×

من وهم الحماية الأمريكية إلى فجيعة المساندة الإيرانية

التصنيف: أقلام

2025-05-02  10:48 ص  72

 
كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

عارف العبد  المدن

لن يطول الوقت، حتى يكتشف لبنان الرسمي والشعبي، أن لا فرق بين المغادر والواصل من الجنرالين الأمريكيين، رئيس لجنة الإشراف على تنفيذ آلية وقف إطلاق النار، في الجنوب الجنرال غاسبر جيفيرز الذي انتهت مهامه في لبنان، على راس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، والرئيس الجديد للجنة الجنرال مايكل ليني، الذي تسلم المهمة مكان سلفه. فالقادم، تماما هو نسخة موحدة ومتطابقة، عن الضابط السابق. إذ أن الضابطين هما إنتاج الآلة والماكينة العسكرية والسياسية الأمريكية، وقد يكون الفرق بينهما هو فرق الوزن والطول ببعض غرامات أو سنتيمترات.

 

الأساس في الموضوع، هو السياسة الأمريكية، في المنطقة ولبنان، في هذه المرحلة. أما الموظفين المنتدبين، إلى لبنان من عسكريين ومدنيين ودبلوماسيين، فهم أداة تنفيذية لا أكثر ولا اقل، مع بعض الفروق الطفيفة الموجودة بين البشر، إلى الآن وقبل سيطرة جيل الروبوتات الممكن والمحتمل، في المستقبل، المنتج من شركة تسلا التي يقودها وزير الإبداع والكفاءة ورجل الأعمال، صديق الرئيس الأمريكي أيلون ماسك، الواسع الخيال والإمكانيات والقدرات.

 

هل يمكن لاحد في الجمهورية اللبنانية، أن يشرح ويبين الفرق بين السفيرة الأميركية الحالية ليزا جونسون، والسفيرة السابقة دوروثي شيا، والتي باتت تمثل الآن بلادها في الأمم المتحدة؟

 

بالطبع، ما من فرق واضح بين الضابطين والسفيرتين، إلا عبر أمور وفروق بسيطة بالكاد يمكن ملاحظتها.

 

مناسبة هذا الكلام هو التطورات الراهنة والأخيرة التي تعصف في البلاد، وبالتحديد منذ إعلان ما يسمى بوقف النار بين لبنان وإسرائيل، والذي دخل حيِّز التنفيذ في فجر يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

 

الحكومة اللبنانية، التي كان على رأسها نجيب ميقاتي، هي التي اطلعت على الاتفاق ووافقت عليه والذي تولى التفاوض للتوصل إليه وصياغته، رئيس مجلس النواب والأخ الأكبر لحزب الله الرئيس نبيه بري.

 

منذ ذلك اليوم المشهود، لم ينعم لبنان، باي فترة جدية هادئة وثابتة من الاستقرار والسكينة. ومن الواضح، أن تنفيذ هذا الاتفاق يتم وسط اختلال كبير في التوازن البائن والظاهر بين الطرفين.

بصراحة، يتم تنفيذ الاتفاق تحت ثقل اليد الإسرائيلية العليا، والفتاكة والمهينة بطائراتها ومسيراتها المزعجة يوميا، في تجبرها وإذلالها اليومي والدائم لسيادة لبنان وكرامة أغلبية شعبه، وبشكل خاص حزب الله والبيئة المحيطة به.

 

المحصلة، إن هذا الاتفاق الذي لم يكن في الإمكان سوى القبول به، بسبب التفوق العسكري الإسرائيلي على حزب الله في المعركة الأخيرة. بالرغم من ادعاءات النصر الهزيلة والمضحكة والمحزنة التي تصدر، عبر أفواه ألسنة الحزب، هذا الاتفاق يتم تنفيذه كما تريد إسرائيل أو كما ترى مصالحها. فهي التي تحدد، ساعة تريد الاغتيال والقنص والقصف والتدمير، بحجة أو من دون حجة وحتى لو كانت واهية صحيحة أو مزيفة.

 

الموقف الأمريكي، من التطورات واضح، انه منحاز إلى الجانب الإسرائيلي. بل أكثر من ذلك، فان التطورات تثبت صحة الأنباء التي تسربت من أكثر من مصدر عقب الموافقة على الاتفاق، والتي تقول أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل في رسالة جانبية، أن لها حرية الحركة والمبادرة في تدمير وقصف ومهاجمة، أي هدف تعتقد انه يهدد سلامتها بحجة حماية امنها، من احتمال تهديده من حزب الله. والدليل على ذلك، حرية الحركة التي تتمتع بها إسرائيل في لبنان بعد الاتفاق.

وقد أكد هذه المعلومات وثبتها، المواقف العلنية والعملية والوقحة للموفدة الأميركية المتفاخرة، مورغان أورتاغوس. فهي لم تخف سرورها، مما أسمته نصر إسرائيل، على حزب الله. كما أنها لم تتردد في وصف حزب الله بالسرطان، الذي من الواجب اقتلاعه واستئصاله. 

 

 في المقابل، فان كل ما جرى، نتيجة هذه الوقائع، ليس أكثر من تسريبات عن انزعاج لبناني رسمي من اللهجة، التي استخدمتها اورتاغوس على باب القصر الجهوري، في مخاطبة الرأي العام اللبناني أو التنمر على بعض الشخصيات اللبنانية.

 

أما فعليا، فان لبنان الرسمي، المدعوم والمُنصب من الولايات المتحدة، عاجز عن التأثير ولو الشكلي على الطرف الأميركي، أو حتى الحد والتخفيف من انحيازه السافر والعلني لإسرائيل، في عدوانها وتجبرها المستمر على لبنان.

 

من هنا، تبدو مقولة الأطراف الدولية الضامنة للاتفاق مثيرة للضحك والشفقة، بشكل هزلي ودرامي في أن واحد.

 

بمعنى أخر، لقد فعلتها أميركا بلبنان مرة جديدة. دعته للتوجه نحوها لحماية بيضه، لكنها وضعت هذا البيض في سلة تحت تصرف وإشراف إسرائيل. فخدعت لبنان والرأي العام مرة أخرى، وتركته نهبا للأهواء والمصالح الإسرائيلية الخطيرة والمتعددة.

 

إن ما يتعرض له لبنان اليوم ليس جديدا، وليس من باب الصدفة.

 

سبق للولايات المتحدة، أن خدعت لبنان سابقا خديعة مماثلة، لا تقل فجورا وفضائحية عن الخديعة الراهنة، عقب الغزو الإسرائيلي عام 1982. فالذي جرى عقب المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية إثر اجتياح إسرائيل للبنان لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية، ودخوله التفاوض مع إسرائيل وممارسة أكبر الضغوط على لبنان الرسمي يومها، لتوقيع اتفاق 17 أيار وموافقة الحكومة اللبنانية عليه، وإقراره من مجلس النواب اللبناني؛ الذي جرى يومها تمثل في أن وقعت أميركا ، رسالة جانبية مع إسرائيل، تنص أن هذا الاتفاق لن تنفذه إسرائيل، أي أنها لن تنسحب من لبنان، إلا إذ انسحبت سوريا من لبنان! فأسقط بيد الرئيس اللبناني آنذاك أمين الجميل، ووضع ومن وقع على الاتفاق يومها وأيده "بسواد الوج" كما يقال بالعامية مع لبنان وسوريا المتربصة، واتهم بالخيانة الوطنية، والراي العام المعارض. وقد دفع لبنان يومها الثمن مرتين، مرة الأولى من اجل إنجاز الاتفاق، والثانية من اجل العودة عنه ببنادق وحراب سوريا والقوى الحليفة لها.  

 

وقد استفاض الرئيس الجميل الذي "اكل الضرب" في شرح ملابسات المأزق الذي أوقعته فيه أميركا، بعد أن كان هدد بقصف سوريا من واشنطن.

 

كانت صدمة أصيب بها لبنان الرسمي الذي أطاع أميركا وعقد اتفاق سلام مع إسرائيل وتلقى من أميركا الطعنة في رسالتها الجانبية مع إسرائيل حول ربط الانسحاب بانسحاب سوريا.

 

فحتى في حالة توقيع لبنان اتفاقية سلام مع إسرائيل، كما طلبت ونصحت أميركا، لم تشفع له. بل انحازت أميركا لمصلحة إسرائيل ودفع لبنان الثمن. فكيف الآن، وقد اختلفت الظروف والموازين بين الأمس واليوم.

 

لقد سمح الانحياز الأمريكي سابقا نحو إسرائيل، بان يأكل النظام اللبناني نصيبه من "القتلة" والتدمير والحرب على يد معارضي الاتفاق، آنذاك. واليوم ومع سطوع فجر "الترامبية" المجنونة، تتآكل مصداقية النظام اللبناني والحكم الجديد، في لبنان، بسبب فجور إسرائيل وعدوانها الغاشم والمستمر من دون قدرة أو نية لأميركا على ردع العدوان اليومي وإيقافه.

 

 الضابط الجديد القادم على راس لجنة وقف النار، لن يبدل في أمور العدوان والصلف الإسرائيلي شيئا. موازين القوى الراهنة تميل إلى مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة. التي باتت الأمر الناهي والمتحكم بمقاليد الأمور في المنطقة والإقليم.

 

المشكلة ليست هنا، بل أن المشكلة الفعلية، هي في من صدق وما يزال، انه اذا تورط في هذا النزاع مع أميركا وإسرائيل، وتعرض للعدوان، فان ايران ستكون خلفه، والى جانبه وأمامه، وهي عند الضرورة ستفني إسرائيل وتقتلعها بدقائق، وستسارع إلى نجدته وحمايته والدفاع عنه بعنف ومن دون تردد، حسب زعم وادعاء قادة ايران الأشاوس!

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا