيون يثبتون أنهم صيداويون.. إليكم التفاصيل!

التصنيف: ثقافة

2018-07-24  10:59 ص  556

 

صيدا - رأفت نعيم

عند وصولها مع فريق بعثة المتحف البريطاني إلى صيدا قبل عشرين عاماً، لم تكن رئيسة البعثة الدكتورة كلود ضومط سرحال تعرف أن أعمال التنقيب التي بدأت بها البعثة في موقع الفرير الأثري صيف العام 1998 وبمشاركة من خبراء آثار لبنانيين ستتواصل لعقدين لاحقين من الزمن. كما لم يكن أحد يدرك أن في هذا الموقع الذي لا تتعدى مساحته بضع مئات مربعة من الأمتار، يتراكم نحو ستة آلاف عام من الحضارات التي تختصرها طبقات الأرض التي توصلت إليها الحفريات مع ما أظهرته من مكتشفات أثرية وأنماط عيش وتقاليد وعادات في المسكن والعمل والمأكل والملبس والحزن والفرح والتجارة وغيرها مما يميز حضارة عن أخرى.

إلا أن أهم ما خرجت به مكتشفات السنوات العشرين هو إماطة اللثام عن بعض حلقات كانت غير واضحة أو مفهومة من تاريخ المدينة القديم، وإعادة الربط بين الحقبات الزمنية المتسلسلة عبر الطبقات المكتشفة في الموقع المذكور، وتمكن باحثي المتحف البريطاني ولأول مرة من التوصل إلى اثبات علمي يؤكد أن أصول الصيداويين واللبنانيين مرتبطة مباشرة بالكنعانية. وبهذا المعنى فإن الكنعانيين هم الذين يفتشون اليوم عن أصولهم ويثبتون صيداويتهم ولبنانيتهم.

اذاً، عشرون سنة مرت على بدء أعمال التنقيب التي تقوم بها بعثة المتحف البريطاني بالتعاون مع المديرية العامة للآثار في موقع الفرير، كانت حافلة بالمكتشفات الهامة والنادرة التي اضاءت على حقبات مختلفة من تاريخ المدينة القديم بدءاً من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى العصور الإسلامية. وأخرجت بعض ما تختزنه أرض صيدا القديمة من آثار لحضارات وشعوب مرت على المدينة.

رئيسة البعثة الدكتورة سرحال وفي مؤتمر صحافي عقدته في موقع حفرية الفرير وبحضور الخبيرة المنتدبة من قبل المديرة العامة للآثار ايناس صالح وممثلة مكتب الرئيس فؤاد السنيورة نادين ترياقي، أعلنت عن جديد المكتشفات وأبرزها برج دفاعي على السور التاريخي لصيدا القديمة في الجهة الشمالية الغربية للموقع الذي يقوم عليه مشروع متحف صيدا التاريخي الذي ستكون هذه الحفرية بكل معالمها وحقباتها ومكتشفاتها جزءاً من خارطة ومسارات المتحف وبما سيتيح للزائرين التنقل بين الحضارات التي مرت على المدينة.

تقول سرحال: التنقيبات الدقيقة أغنتنا بصورٍ واضحة عن الإستمرارية التاريخية للمجتمعات التي سكنت لبنان. وتاريخ المدينة بأكمله يترسخ في هذا المكان، وموقع الفرير أثبت بأنه مصدر فريد وغني جداً للمعلومات حول الأنشطة الطقسية القديمة وتطورها مع مرور الزمن. حيث وفِّرت المكتشفات الأثرية في صيدا دراسة ممتازة وفريدة لتاريخ الطقوس والشعائرعند الكنعانيين والفينيقيين. كما أنه بالإضافة إلى النشاط التجاري، شكّل مركزاً هاماً لإقامة الولائم وتقديم الأطعمة.

وتضيف: لقد تم اكتشاف نحو 170 مدفناً اثرياً تعود إلى حقبات تاريخية مختلفة، وثلاثة معابد: أحدها يعود تاريخه إلى عام 1600 قبل الميلاد ويبلغ طوله 47 متراً. والثاني مخفي تحت الأرض ويعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ومعبد ثالث لا يزال قيد التنقيب، يعود إلى القرنين الحادي عشر والثامن ق.م. ولعلَّ من الأشياء الثمينة التي عُثر عليها في المعبد الفينيقي قطعة عظم مستطيلة الشكل حيث تم تسوية هذه القطعة وتنعيمها وحفرها بعمق لصورة شخص ذكر يميل رأسه لليمين، يرفع يده اليسرى ويمسك شجرة في يده اليمنى (كنعاني). ولقد عززت البيانات المُكتشفة في معبد صيدا الإعتقاد الراسخ بأن الفينيقيين هم بالفعل أحفاد الكنعانيين.

وتعتبر سرحال أن الإنجاز بعد عشرين سنة يكمن في الإجابة على سؤالين: ما هو أصلنا ومن أين أتينا؟.

وتضيف «وقد أجبنا عليهما في مرحلتين: الأولى نتيجة عملية التنقيب الميدانية طوال 20 سنة حيث رأينا الحضارات والطبقات التاريخية المتسلسلة التي تبدأ من 4000 قبل الميلاد وتنتهي إلى القرون الوسطى، هذا يعني أن سكان صيدا لم يتركوا أرضهم. والمرحلة الثانية هي ببحوث الـDNA التي اجريت في بريطانيا على عينات من هياكل عظمية تعود للحقبة الكنعانية أخذت من موقع الفرير في صيدا وتمت مقارنة نتائج هذه البحوث مع فحوص DNA مماثلة أجريت على لبنانيين موجودين اليوم واستنتجوا من هذه البحوث أن اللبناني الحالي ينتمي مباشرة إلى الكنعانيين. ومعنى ذلك أن ما رأيناه على الأرض والبحوث العلمية أثبتت أن الكنعانيين - اللبنانيين لم يتركوا هذه الأرض ومضى عليهم 4000 سنة هنا ورغم أنه مر عليها شعوب كثيرة لكنهم لم يستقروا فيها بينما عرف سكان البلد كيف يحافظون على أرضهم وأنفسهم أي أن لدينا أساس واحد مهما اختلفت طوائفنا.

سرحال عرضت بعضاً من المكتشفات التي أسفرت عنها أعمال التنقيب مؤخراً منها آنية رخامية نادرة من مصر القديمة وعقد من الأحجار الكريمة وفخاريات بأشكال فنية، إلى جانب الكشف عن واحد من أبراج البنى الدفاعية لمدينة صيدا القديمة، وهو عبارة عن برج نصف دائري مرتبط بجزء من سور صيدا التاريخي، ويعود للعصر الإسلامي»العهد المملوكي".

وأكدت سرحال أهمية متحف صيدا التاريخي الذي يقوم فوق الموقع نفسه، وتنفذه الشركة العربية للأعمال المدنية، ويجري العمل في مرحلته الثانية بعد تأمين هبة من دولة الكويت بمسعى من الرئيس فؤاد السنيورة وقدرها خمسماية ألف دينار أي ما يعادل مليون وسبعماية ألف دولار لإستكمال المتحف الذي سيضم مئات القطع من هذه الحفرية. وقالت سرحال بهذا الخصوص: هذا المتحف سيكون شاهداً على كل هذه المكتشفات وكل الطبقات التاريخية حتى يتسنى لمن يزوره أن يعرف ماذا يجري في كل طبقة وينزل إلى الموقع ويتجول بين هذه الحقبات من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرون الوسطى.

وتشير سرحال إلى أن العمل في المرحلة المقبلة سيكمل في مجال الأبحاث العلمية والأثرية حول مكتشفات صيدا والتي ينتظر العالم كله نتائجها، آملة أن يلهم هذا المشروع الأجيال الشابة للمشاركة في هذه الثروة من التاريخ والثقافة، لأن كلاهما متأصل في واقع بلد مثل لبنان.

إشارة إلى أن أعمال التنقيب في حفرية الفرير الأثرية التي تقوم بها بعثة المتحف البريطاني تحت اشراف المديرية العامة للآثار تتم حالياً بتمويل من قبل شركة الترابة الوطنية (اسمنت السبع) ومؤسسة الحريري، علماً أن أعمال التنقيب هذه تنهي عامها العشرون مع نهاية تموز الجاري.

(خاص "المستقبل")

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا