وراء كل مدرسة قصة نجاح وبداخل كل مركز نموذج مصغر لكن مشرق عن الروح الأسرية التكافلية التي تنطلق من كل فرد عامل فيها لتتلاقى مع غيرها في باقي الأقسام لتشكل الأسرة الأكبر التي تستلهم رؤيتها من المؤسسين وتتابع تجسيدها مع الهيئة الادارية الحالية برامج ومشاريع ومدارس ومراكز تخصصية تلقى أهدافها الصدى الايجابي المرحب والمتفاعل مع المجتمع المحيط فاعليات وهيئات ومؤسسات وافراداً .

وعاماً بعد عام تثبت جمعية رعاية اليتيم دورها التكافلي الريادي بكل اشكاله ومجالاته وخدماته ومن خلال التوجه نحو المزيد من التخصصية التي تلبي احتياجات الأولاد الذين يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة في الحصول على التعليم النوعي والرعاية بكل اوجهها الاجتماعية والصحية والنفسية وصولا الى شق طريقهم العملي في الحياة عبر تزويدهم بشهادة ومهنة او توجيههم الى حيث يكملون تعليمهم او يجدون عملاً ، ما أهّل الجمعية مؤخراً لأن تحصل على تنويه كإحدى قصص النجاح المسجلة ضمن مشروع بلدي التابع للوكالة الأميركية للتنمية .

مستندة الى ما راكمته منذ تأسيسها في العام 1952 من نجاح وريادة وتميز في مجال العمل الاجتماعي – التربوي والرعاية التخصصية التربوية والنفسية والإجتماعية التي حققت فيها نقلات نوعية من خلال مراكزها ومدارسها المتخصصة بمتابعة الأولاد الذين يعانون صعوبات تعلمية نتيجة مشكلات خَلقية أو صحية أو نفسية أو اجتماعية، تتجه جمعية رعاية اليتيم لتحقيق نقلة نوعية من العمل الاجتماعي بمفهومه التقليدي الى العمل المؤسساتي بآفاقه الرحبة .

د. مكاوي

يقول رئيس الجمعية الدكتور سعيد مكاوي لـ" المستقبل": نعمل على تطوير الجمعية وتحويلها الى مؤسسة . فمفهوم العمل الاجتماعي تطور مع مرور الزمن واصبح مرتبطاً بخطط وبرامج وتطوير دائم لمواكبة وتلبية احتياجات العصر على الصعيد الاجتماعي . فالجمعية محضونة من المجتمع الصيداوي ومدعومة من فاعليات المدينة السياسية وهذه نعمة لكن على صعيد الدعم الرسمية، نعرف امكانيات وزارة الشؤون الاجتماعية وهي ضمن امكانياتها تساعد الجمعيات لكن بنسبة قليلة فضلا عن مشكلة التأخر في الدفع وهذا تعاني منه كل الجمعيات وليس فقط نحن. والمشكلة هي انه اذا لم يكن لديك استثمارات لا تستطيع ان تستمر ، فهناك رواتب ومستحقات عليك ان تدفعها . واعتقد ان هذه المشكلة تحتاج الى حلول ضمن السياسة العامة للدولة.

ويضيف : في كل بلدان العالم القضايا الاجتماعية والصحية والتعليم تتقدم اية قضايا اخرى وهذه يقال عنها وزاراتها سيادية وريادية لأنها تتعامل مع الناس مباشرة وتخدمهم . لكن للأسف في لبنان موازناتها محدودة ، وهذا يرتب اعباء اضافية على الجمعيات خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي نعيشها في لبنان والتي باتت تنعكس ايضا على موارد الجمعية من التبرعات والدعم من الأفراد او المؤسسات وحتى السفارات التي تركز حاليا فقط على النازحين . وحده المجتمع المحلي يحتصن الجمعية لكن ضمن امكانياته وبالتجربة بتنا نشعر ان مجتمعنا رغم كل الظروف الصعبة التي ذكرت لا يزال يحمل بعضه بعضا.

ويتابع : ولذلك اتفقنا مع وكالة التنمية الأميركية عن طريق مشروع بلدي على تدريب فريق الجمعية لمدة سنتين لنحولها الى مؤسسة فجاءوا ودرسوا وضعها وحددوا نقاط الضعف ومضى على بدء التدريب سنة وشهران . ومن الآن وحتى فصل الصيف تصبح الجمعية بمواصفات المؤسسة . كما استحدثنا شبكة وقاعدة معلومات داخلية تربط بين الادارة وكل الأقسام داخل الجمعية ونعمل على تطوير مهارات الفريق وخدمات الأقسام .

مدارس الجمعية

وعن مدارس ومراكز الجمعية التي تحتضن 1400 -1500 طالب يقول الدكتور مكاوي : لدى الجمعية 5 مدارس اساسية :

-مدرسة اجيال صيدا فيها 800 طالب من مرحلة الحضانة وحتى السادس ابتدائي. هدفها استيعاب الأولاد المتسربين من الدراسة او الذين لا يقوى اهلهم على تعليمهم حتى في المدارس الرسمية وهم بالاجمال من الأولاد الذين تعيش عائلاتهم اوضاعا صعبة او الذين يعانون صعوبات تعلمية (98 % صعوبات اجتماعية و2% صعوبات مرضية) . هؤلاء تقدم لهم الأقساط والقرطاسية والكتب مجاناً . ويتم مواكبتهم بدعم اجتماعي تحت اشراف اخصايين اجتماعيين وعلاج نفسي وعلاج نفس - حركي وجلسات علاج نطق . وعندما بدأنا العمل على تأهيلهم وجدنا مع الوقت ان جزءاً كبيراً منهم لديهم صعوبات تعلمية لأنهم متروكين دون تعليم. فاستحدثنا وحدة خاصة في المدرسة للصعوبات التعلمية فيها حاليا حوالي 120 ولدا يتم العمل معهم ضمن برنامج خاص بكل مادة .والسنة الماضية من اصل خمسين أنهوا السادس ابتدائي، ابدى 37 منهم رغبتهم في متابعة تعليمهم . وهناك صفان استلحاق في المدرسة من عمر 7 الى 9 سنوات لم يدخلوا مدرسة في حياتهم رغم ان عيونهم تشع ذكاءً . هؤلاء يلتحقون لسنة ويتم تقييمهم آخرها ليتم على اساس هذا التقييم الحاقهم بالصف المناسب. وهناك توجه لتكبير هذه المدرسة ، علما انها تكلفنا سنوياً مليون دولار ، ولذلك اطلقنا برنامج تعليمي اسمه "كفالات" يتيح لمن يرغب في كفالة طالب او اكثر ، وهذا البرنامج يعطي بين 200 و250 الف دولار في السنة والباقي على عاتق الجمعية . ( قيمة كفالة كل ولد الف دولار في السنة بينما هو يكلف 2500 دولار ، والجمعية تؤمن 1500 دولار ) .طبعا هناك حاجة لتطويرها الى صفوف سابع وثامن وتاسع والأرض موجودة والمحسنون الكرام حاضرون لكن الكلفة ستزيد وهي في هذه الظروف عبء كبير على الجمعية لأنها ستزيد 1700 دولار على الولد) . ورغم ذلك عيننا على هذا المشروع وهو ببالنا ونقوم باستثمارات لنحمي الجميعة ونؤمن لها مداخيل ثابتة وبمجرد ان نشعر اننا مرتاحون اكيد سنفتح حتى الصف التاسع .

- "مركز احمد مصباح البزري لذوي الحاجات الخاصة العقلية" ويضم 150 ولدا من هذه الحالات . حاليا نشتغل على مهاراتهم في الموسيقى والرياضة والاولمبياد الخاص والرسم والأشغال والفنون ووصلنا الى مرحلة بدأنا نؤهلهم مهنياً . وعلى مدى السنوات الثلاث الأخيرة تمكن 30 ولداً من ذوي الحاجات الخاصة العقلية من ان يحصلوا على فرص عمل في مؤسسات في صيدا وينتجوا وبعضهم يصرف على عائلاتهم . ويتم تطوير هذا القسم بكل ما يساعد على تنمية مهاراتهم ، هناك غرفة مجهزة للعلاج الموسيقي تضم 280 قطعة ، وهناك غرفة المثيرات الحسية التي تساعد على تطوير مهارات الولد الى جانب مشاغل الأشغال اليدوية التي تعلمهم كيف يصنعوا حرفا يدوية ونقيم لهم معارض سنوية ليبيعوا نتاجهم ونؤمن لهم مهناً يستقطبهم بها سوق العمل .

- "مدرسة تأهيل وتوجيه الصم ". فنحن بدأنا بالتدخل المبكر للأولاد الصم من عمر سنة تدريجياً ويمكن دمجهم في برنامج دراسة عادي . لدينا الآن 130 ولدا . وهذه السنة قدم ثلاثة من مدرسة الصم على شهادة البريفيه الرسمية والثلاثة نجحوا ونحن نطمح لأكثر من ذلك لأن نوصلهم الى الجامعة. وهناك اولاد ياخذهم أهلهم الى مدارس عادية وينتظموا بالدراسة بشكل طبيعي . اربع صفوف للمرحلة الأولى لمدرسة الصم انجزوا وسيفتتحوا قريبا

- "مركز أحمد رياض الجوهري للتوحد" ، وتم استحداثه بناء على الحاجة التي واجهتنا في باقي المدارس لوجود مركز متخصص لحالات التوحد . يوجد فيه حاليا حوالي 50 ولدا . وكل ولد يكلف حوالي 10 الاف دولار في السنة الواحدة ، تغطي الوزارة حوالي 12 ولدا وبالنسبة للباقين يدفع الأهل 3000 دولار والجمعية تتحمل الباقي .

- "مدرسة محمد زيدان للتأهيل المهني " ونعني به هنا المهني المعجل ، وفكرته ان نأخذ الشباب والصبايا الذين يكون مستواهم التعليمي دون البريفيه فنشتغل عليهم لسنة واحدة وينالوا شهادة من الدولة ونطلقهم الى سوق العمل. وقد اخترنا الاختصاصات التي تمكنهم من البدء بأعمال ومشاريع لا تحتاج الى رأسمال مثل "مصففة شعر ، حلاق ، مساعد شيف طباخ ، تصليح خليوي ، شبكات كومبيوتر كهرباء صناعية وغيرها ". وخلال السنة يخضعون لفترة تدريب حيث نرسلهم الى مؤسسات بهذه الاختصاصات ليتدربوا ومعظمهم يشغلهم عنده .فحوالي 70% من الخريجين يجدون فرص عمل. واضفنا اليها هذه السنة تخصص التربية المختصة الذي يمكن المتدرب فيه من العمل بمراكز الصم والحالات العقلية والصعوبات التعلمية . واعتقد انه سيكون هناك فرص عمل لخريجي هذا الاختصاص اذا طبقت خطة وزارة التربية لجهة استحداث مراكز متخصصة للصعوبات التعلمية والدمج في بعض المدارس الرسمية لأن هذه المراكز ستحتاج معلمين .

مراكز واقسام

وعن المراكز والأقسام الأخرى الموجودة في الجمعية يقول الدكتور مكاوي : هناك "مركزالتشخيص النموذجي " لتصنيف حالات الأولاد الذين تستقبلهم الجمعية في مدارسها وتوزيعهم كل بحسب حالته على المدرسة المتخصصة المناسبة لها، أو توجيه الأهل – إذا رغبوا أو اذا لم يتوافر العلاج المناسب لهم في مدارسها – إلى مدارس ومؤسسات أخرى بعد تزويدهم بالتوصيف العلمي والنفسي والاجتماعي لهذه الحالة أو تلك والذي يسهل لاحقاً تحديد المدرسة المناسبة لأولادهم. وهناك ايضا مدرسة صعوبة التواصل التي يمضي فيها الولد سنتين ثم يكمل تعليمه العادي . هذا فضلا عن العيادات الخارجية في الجمعية وعددها 8 حاليا ونعمل على زيادتها الى 11 . وهذه لا تقتصر على استقبال ومعاينة الحالات من مدارس الجمعية بل وتستقبل حالات من خارجها . وتشمل علاج النطق والعلاج النفس حركي والنفسي ، وهذه العيادات تعاين في اليوم الواحد 50 ولدا من مدارس صيدا، وتقدم خدمة مميزة بكلفة مخفضة فبدلا من ان يدفعوا 700 دولار شهريا عن جلسات في عيادات خاصة خارج الجمعية ، بدأنا بـ20 الف ليرة للجلسة الواحد والآنبين 25 و30 الف ليرة .وبالتالي كلفة مجموع الجلسات لا تزيد على 100 دولار .

وهناك مشروع نعمل عليه حاليا لإنشاء مركز للعلاج النفسي لاستقبال الحالات النفسية فقط . بالاضافة الى اقسام أخرى موجودة في الجمعية مثل " المشاغل، قسم الأطراف الاصطناعية، المنامات للصبيان وللبنات".

تطوير مداخيل الجمعية

وعن كيفية تأمين الجمعية لمداخيل ثابتة لها يقول الدكتور مكاوي : بالتوجه العام نحاول القيام باستثمارات لتأمين دخل ثابت للجمعية التي يوجد فيها 360 موظفا وموظفة وتحتاج 5 ملايين دولار بالسنة لتشغيل مؤسساتها وبرامجها وخدماتها .الدولة تساهم بحوالي 30% والناس تساعد بـ30% ، والـ40% الباقية تكون من استثمارات الجمعية التي نعمل على تطويرها لنرفع النسبة ونحافظ على نوعية الخدمة التي تقدم وتطويرالعمل . وفي ضوء كل المعطيات والظروف التي ذكرت والتي تعمل الجمعية في ظلها ، بات عليها ان تطور مداخليها الثابتة لتستطيع أن تغطي نفقاتها وتطور عملها وتحافظ على هذا التطور لأن الخدمة الاجتماعية باتت تساوي أموالاً. وفي هذا السياق لدى الجمعية استثمارات تعمل على تطويرها والافادة منها مثل مباني الجامعة اللبنانية وجامعة الجنان والمركز التجاري الذي يقوم حاليا بجانب الجمعية وايجارات للجمعية تؤمن لها 40% من مداخليها السنوية . وايضا هناك مشروع للتنظيف والغسيل الذي نعمل حاليا على تطويره ليقدم خدمة الغسيل لخارج الجمعية. كما ان الجمعية تسعى لأن تكون صديقة للبيئة وبدات باعتماد الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء والمياه الساخنة .

ويشير مكاوي الى ان اعدادا كبيرة من الناس التي تحصل على الخدمة في الجمعية وتذهب الى بيتها هم من صيدا والجوار لكن طلاب القسم الداخلي بمعظمهم من خارج صيدا (15-20% منهم من صيدا ولدينا حالات من البقاع والشمال وبيروت والجنوب عن طريق العقد مع وزارة الشؤون) .

عيدا الفطر والأضحى

كيف مر عيدا الفطر والأضحى على الجمعية ومكفوليها ؟.. يقول الدكتور مكاوي "شهر رمضان هو شهر الفرحة لأن الجمعية والأولاد يكونون في حالة بهجة ونقوم خلال الشهر المبارك بنشاطات وبرامج عدة ، فهناك حملة افطار الدار التي تتضمن افطارات يومية في الجمعية لأولاد الدار وياتي الناس ليفطروا معهم ، وتقام افطارات لأولاد الجمعية خارجها حيث يستضيفهم محسنون في بيوتهم او في مطاعم . ولدينا السحور السنوي الذي تقيمه صديقات الجمعية وهو من اكبر "السحورات" التي تقام في المدينة ويشكل مناسبة اجتماعية سنوية تلتقي فيها العائلات وتشعر انها تساهم بعمل الخير من خلال خدمة الأولاد والأيتام . وهناك مشروع مجسمات الزينة الرمضانية التي تنفذها الجمعية منذ اربع سنوات خلال الشهر المبارك . وكذلك الأمر عيد الأضحى بالنسبة لأولاد الجمعية مناسبة جميلة تتجسد فيها ارقى مظاهر التكافل الاجتماعي والتضامن في مجتمعنا . ولدى الجمعية مسلخ رسمي تحت اشراف طبيب بيطري وعشرة "لحامين" ، حيث نستقبل اضاحي العيد بحدود 200 الى 250 اضحية في كل عيد سواء بالتبرع بالخروف او بثمنه، جزء منها ياخذه اصحابها وجزء يوزع وجزء لأولادنا يبقى في برادات الجمعية. ومؤخرا اصبحت تأتينا ايضا تبرعات بـ"عجول" وكلها تبقى مخزوناً من اللحوم لخدمة الأولاد لأشهر .