×

الخمارة تقفل أبوابها قبل 30 عاماً واليهود رحلوا بعد الإجتياح الإسرائيلي

التصنيف: إقتصاد

2011-01-27  09:46 ص  2051

 

سامر زعيتر: إن أردت معرفة أخبار الناس، فما عليك إلا أن تقصد الأسواق، التي تجسّد الهم المعيشي والإقتصادي، وتعطي صورة عن ذكريات تتمنى أن تعود، ليعود الخير والمحبة الى قلوب المختلفين··
 

من قلب صيدا، وداخل عتمتها التي تزيد عن 55 عاماً، اتخذ <سوق أباظة> لقباً مغايراً، وهو <السوق العتم>، الذي يمتد من البوابة التحتا ويشكل جزءاً من سوق البازركان، الذي تصل إليه من شارعي المطران، فلقب الأول بشارع الشاكرية، والثاني بشارع الأوقاف·· ليغلب اللقب على الأسم الأصلي وفق متغيّرات كل مرحلة، فيما التعايش المسيحي ? الإسلامي ? اليهودي، هو سمة الأزقة والطرقات الضيقة في صيدا··

وإن لم يعد الحال كذلك، بعد خروج أبناء المدينة من اليهود، الذين غادروا <عاصمة الجنوب> بعد الإجتياح الإسرائيلي لصيدا، ولم يخرجوا رغم نكبة فلسطين في العام 1948، لأنهم كانوا يشعرون بالأمن والأمان في قلب صيدا، ولكن يبدو أن دخول الإسرائيلي الى المدينة وزرع بذور الفتن، كان من ضمن أهدافه إخراج من تبقّى فيها من اليهود وكسر إنموذج الوحدة بين أتباع الشرائح السماوية الثلاث·· <لـواء صيدا والجنوب> عاد الى <السوق العتم>، الذي يحكي تاريخ المحبة في المدينة، ولا يزال إنموذجاً للتعايش رغم الضائقة الإقتصادية، فيما القصور عند مدخله أصبحت مقصداً للسائحين تحكي تاريخ المدينة وتعاقب الحضارات عليها، وتمسّك أهلها بالمحبة والنور في زمن التنافر والعتمة··

الداخل الى مدينة صيدا القديمة ? البلد، يستوقفه منظر مألوف تتعانق فيه المآذن مع أجراس الكنائس المتجاورة، فيما <حارة اليهود> تراعي خصوصية وخوف تلك الطائفة، التي غادرت المدينة بعد دخول الإسرائيلي مجتاحاً لبنان في العام 1982، حيث زاد خوفها أكثر، وفقدت الآمان الذي عاشته لفترات طويلة في قلب المدينة، وهي التي لم تشعر يوماً بالتميز، بل كان اتباعها من أبرز مالكي المحال التجارية في صيدا وخصوصاً <السوق العتم>، ويشاركون في الإنتخابات التي لا تزال لوائح شطبها تحتفظ بأسمائهم··

اللقب يغلب الأسم! وكما تبدو التسمية، فإن الظلام الدامس كان سمة المكان، وإن زالت العتمة عن ذلك الشارع الصيداوي بعد عملية التأهيل والإنارة داخل المحال التجارية، لكن تغيب خلال فترات انقطاع الكهرباء عن هذا الشارع الصيداوي الشهير، الذي يُطلق عليه اسم <شارع أباظة>، نسبة الى أصحاب المحلات الأصليين، وإن تبدل أسم مالكي محلاته، فيما تسمية <السوق العتم> لا تزال مسيطرة منذ 55 عاماً، فهل هي الحنين الى الماضي أم أن عتمة أخرى حلت على السوق الذي هجره الزبائن بفعل الأزمات السياسية والإقتصادية المتلاحقة؟ نعم، لقد تبدل المكان كثيراً عن السابق، لكن حياة أهله ما زالت تختزنها ذاكرة أبناء ذلك المكان، وللتعرف على دقائق الأمور لا بد من دليل يستعيد ذاكرة ووجدان هذا الشارع، وبالسؤال عن <السوق العتم> من أين يبدأ وأين ينتهي، يُسارع أبناء ذلك المكان بتعريفك الى مختار المخاتير، وهو اللقب الذي اكتسبه عبد الرحمن يونس <أبو هاني> والبالغ من العمر 68 عاماً·

وأشار <أبو هاني> الى أنه يعمل في <السوق العتم> منذ 55 عاماً ويدعى <شارع أباظة>، يبدأ من البوابة التحتا حتى مدخل <سوق البزركان> يضم نوفوتيه وأحذية وأقمشة وخرضوات وكماليات للبيوت كمعدات الخياطين وأشغال ارتيزانا، ولقد قام بشرائه خليل خضر الشامية منذ حوالى 22 عاماً، وكان فوقه مقهى، وكان في السوق قبل 30 عاماً خمارة تبيع المشروبات الكحولية، كانت تدعى <خمارة أبو حبيب> لصاحبها إلياس نصار، فهذا السوق يشكل إنموذجاً من الإنصهار والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك اليهود قبل مغادرتهم لبنان بعد الإجتياح الإسرائيلي للمدينة·

مقصد السياح وأوضح <أن أهمية هذا السوق أنه مقصود من قبل السياح الأجانب لأنه يُقابل <قصر دبانة>، وكذلك هناك قصر أخر لآل صاصي، الذي كان ُيدعى الحرملك والسلملك ويحتوي على حوالى 13 غرفة كانت مستأجرة من قبل الناس، قام صاحب الملك بإستردادها مقابل دفع تعويضات مالية وحالياً يجري العمل على تأهيل القصر وإعادته ليأخذ رونقة التاريخي· كما أن السياح يمرون بالشارع خلال زيارتهم <مصبنة عودة>، والمكان هنا يختزن تعاقب عدة حضارات>·

وقال: إن غالبية السياح يسألون عن <مصبنة عودة>، <قصر دبانة>، <الجامع العمري>، والبعض الآخر يسأل عن الحمامات التي بقي منها حمامي الورد والشيخ، فيما كانت صيدا تضم في السابق حمام ثالث هو <حمام السوق>·

وطبعاً إن أعمال الترميم للسوق وإعادته الى طابعه التراثي جعله يخرج من التسمية التي أطلقت عليه بأسم <السوق العتم>، فإن الإنارة تعطي لفتة نظر للزبائن، واللقب دائماً يغلب على الأسم الأصلي، فشارع الشاكرية كان يدعى في السابق شارع المطران، وكذلك شارع الأوقاف، ولكن اللقب غلب على الأسم الأصلي، وذلك لعدة اعتبارات، وتسمية <شارع أباظة> بأسم <سوق العتم> كان منذ أكثر من 55 عاماً·

أيام عز! وأكد <أن هذا السوق شهد عزاً تجارياً، ففي القديم كانت تضم يهوداً مثل أدمون وبخور بليسيانو، يوسف ديوان وشحادة حديد، كانوا يبيعون الأقمشة في هذا الشارع، فكانت غالبية التجار في هذا السوق من اليهود، وآخر يهودي رحل عن المدينة في فترة الثمانينيات بعد الإجتياح الإسرائيلي الى لبنان، وكان أبناء المدينة من اليهود يشاركون في الإنتخابات النيابية والبلدية، ولا تزال أسماؤهم على لوائح الشطب>·

وختم <أبو هاني>: لا زلت أذكر أمجاد هذا السوق، فقد أمضيت فيه أجمل سنوات عمري ولا أزال، فأنا عملت في السوق منذ 55 عاماً، وأبلغ اليوم عامي الـ 68، وأعرف تفاصيل كل شيء عن هذا السوق، كوني أقدم شخص فيه، وأعمل في ببيع الـ <أرتيزانا> سواءً الصينية أو السورية أو الهندية، والناس تطلق عليّ لقب المختار·

وبما أن الأحوال تتبدل وتتغيّر، لكن الحنين الى المكان يستمر، كان اللحام نزيه أحمد الجمل يمر في هذا المكان، يستعيد ذكرياته يوم كان يملك محلاً في أول السوق يبيع فيه اللحمة، لكنه ترك السوق لأنه يعجز عن دفع الإيجار بالقول: بما أن الإيجار مرتفع لم أكمل الإستئجار، فالأحوال المعيشية كما تعرفون <غلا وكوي> ولم استطع دفع الإيجار الذي أعده مرتفعاً في هذا المكان، لذلك تركت المحل وأملك بسطة أعتاش منها، فماذا بمقدرونا أن نفعل!

تبدّل الملُّاك لقد تبدل مُّلاك السوق، حيث قام آل الشامية والبساط بشراء محلات <السوق العتم>، حيث يشير أحمد الشامية الى <أن محلات هذا السوق يملكها خليل الشامية وسعد البساط، وتبلغ مساحتها 450 متراً مربعاً، ويضم حوالى 13 محلاً، وهو أسمه <سوق أباظة> يتبع لسوق البزركان، وسمي سوق أباظة لأن المالكين كانوا في السابق من عائلة أباظة، ومن ثم انتقل من شخص الى آخر، ونحن قمنا بشرائه في العام 1967>·

وقال: هناك تفاوت في أسعار الإيجار وفقاً لزمن الإيجار والقوانين التي يتبع لها، فهناك إيجار بالليرة اللبنانية وهو إيجار قديم يتفاوت وفقاً لتاريخ تحديث القوانين اللبنانية، وهناك نظام الإستثمار، وطبعاً حالياً حركة السوق في ركود بسبب الأزمة الحالية وغيرها من الأزمات السياسية والإقتصادية، فحال السوق لا تسر أحداً، فيما كانت لهذا السوق شهرة كبيرة، ولا تهدأ الحركة داخله، ونرى القليل من السياح الذين يشترون، فيما الأسعار متوسطة لأن الأرباح قليلة، ويستطيع الزبائن أن يوفروا أكثر من 30% من الأسعار، لأن الإيجارات متدنية مقارنة بالأسواق الحديثة·

بدوره الحاج ديب خليفة <أبو إبراهيم>، الذي يملك بسطة عند مدخل <السوق العتم>، وتحديداً أمام مدخلي <قصر دبانة> و<قصر الصاصي> قال: أعمل في هذا المكان منذ 35 عاماً، و<سوق البازركان> الذي يعد <السوق العتم> أحد أجزائه، كان يضم في السابق محلات للأحصنة، ومن ثم تحوّل الى المفروشات، هو منطقة أثرية تضم قصوراً مميزة، ونحن نتوقع أن يزدهر السوق في المستقبل نظراً لأهمية هذه المنطقة واستقطابها للسياح··

sz@janobiyat.com

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا