×

بين رجال الأربعين وظهر المير هل أقام الرجال أم الجمال؟

التصنيف: تقارير

2011-03-02  10:19 ص  7041

 

سامر زعيتر

على أبواب صيدا القديمة وتحديداً بالإمتداد جنوباً، تعتبر منطقة رجال الأربعين همزة وصل الجنوب مع ظهر المير ومنهما الى صيدا البلد، حيث لا يزال كبارها وإن كان بعضهم من «الإنجباريين»، يحنون الى البحر بعدما حملوا على اكتافهم أعباء الزمان وفي قلوبهم الحب، ليرسموا النموذج لعاصمة الإنصهار الوطني في لبنان، مدينة صيدا، ومعها خارطة التوسع الجغرافي..
ولكن لماذا ظهر المير ورجال الأربعين، فمدينة صيدا كانت مقصداً لـ «دار المير» فخر الدين الثاني، ومعه أبناء رجال الأربعين، الذي جاءوا الى صيدا كونها تجسّد العيش المشترك والتكاتف فيما بين أبناء الطوائف، وما أحوجنا اليوم العودة الى قلب صيدا وذلك المكان، لننهل منه نموذجاً يرسم المحبة والتكامل في زمن الفرقة والتنافر..
ولكن كيف هو حال ذلك المكان اليوم، وماذا عن أهله وأهم معالمه وماذا تجسّد ولماذا يقصده الناس؟.. أسئلة كثيرة تحتاج الى زيارة خاصة تعطيك الكثير من الإنطباعات، والعودة في نفس الوقت الى تاريخ ذلك المكان لمعرفة أصالته؟..
«لـواء صيدا والجنوب» زار منطقتي ظهر المير ورجال الأربعين وعاد بهذه الإنطباعات..

 
 
 
 
 
 
 
 
من ساحة باب السراي مروراً بالعديد من الأماكن الأثرية تصل الى ساحة ظهر المير، حيث يقابلك الى اليمين زاوية لآل الزعتري لا تزال تستقبل الموالد كل خميس، فتؤمّها النساء دون الرجال، وعلى بعد أمتار قليلة يقع الجامع العمري الكبير الذي يقصده الناس من كل أرجاء المعمورة، وهو المعبد الذي تحوّل الى مسجد كما تشير الدراسات ونوافذه التي كانت تجسّد عبادة الشمس، فيما يقصده الزوار من الغرب لظنهم أنه كان كنيسة، والى جانبه عراقة «جمعية المقاصد» وثانويتها، وفي مقابلهما يجلس مجموعة من كبار السن وعلى مقربة منهم مجموعة أخرى من الشباب في مقهى البابا الذي يجسّد تعاقب الأجيال.
ومن هناك تصل الى «دار المير»، حيث «مستوصف مؤسسة الحريري» الذي يقدم خدماته لأبناء تلك المنطقة التي يغلب عليها طابع البساطة في كل شيء، فيرحب بك أبناؤها بحرارة وتعرف من أحاديثهم أن المير قد مرّ من ذلك المكان، وكان له دار لم يقم فيه، لذلك سميت هذه المنطقة باسم ظهر المير بعدما حوّلها العامة من «دار» الى «ظهر».
وعلى مقربة خطوات قليلة تصل الى حي رجال الأربعين المطل على البحر الذي يجسّد مدخل صيدا القديمة الجنوبي، والذي تطغى على سجلات النفوس فيه الغالبية من الطائفة الشيعية.
وتتداخل في هذا الحي المعاني وتمتد الى العصر الروماني لأربعين رجلاً اعتنقوا الديانة المسيحية، فماتوا لأجل عقيدتهم برداً على بحيرة متجمدة بأمر من الإمبراطور.
ولكن هناك البعض في صيدا ممن يُشير الى أن أربعين رجلاً من الأقوياء كانوا يجلسون في هذه المنطقة، وتحديداً في المكان الذي أصبح اليوم «مقهى رجال الأربعين»، فيما يرى البعض الآخر أن التسمية تعود الى تربية للجمال الأربعين، وإن اختلفت المعاني، لكن يقصد ذلك المكان العديد من أبناء صيدا والجنوب، فيجلسون في المقاهي، ويستعيدون الذكريات الجميلة والمؤلمة أيضاً، حيث شهد ذلك المكان الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة في العام 1956.

 

وقبل التعرف الى معالم ذلك المكان، لا بد من التبحر تاريخياً مع المؤرخ الصيداوي الدكتور طلال مجذوب، الذي أشار الى أنه «لا يوجد تأكيد تاريخي لسبب التسمية «حي رجال الأربعين» في منطقة صيدا بهذا الأسم، ولكن هذه التسمية في نفس الوقت تمتد الى جذور رومانية، وهناك العديد من المناطق التي عرفت بهذا الأسم أيضاً، ومنها درج الأربعين داخل الوسط التجاري قديماً في بيروت وتحديداً عند ميرة السمك، وكذلك هناك مناطق أخرى تحمل هذا الأسم في حلب وأرمينيا. وتشير الدراسات الى أنه في زمن الرومان كان هناك 40 عسكرياً من الجيش الروماني اعتنقوا الديانة المسيحية، فأمر الأمبراطور الروماني أن يتم ابقاءهم على بحيرة متجمدة بدون ثياب، فمات الرجال الأربعين، ولهذه التسمية أهمية في المفهوم الكنسي، ولكن في المناطق الإسلامية وخصوصاً صيدا، لا نستطيع التأكيد أن هذه التسمية تحمل نفس الدلالات وجاءت من هذا المفهوم».
وأضاف: أما منطقة «ظهر المير»، فقد اتخذت التسمية من «دار المير» الذي شيّده الأمير فخر الدين عند «مستوصف مؤسسة الحريري» حالياً، ويشير أحد السائحين الأجانب الذين مروا على صيدا في القرون الماضية أنه مرّ على القصر الذي بناه الأمير فخر الدين ولكنه لم يسكنه لأنه توفي قبل ذلك بقليل. وهذا البناء هو الوحيد الذي قام الأمير فخر الدين بتشييده في مدينة صيدا بنفسه، فيما أماكن أخرى ومنها حمام المير وغيرها التي تنسب الى فخر الدين بنيت في عهده ولم يقم هو شخصياً ببنائها.
وختم الدكتور المجذوب: إن معالم تلك المنطقة ترسم خارطة التمدد الجغرافي الحالي لمدينة صيدا، فمن منطقة رجال الأربعين سكن أبناء المدينة من الشيعة وكان الإمتداد جنوباً، أما في حي الشارع فكان شرق المدينة القديمة ذات الغالبية المسيحية، والتي امتدت شرقاً، وهي التركيبة نفسها لقرى صيدا ومنطقتها.

وفي منطقة ظهر المير يجلس أحمد محمود القرص (البالغ من العمر 80 عاماً) ليخبرنا «بأن هذه المنطقة سميت باسم ظهر المير، لأن الأمير فخر الدين مرَّ من هنا، وكان يسكن فيها وتحديداً في «دار الأمير»، حيث الآن «مستوصف مؤسسة الحريري». وفي هذه المنطقة زاوية شهيرة لآل الزعتري يملكها سعد الدين وأبو ربيع الزعتري ورثاها عن والدهما، وهي مقفلة، لكن يتم فتحها كل خميس للنساء اللواتي يقمن مولداً فيها».
وقال: لقد عشنا الكثير من القصص والخبريات التي توارثناها عن الأجداد ومن قصص الحكواتي من الملك الظاهر وغيرها، فضلاً عن معايشتنا العديد من الأحداث ونضال الشهيد معروف سعد وحياة الشهيد الرئيس رفيق الحريري والراحل الوزير الدكتور نزيه البزري، فنحن نحتضن في ذاكرتنا العديد من القصص الجميلة التي نعتز بها ونفخر أنها في ذاكرتنا، وهذه الأحياء التي نعيش فيها لها الكثير من الخبريات لذلك نعود دائماً للقاء الأصدقاء في «مقهى البابا».

 

وأضاف: تمتد منطقة ظهر المير من مقابل جامع العمري وصولاً الى «مستوصف مؤسسة الحريري»، وبالقرب منها منطقة رجال الأربعين، وكان في السابق هناك شخص قد ربى 40 جملاً، وحين يسأل الى أين تذهب قال الى الجمال الأربعين، ومن ثم أصبحت أسمها الأربعين، وأضيف إليها تسمية الرجال، وقد سمعت هذه الخبرية من عدة رجال توارثوها عن الأجداد.
وختم القرص: للأسف هذه الأيام التي نمر بها لا تخفى على أحد، فكل زعيم يقول أنه يريد مساعدة الناس ولكننا نبقى في مكاننا نراوح، وللأسف يستفيد الزعماء على ظهر الشعب، وكنت في السابق أعمل في البحر، ومن ثم بعد ذلك أصبحت عتالاً، وبعدها قمت ببيع الخضار والفاكهة، والآن ليس لديّ أي شغلة أو عملة، وأغلب الناس بدون عمل، ونحن الإنجباريين (المعتمدين على مساعدة أهل الخير) نتلاقى في هذا المقهى. ومثال على ذلك صديقنا إبراهيم بوجي الذي قدر الله ولطف به، فقد مر بحالة مرضية صعبة اضطرته لإجراء عملية، ولولا عناية الله ومساعدة «مركز لبيب الطبي» لكان اليوم فارق الحياة، ونحن ننتخب الزعماء كي يساعدونا ولكن الله يسترها معنا.
 

بدوره إبراهيم بوجي قال: كنت في السابق أعمل في البحر، وأنا أعيش في منطقة رجال الأربعين بالقرب من الكنيسة القديمة، حيث «مستوصف مؤسسة الحريري»، أعيش في هذه المنطقة منذ 30 عاماً، وقد تم هجر الكنيسة بعد الأحداث في صيدا فذهب أخواننا المسيحيون وتركوا البيوت، وأنا دفعت خلو المنزل الذي أعيش فيه ولم أحصل عليه بـ «الخاوة»، وهي منطقة تتميز بالمحبة والألفة وكلنا نعرف بعضنا البعض، ونحن نعيش في هذه المنطقة ونأتي الى «مقهى البابا» المقابل للجامع العمري الكبير، وهي عبارة عن مقهى يملكه محمد البابا وأخر لولده وليد، وتتميز هذه المنطقة بالأماكن الدينية الهامة، فإضافة الى الجامع العمري الكبير هناك أيضاً زاوية جلال الدين وأخرى لآل الزعتري.
مقصد لأبناء المناطق
‭{‬ وعلى بعد أمتار من المكان تصل الى «مقهى رجال الأربعين» حيث يشير صاحب المقهى فريد رنو الى «إننا نعيش قريباً من هذا المكان وتحديداً في منطقة الراهبات، وقد قمنا بفتح المقهى فيه منذ 13 عاماً، وحسبما سمعنا من كبار السن أن هذه المنطقة كانت في السابق منطقة رملية وكان يعيش فيها رجال أشداء يجتمعون في هذا المكان الذي أصبح اليوم يحمل أسم «مقهى رجال الأربعين»، حيث كانوا يجلسون على كراسي من الخشب والقش».
وقال: لقد انتشرت المقاهي في هذه المنطقة المطلة على البحر مباشرة، والتي يقصدها العديد من أبناء صيدا والمناطق للجلوس وتمضية الوقت، وطبعاً نعرف أن نجاح أحد المشاريع يحفز الأخرين على القيام بنفس المشروع، لذلك انتشرت المقاهي في هذه المنطقة تحديداً، حيث يلتقي الشباب وكبار السن كل مع أبناء جيله، ونحن نرى أن المقاهي لها دور إيجابي وسلبي يتحدد حسب رواد المقهى، فإن كان الرواد من الجامعيين والمحترمين تكون إيجابية وإن كان صاحب المقهى يسمح بدخول «الزعران» فيكون دورها سلبي، ونحن نقدم أيضاً خدمات الإنترنت مواكبة لرغبة رواد المقهى من الجامعيين والعاملين في شتى المجالات.

أما محمد الحبال فقال: أسكن في منطقة الغازية منذ 45 عاماً، ولكن لا بد من العودة الى الحنين والذكريات، أي الى هذه المنطقة تحديداً، فنحن أصلنا من صيدا ومنطقة رجال الأربعين هي تراث بالنسبة لنا، ومنذ طفولتنا التي عشنا فيها كانت لنا ذكريات عديدة لأنها منطقة الشهيد معروف سعد التي نستعيد في هذه الأيام ذكرى اغتياله، وطبعاً عدد الناخبين في منطقة رجال الأربعين من الشيعة.
وختم: إن انتماءنا الى كل من يدعم المقاومة ويقاوم العدو، وندعو الى أن نحب بعضنا البعض، ونؤكد أنه لا يُمكن أن يكون بيننا أي خلاف لأننا جميعاً أبناء صيدا.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا