×

د حسيب البزري _ لبنان: أمة أم تجمع بشري؟

التصنيف: أقلام

2024-11-22  04:48 م  108

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

بقلم د حسيب البزري 

في يوم الاستقلال، يطرح السؤال نفسه: هل لبنان أمة مثل باقي الأمم أم مجرد مجموعة بشرية تراكمت بفعل التاريخ والجغرافيا في منطقة مليئة بالصراعات والتنوعات؟ هذه القضية ليست جديدة، بل تحمل في طياتها أبعاداً عميقة تتعلق بطبيعة الكيان اللبناني منذ استقلاله عام 1943 وحتى اليوم.

 

لبنان، بمساحته الصغيرة وتعدديته الثقافية والدينية، يعكس فسيفساء فريدة قلّ نظيرها في العالم. يضم هذا البلد طوائف دينية ومذهبية متنوعة، مع أقليات عرقية وثقافية تشكلت بفعل هجرات متعاقبة وحروب تاريخية. لكن، هل يعني هذا أن لبنان ليس أمة؟ أم أن مفهوم الأمة في حد ذاته يحتاج إلى إعادة تعريف في سياق التجربة اللبنانية؟

 

لبنان بين التعددية والهوية الوطنية

 

منذ إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1920، كانت التعددية الدينية والمذهبية سمة أساسية له. ومع استقلاله عام 1943، تم تكريس هذه التعددية في نظام سياسي يقوم على “الميثاق الوطني”، وهو اتفاق ضمني بين المكونات الرئيسية يهدف إلى إدارة التوازنات بين مختلف الأطراف. لكن هذه الصيغة، التي قد تبدو نموذجية على الورق، أثبتت عبر العقود أنها مصدر ضعف وعامل تقسيم في أحيان كثيرة.

 

فبدلاً من أن تكون هذه التعددية عامل غنى ثقافي، تحولت إلى عامل انقسام وصراعات داخلية متكررة. النظام السياسي الطائفي عزز الانتماءات الدينية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، مما جعل فكرة “الأمة اللبنانية” تبدو أقرب إلى حلم بعيد المنال. فهل يمكن لأمة أن تتشكل إذا كانت الولاءات الأولية للأديان والمذاهب والطوائف، وليس للدولة؟

 

أزمات مستمرة منذ 1943

 

منذ الاستقلال، عانى لبنان من أزمات متكررة. الحرب الأهلية (1975-1990) كانت تجسيداً واضحاً للفشل في بناء دولة موحدة. وحتى بعد انتهاء الحرب، بقي النظام السياسي الطائفي عائقاً أمام تحقيق الاستقرار. وفي كل مرة يقترب فيها لبنان من مرحلة بناء دولة مدنية حديثة، تتعالى أصوات الانقسامات الطائفية لتعيد البلاد إلى المربع الأول.

 

هذه الحالة من عدم الاستقرار ليست مجرد نتيجة للصراعات الداخلية، بل أيضاً انعكاس للتجاذبات الإقليمية والدولية. فقد أصبح لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية، مما زاد من هشاشة وضعه الداخلي.

 

هل يمكن للبنان أن يكون أمة؟

 

رغم التحديات، لا يزال هناك أمل في بناء لبنان كأمة حقيقية. فالأمم لا تُبنى فقط على وحدة الدين أو العرق، بل على الإيمان المشترك بالمصير الواحد والرؤية المستقبلية المشتركة. إذا استطاع اللبنانيون تجاوز الانقسامات الطائفية ووضع مصلحة الوطن فوق المصالح الفئوية، يمكن للبنان أن يصبح نموذجاً فريداً لأمة متعددة الثقافات، حيث تكون التعددية عامل قوة وليس ضعفاً.

 

عيد الاستقلال: فرصة للتأمل

 

عيد الاستقلال ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل فرصة للتأمل في ما حققناه وما يجب أن نحققه. لبنان يمتلك كل المقومات ليكون أمة حقيقية: تاريخ مشترك، موقع جغرافي استراتيجي، وإرث ثقافي غني. لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية وشعبية لتغيير النظام الطائفي وبناء دولة مدنية عادلة تضمن المساواة لجميع المواطنين.

 

في النهاية، لبنان ليس مجرد مجموعة بشرية متراكمة بفعل الأزمات، بل هو بلد لديه فرصة ليكون أمة حقيقية. المفتاح يكمن في قدرة اللبنانيين على تجاوز الماضي وبناء مستقبل يعتمد على المواطنة والعدالة، وليس على الولاءات الطائفية.

 

عيد استقلال سعيد، وأمل بمستقبل أفضل.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا