×

مدينة رفيق الحريري الجامعي في عامها الجديد: نبض يُستعاد وعوالم تُكتشف

التصنيف: Old Archive

2009-10-14  06:00 ص  2100

 

جهينة خالدية

في الأيام الأولى، تبدو المباني وحيدة، وبعض القاعات خاوية. كأن للصدى حيزاً واسعاً ليمرح. الجامعة ليست خالية من سكانها، لكنهم ما زالوا، في بداية العام الجامعي، يستمتعون بالأدراج، والأروقة والباحات.. والحدائق، فالوقت مبكر، نوعاً ماً، كي ينحصر هؤلاء في قاعات التدريس.. وبعضهم خلع مؤخراً الزي المدرسي، ومعه ضوابط مدارس نظامية، والآن يحظون بحرية مسؤولة. لقد صاروا طلاباً جامعيين.
الآن هم نجوم الحَرَم. وهنا في مدينة «رفيق الحريري الجامعية» بالحدث، يشكلون النبض الأقوى لإنطلاقة العام الدارسي.
لم يكتمل نصاب الكليات بعد، لا سيما أن قسماً كبيراً من الطلاب يؤجل ارتياد الجامعة يومياً، لأسباب تتعلق بعدم تسليم سكن الطلاب الذي يعاد تأهيله بعدما أنجز مهمته كقرية للألعاب الفرنكوفونية.
لكن من حضروا إلى الجامعة ينتشرون في الحرم كله، وبين كلياته التسع، كأنهم يستكشفون بيتهم الجديد. يتحركون في الاتجاهات كافة لاستيعاب وجوه كثيرة. سيكوّن الجدد منهم، خلال أيام قليلة، صداقات تعرفهم إلى عوالم كانت مجهولة. وبعد ذلك بأسابيع سيكتشفون الحب من النظرة الأولى، أو الثانية أو الثالثة. ولعلهم يتحولون إلى أهداف مركّزة للحركات الحزبية في الجامعة، إذ سيتم التنازع عليهم لجذبهم إلى «غمار» السياسة التي كانت تترجم في الانتخابات الطلابية (وقد منعت في السنوات الأخيرة تجنباً للحساسيات بين الطلاب!)، ولم تعد تجد لنفسها متنفساً إلا في الاشتباكات بين الأحزاب المتضادة أو حتى المتحالفة.
هكذا يبدو مجمع رفيق الحريري الجامعي كأنه يقتصر عليهم، هم الجدد. فالطلاب القدامى يدركون جيداً أن لا دراسة فعلية تنطلق قبل أسبوعين أو ثلاثة، ويأتون إلى الجامعة الآن للتسجيل، أو للقاء الأصدقاء وإنجاز جردة بإجازة الصيف، وربما لنزهة مع حب نما على أطراف العام الدراسي الفائت. لكن الصورة العامة هذه، تختلف جذرياً في كلية الهندسة التي يغرق طلابها منذ اليوم الأول (أمس الأول) في محاضرات مكثفة تنطلق منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الخامسة عصراً، وتجعل الطلاب الجدد يقفون مدهوشين أمام «التفلت من الدوام» الذي لم تتسن لهم فرصة تذوقه بعد، ما يجعل علي وإبراهيم مشدوهَين أمام «الحرية» التي يتحدث عنها الجميع: «حتى اللحظة لم نلتقط أنفاسنا، وبالكاد نستطيع كتابة كل الشروحات، في حين كنا في المدرسة نعتمد على الكتب المعدة والمطبوعة سلفاً، ولطالما كان لدينا كل الوقت للنقاش والاستفهامات.. أما الآن فهذا الوقت تقلص، لسبب بسيط.. مئتا طالب يحاولون استيعاب الفكرة نفسها في الوقت ذاته!».
الفراشة والجن الأزرق
في كلية أخرى، يصطف الشبان والفتيات على مقاعد طولية تجمعهم حول فطور مفضل: مناقيش الصعتر. الساعة الآن العاشرة صباحاً، والوقت جداً مناسب لوجبة كهذه، لكنه غريب على «فراشة» تتمايل على طول الباحة: شابة لم تخط بعد في عشريناتها، تصنع من شعرها البني ذيل حصان. تلون أظافرها بالأحمر، أسوة بحذائها اللامع ذي الكعب المرتفع عشرة سنتيمترات، وكنزتها المفتوحة عند الظهر بثلاث دوائر تنتهي كل منها بعقدة ساتان زهرية. لا تكثر الفتاة من الألوان على وجهها، كحل أسود عريض يحدد العين من طرفها إلى زاويتها، ولمسات براقة من أحمر الشفاه الشفاف.. لكن أحمر الخدين، بالألوان الترابية، يجعل وجنتيها مشدودتين بشكل مبالغ فيه إلى الأعلى. الفتاة جميلة، لكن لمسات ما في ثيابها تجعلها خارج النموذج «المتوقع» لطالبة جامعية، فيتأملها «فرع الإناث»، على المقاعد الطولية، من «ساسها لرأسها». أما «فرع الذكور» فينسى أحدهم أن يقضم اللقمة الأخيرة من منقوشته، ويذيع آخر «لك بتستاهلي ناكل امامك كرواسون شوكولا».. وثالث: «إذا مبلشة السنة مع الفراشات الزهر.. منخلص نحنا مع الجن الأزرق!».
إنه مثال نوعي عن عالم الموضة الجامعي، الذي يغزو كليات وجامعات لبنان، ويحول الباحات إلى ساحات عرض مجانية، تدفع الفتيات إلى إشهار أبرز مقتنايتهن، ولو كانت متواضعة، وتتطلب منهن ساعة إضافية يومياً.. لأناقة إلزامية ينتظرها الآخرون. الأمر عينه ينطبق على الشبان، فهم لا يترددون في الخضوع للمسات عصرية على قصّات جينزاتهم وتسريحات شعرهم، وحتى طريقة «تخطيط» لحاهم.
جنون التسجيل
في كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية، تختفي الأجواء التعارفية الهادئة. مئات من الطلاب والطالبات في طوابير طويلة أمام مكتب التسجيل. يواجه هؤلاء أكثر من عقدة: عليهم تأمين الأوراق اللازمة، ثم دفع الأقساط في مكتب «ليبان بوست» في حرم الكلية، والتوجه إلى مركز الضمان الاجتماعي في المصيطبة لدفع بدل إشتراكاتهم التي ارتفعت العام الماضي من تسعين ألف ليرة إلى مئة وخمسين ألف ليرة لبنانية. وهو الأمر الذي «يلقى منذ النصف الثاني من العام الماضي اعتراضات واستهجان الطلاب، لا سيما أن من لم يدفع المتوجب عليه سيواجه عرقلة في تسجيله هذا العام»، على حد قول الياس. أما ميرفت وأهواز، الزميلتان في السنة الدراسية الثالثة، فتقطعان حديثهما العادي، لتُغرقا في شرح حماسي لخطوة الجامعة بالسماح لطلابها باختيار موادهم الدراسية «أون لاين» للمرة الأولى في تاريخ الكلية، علماً بأن هذا برأيهما لا يوفر تعب إنتقاء الصفوف والمواد البديلة في حال إمتلاء الصفوف.. «لكن المهم أننا نسير إلى الأمام». وترد إحداهما: «نسير إلى الأمام كثيراً.. أكثر من 500 متر يومياً، ومن هلق لتمشي المواصلات الداخلية (في حال وجدت طريقة لحل هذه المعضلة) إما نستحم بالمطر أو نتحمص تحت الشمس!».
الازدحام الشديد في كلية إدارة الأعمال يبدو أخف في كلية الحقوق والعلوم السياسية الملاصقة لها. طلاب كثيرون يقصدون الجامعة ترقباً لنتيجة الدورة الثانية، وبعضهم يتذمر لأن نظام التدريس يلزمهم بالنجاح بالمواد التسعة كاملة، من دون الحق بـ«حمل» أي مقررات إلى السنة التالية. هذا ما يسمونه هنا: إجحاف و«نظام متحجر».
إذاً، منذ أيام قليلة، وتحديداً منذ يوم الإثنين في العاشر من الجاري، فتح مجمع رفيق الحريري الجامعي أبوابه لعام دراسي جديد، بعدما خلع ثوب «الفرنكوفونية» التي تجمل بها فاحتضن رياضيين عالميين. بعض الجدران والطرقات الداخلية ما زالت تحمل لوحات وصوراً لنشاطات رياضية متفرقة، وبعضها الآخر عادت إليه تدريجياً لوحات إعلانية حزبية... حصرية، قد يؤدي نزعها إلى إشكالات يصلي الجميع ألا تشوب هذا العام أيضاً.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا