العميل بسام ريشا أحد الذين سقطوا في فخّ التعامل، وقبض عليه الأمن العام اللبناني في 22 شباط الماضي، بعدما أظهرت متابعته تورّطه مع العدو الإسرائيلي في جمع معطيات حول مواقع ومسؤولين في حزب الله ومسؤولين أمنيين رسميين وقاعدة للجيش اللبناني في جونيه، إلى جانب مهام تنفيذية أخرى.
لا يمتاز ريشا، على الأقل بما اعترف به حتى الآن، عن غيره من عملاء جمع المعلومات بكثير. إلّا أن أخطر ما في ملفّه أنه اعترف بلقاء مشغّليه، وعلى مدى سنوات، داخل لبنان، وفي منطقة جونيه ومحيطها تحديداً. وأظهرت التحقيقات أن مشغّلي ريشا كانوا يتنقّلون بأريحية داخل الأراضي اللبنانية وعلى فترات طويلة. والأغرب في الملفّ، هو عدم اعترافه بأيّ من النشاطات التي سئل عنها في مرحلة ما بعد عام 2015، الأمر الذي لم يقنع المحقّقين، علماً أن ريشا بات في عهدة القضاء العسكري الذي طلب في 31 أيار 2023 توقيفه بتهمة التعامل مع العدو.
بسام سمير ريشا، المولود عام 1969، مقيم في بلدة غبالة الكسروانية، وهو متأهّل وله ولدان. عام 1992، تطوّع في قوى الأمن الداخلي برتبة دركي، وأحيل إلى التقاعد عام 2015. في التحقيقات معه، قال إنه يعتبر نفسه سياسياً من مؤيدي حزب القوات اللبنانية. وقد عمل سائقاً ومرافقاً لأحد رجال الأعمال اللبنانيين، واستفاد من عمله في معرض للسيارات في جونيه للتعرف إلى شخصيات أمنية وإعلامية، كما عمل سائقاً لدى قنصل فخري لدولة أفريقية في لبنان.
في التحقيق معه، تذرّع ريشا بالأوضاع المادية لتبرير سعيه للعمل مع استخبارات العدوّ عام 2011، عبر التواصل مع العميل الفار المدعو دانيال النقوزي بواسطة تطبيق فايسبوك. وتبيّن للمحقّقين أن دانيال النقوزي هو العميل الفارّ وليد حسن نقوزي الذي صدرت بحقه عدة بلاغات تقصٍّ، بينها ما يتعلق بجرم التعامل مع العدو والدخول إلى أراضيه.
تطوّر التواصل بين ريشا ومشغّله النقوزي من فايسبوك إلى الهاتف، وكلّف العميل بتصوير مراكز أمنية وأخرى تابعة لحزب الله. وقال في التحقيق إنه أرسل ثلاث صور تخصّ حزب الله ادّعى بأنه حصل عليها من خلال البحث على شبكة الإنترنت. وأضاف أن التواصل مع النقوزي توقّف بعد إطلاق الأجهزة الأمنية حملة أدّت إلى توقيف عدة شبكات تتعامل مع العدو، وأن النقوزي أبلغه أنه سيكلّف شخصاً بالتواصل معه في الوقت المناسب.
بعد حوالي شهر، تواصل النقوزي مع ريشا عبر الفايسبوك، وطلب منه تأمين صور لمواقع عائدة لحزب الله. وزعم ريشا أنه عمد أيضاً إلى سحب صور عن الفايسبوك لأحد الحسابات الذي ينشر صوراً لمهرجانات الحزب. إلا أن النقوزي عاد وطلب منه صوراً أدقّ و«أهدافاً إستراتيجية» أكثر، فقال ريشا إنه يحتاج إلى وقت لتنفيذ ذلك. عندها أبلغه النقوزي أنه سيكلّف شخصاً بالتواصل معه من رقم غريب. وبعد حوالي شهر، تلقّى ريشا اتصالاً من رقم أجنبي (تبيّن أنه يُستخدم من قبل العدو)، ليتبين أن المتحدث كان امرأة عرّفت عن نفسها باسم «نور»، وطلبت منه تحديد مكان للقائه، وأبلغته أنها موجودة في الدكوانة - الجديدة، واتّفقا على اللقاء في مقهى ستارباكس في الزلقا على ساحل المتن الشمالي، حيث وصلت بسيارة من طراز BMW X3 سوداء. وقال ريشا إن اللقاء لم يدم أكثر من ربع ساعة، وإن «نور» كانت تريد التعرف إليه شخصياً، وأطلعته على صور وخرائط هي عبارة عن نموذج لطريقة تصوير الخرائط وتحديد الأهداف. وشرحت له طريقة تحديد المواقع جغرافياً واستخدام الصور الفضائية، واتفقت معه على طريقة العمل في ما خصّ تحديد الأهداف جغرافياً، وكلّفته بتأمين صور لمواقع حزب الله في قرى كسروان.
ريشا سُلم إلى المحكمة العسكرية قبل نحو شهرين، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير في ظلّ اشتداد الحرب الأمنية بين المقاومة والأجهزة الأمنية من جهة وبين أجهزة العدو من جهة أخرى. إلّا أن الكشف المتواصل عن العملاء الذين يتذرّع معظمهم بالانهيار الاقتصادي لتبرير عمالتهم، يدفع بالجهات السياسية إلى التركيز على عمل القضاء اللبناني، ليكون أكثر تشدداً في الأحكام الصادرة بحق هؤلاء.
وفي حالة العميل ريشا، يتطلّب الأمر توسّعاً في التحقيق لفهم الظروف ومعالجة الأسباب التي تعطي هامش الحرية والحركة لخلايا العدو الإسرائيلي في الداخل اللبناني. وهو العميل الأول الذي يتحدث عن تواصل مباشرٍ بينه وبين عملاء ومشغّلين على الأراضي اللبنانية.