×

اغتيال الممثل جوليانا مير المتماهي مع جنين

التصنيف: تقارير

2011-04-05  09:28 ص  1500

 

كان الخبر صاعقاً: لقي الممثل الإسرائيلي - العربي جوليانو مير مصرعه عند خروجه من «مسرح الحرية» في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية. وقد أطلق ملثم خمس رصاصات من مكان قريب على رأس وصدر جوليانو الجالس على المقعد الأمامي لسيارته. وكان جوليانو قد كرّس السنوات الأخيرة من عمره في تطوير هذا المسرح وتطوير مواهب الجيل الصاعد في المخيم.
وواصل جوليانو بعمله هذا ما كانت والدته آرنا مير قد أسسته، إذ أنشأت في المخيم نفسه في مطلع الثمانينيات مسرحاً للأطفال نال بعضهم الشهرة لاحقاً ليس فقط بسبب فيلم «أطفال آرنا». فالشهيد يوسف السويطات الذي كان بين ممثلي مسرحية «قنديل الشمس» نفذ عملية استشهادية في الخضيرة بعد انضمامه لحركة الجهاد الإسلامي. وزكريا زبيدي كان بين أبرز مناضلي حركة فتح في المخيم أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
غير أن جوليانو ومسرحه وأمه لم يكونوا ديكوراً في مشهد الصراع بل كانوا جزءاً من القصة وحبكتها. فالأم آرنا يهودية تزوّجت من الأب صليبا خميس وانتميا إلى الحزب الشيوعي وأنشآ عائلة تقاسمت الواقع. سرعان ما قاد صليبا تحركاً ذا طبيعة قومية عربية في الحزب الشيوعي وركزت آرنا على يهوديتها المعتدلة. وذهب بعض أبناء آرنا وصليبا مع والدهم وبقي جوليانو مع أمه يحمل اسم عائلتها.
وكان اسم جوليانو المندمج في الحياة الإسرائيلية كممثل يتردّد بين الحين والآخر في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات بسبب ملاحقة الجماعات اليهودية المتطرفة له. فهذه الجماعات لم تغفر له زواج أمه من عربي وظلت تعتبره عربياً رغم أن الديانة اليهودية تعيد النسب إلى الأم. وكانت الصحف تحمل بين الحين والآخر نبأ ملاحقته والاعتداء عليه من جانب هؤلاء. والحقيقة أن جوليانو عاش نوعاً من الانقسام الحاد بين فلسطينيته وإسرائيليته إلى أن نشبت الانتفاضة الأولى. وكان لوالدته آرنا دور في ذلك في مشروعها الثقافي في مخيم جنين قبل أن يتعرّض لمجزرة في الانتفاضة الثانية.
وبين الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية كان «أطفال آرنا» قد كبروا وانخرط قسم كبير منهم في العمل الوطني بحيث باتت قصتهم تأريخاً لنضال الشعب الفلسطيني. ولكن قصة أطفال آرنا اجتذبت أيضاً جوليانو الذي كرّس حياته أيضاً لمشروع والدته في المخيم وعمل على تطويره.
يبلغ جوليانو الثالثة والخمسين من العمر. وليس صدفة أنه قتل في المكان الذي تماثل معه أكثر من أي شيء آخر على الأقل في العقدين الأخيرين. فمخيم جنين لخّص له القضية الفلسطينية بأسرها: الأرض والهوية والذاكرة والأمل. وغدا جوليانو بين أشد المنتقدين لإسرائيل ولم يتردد في إعلان تفهّمه على شاشة التلفزيون الإسرائيلي لظاهرة الاستشهاديين. وأعلن أن هؤلاء هم ثمرة بشاعة الاحتلال وغطرسته لأن «الأمهات لا ينجبن استشهاديين» وإنما الاحتلال والظلم من ينجبهم.
وقد أصابت الصدمة كثيراً من المثقفين الفلسطينيين والإسرائيليين إثر اغتيال جوليانو. وتجري التحقيقات في اتجاهات مختلفة. هناك من يرى أنه قد يكون ضحية لتطرف يهودي يريد الانتقام من جوليانو وعمله لمصلحة الشعب الفلسطيني. وهناك من لاحظ أن جوليانو تعرّض لتهديدات من جانب عناصر إسلامية متطرفة في منطقة جنين لم يرق لها مشروعه الثقافي. كما لم تستبعد أوساط معينة أن تكون دوافع جنائية خلف الاغتيال.
المهم أن المشهد الثقافي الفلسطيني خسر ظاهرة فريدة تجسدت فيها كل عوامل الإثارة والتناقض الدالة على حجم تعقيد القضية الفلسطينية ونماذج حلها.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا