مشاركة: محمد احمد حمود

سقطت قناة الجزيرة الفضائية بالضربة القاضية سريعا من قلوب الأحرار من الممانعين العرب، وانهارت الغيمة الرمادية التي كانت توسوس عيون الحالمين بإعلام عربي مشرق، أو كما شبهها الإعلامي العربي الشريف غسان بن جدو صاحب الكاريزما القومية الأولى في مساحات العالم العربي الحر، بالحلم الذي أحال نفسه كابوسا بعد أن غاب في قذارة التحريض . سقطت أم ّ الفضائيات المهجّنة بنيران صديقة، أو ربما كانت صديقة، وانتـُشل القلم الأسود من آبار محبرة النفط على حدود الصحراء القاحلة، واستنفر التلامذة المستغربون من مدارس أمريكا والإعتدال الخليجي المفبرك ، بالحطة والعقال ، والعباءة البيضاء كعقول مشايخهم وأمرائهم وملوكهم الفارغة الناصعة من اللكنة العربية أو من ذكاء الفروسية اللاموروثة لا من أصالة البدو أو من نبالة الحضر . نكاد لا نصدق ما نسمع من سياسة التحريض والتكذيب والترهيب لما تبثه هذه الفضائية، حتى مقدمي البرامج نكاد لا نفهم مستوى الدونية والمراهقة في السرد والحوار وطرح الأفكار وما كان يسمى بالرأي والرأي الآخر، نستعجب من الفبركة واستغباء المشاهد واللعب على أوتار البغض والكراهية والـتأليب ، وهم لم يكونوا كذلك ؟ أو ربم هم كذلك . كنا نظن بأن الجميع من ذوي العقول والضمائر التي لا تشرى ولا تباع، وقد غابت عنا لبرهة الدراهم والدنانير والمناصب والمصالح وزعامة أصحاب النيافة والجلالة و نكهة الغرب المستشرية في شرايين الكثيرين من الخليجيين الذين لا شاردة ولا واردة لهم سوى حفنة المال ، ونغمة اللذة وطنين كؤوس الخمر، ولم نحتسب واحدا منهم فقط ، سقط شهيدا على طريق اسم فلسطين أو العروبة ، جلهم عربان في أثواب ديوك غربية ، أرهقها ذل الخوف من الصياد الأشقر، فمسخوا كدجاجات قـِنّ درّبت على النقيق دونما مبيض ؟ نأسف لشذاها الذي فاح في حرب تموز وفي حرب غزة وفي عزة مصر وتونس، ونأسف لأنها لم تك على المسافة نفسها مع سوريا ، وبفظاظة ملفتة مما يجري في البحرين ، أسقطت قناعها الزائف المتستر تحت غطاء الثقافة والانفتاح والحوار والحرية ، فأين ذلك كله من البحرين مثلا ؟ أليس بكاف أن يُسقط البحرين تاريخها ؟ هل تستطيع الجزيرة أن تقول في البحرين واحدا بالمئة مما تقوله يوميا في سوريا ، وهل يتجرأ المذيع والمقدّم والمحرر والملقن أن يشير الى ثغرة من ثغرات آل سعود وآل خليفة وآل نهيان، أو أن تهاجم بسلاسة مطلقة درع الجزيرة ؟ لا .. لن تستطيع ؟ لأن الأمير يرفض ، والأمير يلقن ، والأمير يوزع المال والنشرات رغم ركاكة لغته ، فلا الشهيد في البحرين شهيدا ، ولا الأسير أو الأسيرة بشرا ينادى من أجلهم بالحرية والعنف .

لم نشهد من القرضاوي المتقلب جدا في معمعة البحرين كلمة ، وقد ثار كفارس في مقتبل العمر على ما يجري في سوريا ؟ ألم تقل في الماضي القريب أيها الشيخ الفضيل ، لسيد المقاومة السيد حسن نصرالله : إذهب أنت وربك فقاتلا ( إنا معكم مقاتلون ) ، ألم تتغزل بطيف وشباب وذكاء الرئيس بشار الأسد ، وبالمقاومة والممانعة ، فتبدلت بين ليلة وضحاها الى محرض للمذهبية ولتغيير الأنظمة الممانعة ، ولم تر َ ما في البحرين من حرق للمساجد وتدنيس للكتاب الكريم ، وتدمير للمقدسات ـ فلكأنك من عالم آخر ؟ لقد سقطتم جميعا عند الإختبار الأول ، فالسيد الأمريكي يحزن ويتألم كثيرا لحرق القرآن ، وتخافون من دموعه البريئة أن تغضب على أنظمتكم الميتة أصلا ؟!! أين قطر ، دعامة العروبة ؟ كذبة من أكاذيب دفتر التاريخ العربي الذي يتقلب مع مسافة كأس العالم المشتراة بمليارات الدولارات ، في أمة الجوع والحرب والموت والقهر . أين السعودية بأسلحتها المكدسة في المعارض ، لم نسمع يوما أنها استعدت او استنفرت لحرب اليهود منذ نشأتها ، ولم نر تلك البطولة ورايات النصر الخائبة من جنودها الذين حرروا القدس وفلسطين!!! فأخطأوا ، المسير ناحية المنامة ؟ كذبة كبيرة هي العروبة في هذه الأيام ، حتى كدنا لا نصدق ولو ثورة واحدة من ثورات العرب ؟ على الأقل حتى الآن ؟ نخاف أن تتآكلها الموائد وتتلاطمها المكاسب ؟!!

كذبة كبرى ، تلك الفضائية ، حلم تم تأليفه وتوليفه حين وُلد مع خريطة ( إسرائيل دون فلسطين) ( ومع القتيل دون الشهيد ) ، ومع الرأي الآخر حينما سمحت للقاتل الصهيوني أن يعتلي منبرها ليقول ما يقول، كذبة كبرى لأنها لا تنقل الحقيقة كما هي في سوريا ، ولا تنقل أية حقيقة من البحرين ، باتت قناة للتمثيل شأنها كبقية الفضائيات الناشئة ، سقط عنها القناع في حديث عزمي بشارة ، وصدق حدس القلة الذين لم نصدقهم يوما بأن الجزيرة ربيبة الغرب وشريكة الإمارة والملوك، ولكن يبقى قبس مضيء لأحرار العرب ومقاوميهم وممانعيهم ، طالما بين الشاشات أمثال غسان بن جدو ، الذي حتى الآن نقر بأنه كان هو الجزيرة ، لحين مَن يأت ليسير على درب عروبته ومروءته وضميره الحي من بقية مثقفي الجزيرة ؟ !