×

زقزوق حمص يختزن ذاكرة صيداوية ولا حمص في المكان!

التصنيف: Old Archive

2011-02-09  09:31 م  1755

 

سامر زعيتر


  تتبدل الأسماء وتتغير، فيما بعضها يحافظ على أصالة الأسم وإن تبدل المضمون وحال المكان، بالوقت الذي لا تزال الروح تنبض من قلب صيدا وتستعيد حقبة من الزمان..
وتعود الذاكرة الصيداوية الى «زقزوق حمص»، ذلك الشارع الذي اتخذ أسمه من مخزن للحمص كانت تجمع فيه الحبوب في ذلك المكان، ولكن اليوم لم يعد للحمص مكاناً ولا حتى للقشاش أو العواد، فيما المحجوب بقي فرناً يستعيد مجد المدينة منذ العام 1955..
ولكن ما الذي يُميز شارعاً عن أخر ولماذا ذلك الزقاق دون غيره، وكيف تواكب المدينة التغير وسط حركة ناشطة لاستقبال السياح وفتح أبوابها، كما كان قلبها مشرعاً في الماضي لإحتضان الأهل والأقارب، هذه الحركة التي لا تهدأ لإعادة تأهيل المكان من قبل «جمعية محمد زيدان للإنماء» في صيدا لهذا المكان الذي لا يزال ينبض بالسكان، كي يأخذ رونقه، فيما تتبدل مهن لتحل محلها أخرى، ومعها تبدل الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية مما يزيد العبء على أبناء المدينة القديمة..
«لـواء صيدا والجنوب» قصد «زقزوق حمص» وعاد بهذه الانطباعات عن ذلك المكان..
خطوط لا تلتقي
لا يُمكن أن تضيع داخل متاهات ذلك المكان، الذي يتخذ بكل بساطة شكل حرف «اليو»، فيرتسم بخطين متساويين يوصل بينهما خط ثالث، ولكن على المقلب الأخر لا يلتقيان لأن الطريق التي تقابل مدخله تنتهي بالمنازل، فيما لديه مدخل يكمل المرء به المسير الى طرقات صيدا وأزقتها الضيقة.
إشتهر «زقزوق حمص» بمخزن الحمص الذي كانت تجمع فيه الحبوب، ومن ذلك العمل أتخذ أسمه الرسمي ممزوجاً بلغة العامة لتصغير لفظ زقاق الى زقزوق حيث كان يضيق المكان وينتهي بمحل تجمع فيه الحبوب..
أما بقية المحال فكانت تشتهر بصناعة القش يوم كانت الكراسي الخرزانية لها قيمتها لدى الناس، فيما عصر البلاستيك جعلها أكثر ارتفاعاً في ظل ضعف الطلب عليها داخل مدينة صيدا القديمة البلد، فضلاً عن وفاة من كان يشتهر بتلك المهنة داخل ذلك الزقاق الشهير الذي يبلغ ما يقارب 160 متراً، أما صناعة الآلات الموسيقية فكانت سمة ذلك المكان وجواره وخصوصاً صناعة العود التي اندثرت من ذاكرة المدينة.
لذلك، فإن المكان اليوم هو سكني بإمتياز، لا تزال بيوته عامرة بأبناء المدينة الذين يعيشون في وضع اقتصادي لا يحسدون عليه، فيما إعادة التأهيل للمكان تكتمل فصولها يوماً بعد أخر بعد إعادة تأهيل البنى التحتية التي استغرقت سنوات، فتكتمل الخطوات بمبادرات للجمعيات والمؤسسات، حيث يتم كشط الحجر الرملي بورشة تعيد للمكان زهو تراثه وأصالته..
«فرن محجوب» يواصل عمل الآباء
وفي الوقت الذي تبدلت فيه مهن أخرى لتواكب روح العصر بعدما تحولت صيدا البلد الى مقصد للسائحين، حيث تحوّل محل القشاش عند مدخل «زقزوق حمص» الى مقهى لإستقبال السياح على بعد امتار من «متحف الصابون» الذي كان معملاً للصابون فيما مضى لآل عودة.. ولكن وعلى أبواب ذلك الزقزوق أو الزقاق حيث تقع يافطة تشير الى المكان ومفترقات الطرق يتصدر وسطها أسم «زقزوق حمص»، لا يزال «فرن محجوب» يحافظ على مهنة الآباء منذ العام 1955.
ويشير صاحب «فرن محجوب» ديب أرقه دان (البالغ من العمر 62 عاماً) الى «أننا توارثنا هذه المصلحة عن الوالد، فمنذ العام 1955 ونحن نملك هذا الفرن، الذي يقع في بداية «زقزوق حمص»، وفي الماضي كانت المحبة هي القاسم المشترك بين الناس، فالجميع أولاد بلد يحبون بعضهم البعض ويتعاونون ويتساعدون في كل شيء».
وقال: يقع الفرن عند مفترق تقاطع «زقزوق حمص» وحي الشارع الذي كان يشتهر بـ «معمل الصابون» والذي تحوّل الآن الى «متحف الصابون»، الذي أنشأته «مؤسسة عودة»، ويقصده الناس من مختلف المناطق، فيما أصحاب المعمل آل عودة فكانوا يقطنون في هذا المكان، ولم يكن هناك كراهية في البلد كلها وليس في هذا الشارع وحسب، فإن كان البعض فقيراً ينظر الجار الى حالهم، واذا سافر الشخص كان الجار يهتم بأسرته ويتابع أحواله.
 وعن واقع العمل قال: لا نزال نحافظ على التراث في العجن والتقطيع والإعتماد على الحجر في ذلك، فيما الفرن يعتمد على الدمج بين الحطب والمازوت، وطبعاً الإثنان بسعر بعضهما البعض، فلم يعد في صيدا حطب لذلك فإن تكاليف النقل أصبحت مرتفعة وهنا بات المازوت والحطب بنفس التكلفة.
وأشار الى «أن «زقزوق حمص» كان فيه محال، احداها كان يعمل مقششاً للكراسي - أي يقوم بعملية صنع الكراسي من القش والخشب، وطبعاً هذه المهنة اندثرت في مدينة صيدا البلد، لأن البلاستيك أرخص وأوفر، رغم أن كراسي القش صحية أفضل من البلاستيك، والى جانبه كان هناك عوّاد عند مفرق الساحة يعمل على صناعة الآلات الموسيقية لكن كل ذلك أصبح من ذكريات المدينة ولا يزال يحفظ في ذاكرتها الجميلة».
وختم أرقه دان: سمي «زقزوق حمص» بذلك لأنه كان شارعاً ضيقاً، وكان أضيق مما عليه الآن، وفي آخره طريق مسدودة تجمع فيها الحمص، وتتم تعبئة الحمص في ذلك المكان، من هنا أخذ هذه التسمية، أما اليوم فالمحال أقفلت أبوابها، فيما بقي السكان في هذا المكان وتغيّرت الكثير من المصالح لكننا لا نزال نحافظ على مهنتنا في الفرن.
التغيّر والحفاظ على الأصالة
‭{‬ بدوره صاحب «مقهى ميلك تايم» أمين سعد الذي يقع عند مدخل «زقزوق حمص» أوضح «أنه كان في السابق حرفياً يعمل في تقشيش الكراسي الخيزران، ومنذ عشر سنوات قمت بتغيير مصلحة التقشيش الى كافتيريا».
وقال: لقد عملت في مصلحة التقشيش ما يزيد عن 21 عاماً، ولا يزال الشارع كما هو وعلى حاله، ولقد أطلقت عليه هذه التسمية، لأن هناك مخزناً كانت تجمع فيه الحمص، ولكن لم يعد موجوداً، والتغير سمة العصر، لكن هناك العديد من الأماكن المميزة في صيدا البلد، فعلى مقربة منا وبمسافة لا تزيد عن 20 متراً يقع «متحف الصابون» الذي يملكه آل عودة، فنرى السياح يمرون من هذا المكان، وبالتالي يرتادون مقاهنا الذي يضم جميع مشتقات الحليب، لذلك سمي بـ «ميلك تايم».
وعلى طول ذلك الحي تجد ورشة نشطة تعيد كشك الحجر الرملي واعادة الجمالية الى المكان، ويوضح المتعهد الملتزم لأعمال تأهيل «زقزوق حمص» خالد سكافي ذلك بالقول: نعمل على ترميم الشارع من خلال كشط الحجر الرملي كي يعود الى طابعه التراثي القديم، وبالتالي إزالة الورقة المهترئة وتغيّر الأبواب والشبابيك الخشبية وتبديلها الى الطابع التراثي الذي يعيد للمكان جماليته، وهناك نسبة كبيرة في صيدا القديمة بحاجة الى اعادة التأهيل، فبعد الإنتهاء من هذا الشارع سنقوم بتأهيل حي الكنان الذي لا يزال 90% من أهله الأصليين يعيشون في شارع «زقزوق حمص» الذي تبلغ مساحته ما يقارب 160 متراً، وهي منطقة سكنية بإمتياز، وعند بداية مدخلها هناك «فرن محجوب».
 وختم سكافي: هذه العملية لها أهمية كبيرة في الحفاظ على التراث، وهذا العمل تقوم به «جمعية محمد زيدان للإنماء» في صيدا وبمبادرة من مموّل المشروع محمد زيدان، ورئيس الجمعية المهندس خضر بديع والمشرف المنفذ على الأرض المهندسة هيفا الأمين، وهذا العمل يعيد للمدينة طابعها التراثي المميز.
من للحاجات الإنمائية؟
‭{‬ أما بائع الحلوى طالب خليل بلحس فقال: أعيش في منطقة «زقزوق حمص» منذ 42 عاماً، وأعمل في بيع الحلوى على العربة، وهذا المكان كان يضم من يعمل في الحصر والأقمشة والحياكة، ومن ثم انتقلت هذه المهن الى خارج مدينة صيدا، وتبدلت حال المكان، ولكن «زقزوق حمص» اليوم لا يزال منطقة سكنية وليس تجارية، ونرى تغيراً في المكان من خلال اعادة تأهيل الجدران.
ورأى بلحس «أن ما نريده أيضاً، أن يصل التغير الى الشعب، فالحياة الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية تعيسة جداً في مدينة صيدا، وبحاجة الى لفتة نظر من الجميع، فصيدا البلد، تفتقر الى العديد من الأمور الإنمائية».
sz@janobiyat.com
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا