×

بريد صيدا ايام زمان.. لم تبق الا الذكريات الجميلة

التصنيف: تقارير

2009-09-06  06:31 ص  2032

 

 

محمد دهشة
لم يبق من بريد الدولة ـ ايام زمان ورسائل المغتربين سوى الذكريات الجميلة، إذ تحولت مراكزه الرسمية الى مجرد مكاتب خالية من الحركة بعدما كانت تضج بالحيوية وباتت خزائنه الحديدية صدئة امام ثورة التكنولوجيا والاتصالات والانترنت والرسائل الالكترونية.  
فقد بدأ نجم "البريد" بالأفول الى حد التلاشي وإختفى معها شوق إنتظار الرسالة من حبيب أو مسافر لمعرفة اخباره والتي كان يتطلب وصولها ايام معدودة امام الرسائل الالكتروينة البديلة التي تغزو أجهزة الكومبيوتر بلا هوداة وفي كل الاوقات.
وباتت بعض مراكز "البريد" مخصصة ومعقبة للمعاملات والخدمات تسهل على المواطنين انجازها مقابل رسوم مالية رمزية بدلا من مشقة الانتقال الى الدوائر الرسمية والانتظار كما هو الحال في الدول الاوروبية، بينما تحول ما تبقى منها والتابعة لوزارة الاتصالات الى مجرد ذكريات جميلة يرويها الموظفون السابقون للحاليين بشوق وحسرة بإنتظار وصول رسالة ما بعدما كانت على مدى عقود طويلة وسيلة التواصل بين المقيمين والمغتربين، تحمل الفرح الى قلب صاحبها لمجرد رؤية ساعي البريد يحملها اليه من بعيد.
فقد إختفت صناديق البريد من مداخل الابنية وماتبقى منها بات صدأ ويعلوه الغبار ويأكله النسيان وصارت بمثابة "صناديق للفرجة" بعدما أهمل اصحابها كتابة الرسائل البريدية واستعاضوا عنها بالرسائل الالكترونية على انواعها.
بريد.. وذكريات
في بريد عين الحلوة الكائن قبالة مسجد "الموصللي" في تعمير صيدا، يجلس ما تبقى من موظفين بانتظار وصول رسالة ما، قبل ان يعالجك احدهم "ان الاشخاص الذين يدخلون المركز لايداع رسائلهم يعدون على اصابع اليد وهم بغالبيتهم اما متقدمون في السن او من التابعية السريلانكية او بنغلادش التي يعمل افراد منها في لبنان، ولا يجدون وسيلة تواصل مع ذويهم في الخارج الا عبر الرسالة المكتوبة.
ويستعيد الحاج هلال عنتر (65 عاما) والتي قضى منها 42 عاما كساعي بريد ذكرياته مع هذه المهنة التي بدأت تتلاشى، فيقول "باشرت العمل في 5 تشرين الثاني عام 1966 وأحلت الى التقاعد في 25 تموز 2008 اي انني خدمت نحو 42 عاما، كانت مليئة بالروايات والذكريات، لم يكن ساعي البريد مجرد موظف ينقل الرسائل وبطاقات المعايدة بل بات "دليل المدينة" وصديقا للناس الذين لهم مسافرين في الخارج.
وأضاف: صحيح كانت الرسالة تتطلب اسبوعا وما يزيد لتصل ولكن كان لها اثرا كبيرا على مستلميها وهي تحمل معاني الشوق والانتظار، كثيرا منهم كانوا ينتظروننا عند مداخل وابواب المنازل واحيانا يكرموننا بالاستضافة وشرب القهوة والشاي والحلوى وحتى الهدايا.
ويعزو عنتر سبب تأخر وصول الرسائل آنذاك الى حركة الطيران البطئية بسبب قلة المسافرين قبل خمس عقود، كانت الرسائل تصل الى مطار بيروت ثم تفرز وفق المناطق ثم ترسل الى المركز في صيدا وبدورنا نقوم بفرزها وفق الاحياء والمناطق والقرى قبل ان نباشر توزيعها وكل ذلك يتطلب وقتا وجهدا، رغم وجود 35 موظفا 8 منهم سعاة بريد ـ موزعين، اما اليوم فالموظفين يعدون على اصابع اليدين، لم تعد هناك حاجة لهم امام عصر التكنولوجيا والاتصالات وثورة "الانترنت".
رفاق ورواية
ويستذكر رفاقه في العمل خضر غزاوي، نعيم غصن، سمير اسكندر، زكريا البابا، انيس ابو زيد، عفيف نجم وسامي متى، ليقول "لقد عشنا اجمل ايامنا، كنا نعتبر انفسنا اننا صلة الوصل بين المغتربين والناس هنا، وكم هو شعور رائع ان ننقل خبرا سارا او نبأ بعودة مسافر، كان الناس ينتظرون بشوق وبالترحاب والتحية والابتسامة".
ولا يخف عنتر ان وسيلة النقل لايصال الرسائل كانت بدائية، "كنا نعتمد على القدمين في اغلب الاحيان او على الدراجة الهوائية او النارية حينا ولاحقا السيارة الخاصة كي لا تتكدس الرسائل وتصل الى مستلميها سريعا"، قبل ان يردف "لقد حفظت احياء المدينة وازقتها ومنازلها عن ظهر قلب، قبل ان انتقل الى وظيفة فرز الرسائل وبديل اي ساعي مجاز".
واضاف: ان اكثر الاوقات صعوبة في العمل كانت بعد انتهاء العام الدراسي، بعض المدارس كانت توزع علامات الطلاب عبر البريد، فنحملها الى ذويهم في منازلهم وهذا الامر يتطلب جهدا ووقتا كبيرا وسرعة للوصول اليهم.
ويبتسم عنتر وهو يستذكر حادثة وقعت معه، اذ وصلت ذات مرة رسالة من المانيا، مكتوب عليها اسم المنطقة واسم المستلم دون اي تفاصيل، ليروي "بقيت اسأل عن صاحبتها ايام معدودة الى ان تمكنت من الوصول اليها، عندما طرقت باب المنزل وعرفتني بادرتني القول "هلق جئت.. لقد وصل المسافر نفسه"، قبل ان يردف "كانت الرسائل البريدية في الماضي يتطلب وصولها الى صاحبها اسبوعا واكثر شهورا وفي بعض الاحيان اكثر من شهر، ونادرا لا تصل أبدا.
ويعترف عنتر ان ثورة الاتصالات والانترنت لم تبقي للبريد الا الذكرى، ونادرا ما يصل اليه رسائل ومعظمها من الدول الفقيرة مثل بنغلادش وسريلانكا التي لا تملك اتصالات حديثة، اليوم يتحدث المسافر مع اهله واولاده عدة مرات في اليوم دون اي عائق.
ويوجد حالياً في لبنان 250 ساعي بريد يتناوبون على توزيع البريد بصورة سريعة لا تتجاوز الـ 24 ساعة داخل بيروت والـ 48 ساعة خارجها، وهم يتنقلون اما سيراً على الاقدام اما في سيارات خاصة او على دراجات نارية وقد خضعوا الى دورة تدريبية استغرقت حوالي السنة ليقوموا بمهامهم على اكمل وجه.
 
صيدا والبريد
وقع لبنان عام 1998 عقدا مع الشركة الكندية لتوزيع البريد SNSLavalin لادارة هذا المرفق لكن العقد فسخ بعد بضع سنوات وانتقل الى شركة Lebanon Invest التي اخذت على عاتقها ايضاً تجديد جوازات السفر للمواطنين عبر خدمة البريد ولاقت نجاحاً لافتا.
أما في صيدا فهناك مركزان للبريد، الاول الرئيسي والكائن في شارع رياض الصلح قرب مسجد الزعتري وبات مخصصا بيد شركة "لبنانو بوسطت"، بينما اصبح بريد عين الحلوة الكائن قبالة مسجد "الموصللي" في تعمير عين الحلوة المركز الوحيد التابع للدولة.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا