كتب بسام البدارين في صحيفة القدس العربي:"لم يكن القطب البارز في حركة فتح عباس زكي يخطط للاحتفاظ بموقعه الدبلوماسي كسفير للسلطة في بيروت بقدر ما كان يهتم بأن لا يسمح الرئيس محمود عباس بحالة تستجيب فيها الرئاسة للتشويش بحيث تتم التضحية بمنجز بيروت - كما يسميه زكي - لصالح تسكين واستقطاب جبهة مركز الثقل الاساسي للوجود الفلسطيني في لبنان وهو الجنرال سلطان ابو العينين.

العلاقة بين زكي الذي اعتبر نفسه في مهمة وطنية واستراتيجية في ساحة لبنان المعقدة وبين سلطان ابو العينين الممثل المقيم والاقوى للفلسطينيين في المكان كانت متوترة جدا ومن البداية.

شاهد عيان حاول ترطيب الامر من البداية بين الرجلين - نقصد ابو العينين وزكي - قال لـ"القدس العربي": من البداية تقاطعت المصالح فزكي حضر لبيروت باعتباره مرجعية وليس مجرد سفير، وابو العينين قدر بأن اخراجه من معادلة لبنان لاي سبب سيعني القضاء على مملكته الصغيرة المتنفذة التي اسسها بعيدا عن تقاطعات رام الله وأعين الفضوليين من رموز النضال الذين دخلوا لعبة السياسة.

ثلاث مرات على الاقل - يروي الشاهد ـ لجأ زكي لعباس في محاولة لاجبار ابو العينين على التعاون معه تحت عنوان توحيد لافتة التحالفات الفلسطينية في ساحة معقدة جدا.. وفي المرات الثلاث حاول الرئيس عباس التوسط والتدخل وتجنب كسر اي من الرجلين بقرار اداري فطالبهما بالتعاون.

لسبب او لآخر اعتقد مناصرون لزكي ان الرئاسة تشجع عن بعد ابو العينين على التحرش في عمل زكي عملا بقاعدة قديمة طالما استخدمها الراحل ياسر عرفات.
وعلى نحو او آخر وخلال اشهر واسابيع استطاع المخضرم زكي فتح اهم الابواب المغلقة في معادلة الدولة اللبنانية واستعصى عليه باب واحد فقط وهو المخيمات التي تدين بالولاء لابو العينين خصوصا المخيم الأهم وهو عين الحلوة فبرز التجاذب مجددا بين القطبين.

في الاثناء تفاعلت لعبة التجاذب اللبنانية الداخلية فوضع زكي كغيره من السفراء العرب "البيضات في سلة قوى 14 اذار" وفتح قنوات مهمة جدا امام الفلسطيني في لبنان وسط دعم من السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة وبدأت بالنتيجة لعبة استقطاب فلسطينية هذه المرة، لكن على الارض اللبنانية لم تكن تستطيع ولاسباب مفهومة ابعاد نفسها عن المجال المؤثر لقوى تيار المستقبل والقوى المناهضة.

هنا ثارت خلافات مالية فقد اتهم ابو العينين زكي بالسعي لمضايقته ماليا عبر وقف او تقليص المخصصات التي ترسلها الرئاسة بسخاء لجماعة لبنان، وبالنسبة للرئاسة في رام الله لم يكن التخلص من ابو العينين ممكنا او واردا اطلاقا حتى تحت الحاح زكي ودعوته لحسم مسألة المرجعية كممثل وحيد في الساحة لفلسطين ومؤسساتها.
حمى الاستقطاب اللبنانية الداخلية فرضت نفسها بالقوة على التفاصيل، فأصبح زكي ممثلا ممنهجا ومعتدلا للمؤسسة الفلسطينية متحالفا مع قوى 14 اذار وصديقا لها مع اتصالات خجولة ومتوازنة بين الحين والآخر بالطرف الآخر، وفتح ابو العنيين بدوره باب التنسيق على مصراعيه مع حزب الله والمقاومة والمعارضة.

مرة اخرى تاهت رئاسة عباس بتفاصيل المعركة التي تخلق تعقيدات في وجه الخطة المتكاملة التي وضعها زكي لاغلاق ملف الوجود الفلسطيني في لبنان تماما، وثمة من اعتقد من اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ان الرئيس عباس تجنب الحسم في الخلاف الثنائي ضد ابو العينين حتى يضمن دوما ولاء زكي في تفعيلات اخرى اهمها المعركة مع فاروق القدومي والاجواء داخل المركزية وتحضيرات النسخة الاخيرة من ملف المؤتمر الحركي السادس.

اذا لم يحسم الرئيس، ومع الايام تزايد حضور زكي القوي في المعادلة العربية الدبلوماسية في لبنان مستخدما ارثه كمناضل محترم بالشارع العربي فوصلت تحرشات ابو العينين اليومية وانحيازاته داخل لبنان الى مستوى يعطل عمل زكي كما قال مهددا بالاستقالة في الفترة التي شهدت تحضيرات المؤتمر الحركي الاخير.
هنا ولدت افكار رئيسية جديدة حول استقطاب ابو العينين ونقله لمستوى عضوية اللجنة المركزية وزيادة عدد مناصريه في المؤتمر الحركي واقناعه بالبقاء في رام الله ووضعه في اطار يخف فيه نفوذه في لبنان حتى يتمكن زكي من انجاز مشروعه في ساحة بيروت، والاهم العمل مع المخيمات وفيها براحته بعد ان كان ابو العينين العقبة الاساسية.

فعلا ظهر ابو العينين فجأة في رام الله بالترتيب مع الاسرائيليين وحضر معه من ساحة لبنان نحو مئة من رفاق السلاح ونجح في اللجنة المركزية ورتبت له بأمر من عباس اقامة ومكتب وسكرتاريا في رام الله على امل سحبه تدريجيا من ساحة لبنان، وفي الاثناء استرخى زكي قليلا وحصل على ضمانات من الرئيس عباس بايجاد طريقة ما لتجاوز اشكالية اللوائح الداخلية التي تمنع عضو المركزية من العمل في وظيفة رسمية في الوقت الذي انشغل فيه ابو العينين بتسويق قصة اللوائح حتى يضمن اكبر مستوى ازعاج ممكن لخصمه.

الاسبوع الماضي حسب مصادر "القدس العربي" المطلعة جدا شكل علامة فارقة فالرئيس عباس استمر في تطمين زكي واصطحبه معه في جولته الاخيرة، وفيما كان الجميع منشغلا بلملمة شظايا قصة تقرير غولدستون فوجئ عباس بان ابو العينين يغادر رام الله ويصل الى صيدا ثم يبدأ في اليوم التالي وبنشاط سلسلة اتصالات في بيروت.

وهنا تتساءل المصادر عما اذا كان السفير زكي قد شعر بخديعة ما فقرر عدم انتظار الفتوى الرئاسة التي تعفيه من اشكالية لوائح المركزية وباشر في رحلة وداع مواقعه في لبنان وهو في بؤرة مشروع سياسي لم يكمله بعد ان تم اقناعه بأن موقعه كمفوض لشؤون العلاقات العربية يسمح له بالعودة حركيا لساحة لبنان ولغيرها.

ما قاله زكي لاصدقاء له عن استعداده مرحليا للعمل في بنية الحركة بعيدا عن السلطة ومؤسساتها يوحي بأن الرجل غاضب او على الاقل يغادر موقعه بغضب بعد ان شعر بخذلان بدأ يعبر عنه وسط رفاقه بعنوان سماح الرئاسة بالشغب الممنهج على قصص النجاح.

وما قاله ابو العينين لأركان مناصريه في صيدا ليلة عودته الاخيرة للبنان حول تعهده بأن لا يسلم الوجود الفلسطيني في لبنان لتيار المستقبل يوحي بان الرجل لا يزال يخوض معركة وان مقر اقامته في رام الله ليس اكثر من محطة تمكنه من العودة الى لبنان في اي وقت.
المشهد الاستقطابي برمته يوحي بأن معركة ساخنة في كواليس مركزية حركة فتح كانت تدور رحاها بين قطبين مهمين الآن وتحت عنوان الصراع وليس فقط التنافس من اجل البقاء في موقع الصدارة بالنسبة لمعادلة الوجود الفلسطيني في لبنان وهي بالمناسبة معادلة اقليمية وليست وطنية.

النتائج في الاستخلاص النهائي تخلق انطباعا بأن زكي هو الذي خرج في النهاية من معادلة لبنان لكنه يستطيع العودة لها لإزعاج ابو العينين بصفته مفوضا لملف العلاقات العربية، اما الثاني فمعركته التالية هي الضغط على رئاسة عباس لكي يضمن اجلاس محسوبين عليه او على الاقل غير معادين له في حقيبة الشواغر في المناصب الحركية العليا في ساحة لبنان بما في ذلك تعيين مسؤول جديد لاقليم الحركة ومساعدين لشعبها واختيار سفير خلفا لزكي، والاهم تسمية ممثل المنظمة رسميا وهيكل صلاحياته وتبعيته في دائرة النفوذ، حيث يوجد مرشحون كثر بعد رحيل كمال مدحت مثل فتحي ابو العردات وخالد عارف وفي نطاق اضيق منير المقدح وعبد الله الافرنجي وغيرهم".

غزة-دنيا الوطن