تحولت "مسيرة العودة" التي شهدتها بلدة مارون الراس الحدودية، في الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين، الى مواجهة دموية أقدمت خلالها قوات الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ مجزرة دموية في حق المتظاهرين العزل، كانت حصيلتها استشهاد عشرة أشخاص على الاقل وجرح أكثر من مئة، بعضهم في حالة حرجة.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر امنية لبنانية قولها ان عشرة فلسطينيين على الاقل قتلوا أمس الاحد، بعد ان اطلقت القوات الاسرائيلية النار على متظاهرين مؤيدين للفلسطينين كانوا في "مسيرة العودة" بذكرى النكبة.
وكتب فادي البردان: استمرت اجواء التوتر مخيمة لساعات طويلة عند الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة قبالة مارون الراس في القطاع الاوسط، بعدما عمدت قوات الاحتلال الاسرائيلي الى اطلاق النار باتجاه المتظاهرين المشاركين في "مسيرة العودة" ما أدى الى سقوط أكثر من ثمانية شهداء على الاقل واصابة قرابة المئة بجروح من بينهم 10 على الاقل في حالة خطرة، نقلوا جميعا الى مستشفى الشهيد صلاح غندور والمستشفى الحكومي في بنت جبيل كما الى عدد من مستشفيات صور وصيدا. وعلم ان معظم الشهداء والجرحى هم من ابناء المخيمات الفلسطينية. وذكر ان اثنين من الشهداء هما من مخيم الرشيدية جنوب صور، وشهيد من مخيم البرج الشمالي، وآخر من مخيم البص، فيما جرحت السيدة زاهية كرنيب، من مارون الراس، كما جرح جندي لبناني .
وعلم في ساعة متأخرة من عصر امس، ان القوات الاسرائيلية اشترطت على القوات الدولية انسحاب جميع المتواجدين قبالة الحدود مقابل وقف اطلاق النار باتجاههم، تدخلت اثرها وحدات من مغاوير الجيش اللبناني وقامت بسحب جميع المتواجدين هناك، ما ادى الى استعادة الوضع هدوءه المشوب بالحذر .
وكانت المواجهات بدأت مع انتهاء المهرجان الخطابي الذي نظم في البلدة لهذه المناسبة، حين اندفع عدد كبير من الشبان باتجاه الشريط الشائك، وقاموا بالقاء الحجارة والاجسام الصلبة باتجاه الاراضي الفلسطينية، بادر اثرها جيش الاحتلال الذي كان يتخذ مواقع قتالية في عدد من التلال المقابلة كما في محيط البساتين، الى اطلاق النار من الاسلحة الرشاشة ما ادى الى حصول هذه المجزرة لتسارع بعدها فرق الاسعاف التابعة للهيئة الصحية الاسلامية الى اخلاء الاصابات ونقلها الى مستشفيات المنطقة لاسيما مستشفى الشهيد صلاح غندور.
اسارتا
وتعقيبا على احداث مارون الراس، اصدر القائد العام لقوات "اليونيفيل" الجنرال البرتو اسارتا بيانا قال فيه انه وعلى ضوء الأحداث قرب رأس مارون التي اتخذت منحى خطيرا اليوم (امس) بعدما أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح. أنا على اتصال شخصي مع قيادات الطرفين. لقد دعوتهما الى ممارسة اقصى درجات ضبط النفس للحيلولة دون وقوع اصابات اخرى. واشار الى ان اتخاذ خطوات فورية على أرض الواقع لبسط الامن بشكل ملموس يعتبر امرا ضروريا. وقال، إني على ثقة بأن جهودنا ستساعد على استعادة الهدوء ومنع حصول أي حوادث أخرى على طول الخط الأزرق.
ولفت اسارتا الى ان وجود اليونيفيل هو لدعم القوات المسلحة اللبنانية وفقا للمهمة الموكلة اليها بموجب قرار مجلس الأمن 1701. وقال، "نحن على استعداد لتقديم أي مساعدة تطلبها القوات المسلحة اللبنانية في إطار التعاون والتنسيق بيننا وبينها ".
تينانتي
اما نائب المتحدث الرسمي باسم اليونيفيل" اندريا تينانتي فقال لـ"المستقبل" ان القوات الدولية تتابع الوضع المستجد لحظة بلحظة وهي على اتصال بكل الاطراف لاعادة الامور الى ما كانت عليه، مشيرا الى ان اليونيفيل تحث كل الاطراف لممارسة اقصى درجات ضبط النفس وهي ستبقى على تواصل مع الجميع للتأكد من عودة الامور الى نصابها .
وكان تينانتي قال ردا على سؤال عن تحليق الطائرات المروحية التابعة لليونيفيل فوق المعتصمين في مارون الراس: ان القوات المسلحة اللبنانية طلبت من اليونيفيل المساعدة في المراقبة من الجو لمناطق تقع على طول الخط الازرق.
المسيرة والاعتصام
وكان آلاف الفلسطينيين من ابناء المخيمات، ولمناسبة الذكرى الثالثة والستين للنكبة الذي صادف امس، لبوا دعوة اللجان المنظمة لمسيرة العودة التي حملت شعار "الشعب يريد العودة الى فلسطين". فمنذ ساعات الصباح الاولى احتشد المشاركون عند مداخل المخيمات بالنتظار قدوم الباصات التي تم حجزها منذ عدة ايام لتقلهم الى بلدة مارون الراس المشرفة على القرى والبلدات الفلسطينية في الجليلين الغربي والاوسط وصولا الى سهل الحولا الواقع قبالة سهلي الحاصباني والخيام .
حملوا انفسهم كبارا ونساء وصغارا، وما قد يحتاجون اليه من "زواويد" ضمت مأكولات وعصائر وزجاجات مياه لأنهم يعرفون ان المسافة وان قصرت، فان السفر قد يطول لساعات نتيجة كثافة عدد الحافلات التي ستنقلهم الى هناك والتي فاق عددها الـ500 حافلة. وقد تمت الاستعانة بحافلات حملت لوحات سورية .
وقد بدأ الاعتصام عند الواحدة والنصف من بعد ظهر أمس، وسط حراسة أمنية مشددة للجيش وقوى الامن الداخلي وعناصر الانضباط في اللجنة المنظمة، انطلق بمشاركة آلاف المحتشدين وبمشاركة بارزة لرسميين وحزبيين، في مقدمهم النائب حسن فضل الله وناشطون أجانب. وتجمعوا حول منصة مخصصة للمهرجان الذي استهل بصلاة الظهر الجماعية وبتلاوة آيات قرآنية.
وبعد النشيدين اللبناني والفلسطيني، ألقى عضو اللجنة التحضيرية عبد الملك سكرية كلمة أكد فيها حق العودة المشروع. تلاه الشيخ عبد الله حلاق الذي القى كلمة لجنة دعم المقاومة في فلسطين فأكد عدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ورفع شعار عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم حسب قرارات الامم المتحدة.
ثم كانت كلمات لممثلي المنظمات الفلسطينية: سيف الدين موعد ويوسف رحمه ورامي قمر، أطلقت بعدها بالونات ملونة بلون العلم الفلسطيني، ثم تقدم نحو 200 معتصم الى الشريط الشائك حيث استنفر جنود اسرائيليون في الجهة المقابلة، وأطلقوا النار في الهواء بداية ما أدى إلى إصابة متظاهرة كانت بعيدة عن الشريط، ورد المعتصمون برشق الحجارة، فعمد بعدها الإسرائيليين إلى إطلاق الرصاص المباشر، فوقعت إصابات وتطور الوضع وتوقف المهرجان بسبب مغادرة المعتصمين خوفا من تطور الامور. لكن الشبان الذين تقدموا نحو الشريط، واصلوا احتجاجاتهم في المكان خصوصا بعد سقوط العشرات منهم بين شهيد وجريح. وعمد الجيش اللبناني إلى التدخل لإقناعهم بالمغادرة منعا لسقوط المزيد من الضحايا، في ظل إصرار الجيش الإسرائيلي على استهدافهم بالرصاص المباشر. كذلك تدخل القائد العام لليونيفيل الجنرال ألبرتو أسارتا، طالبا من الجيش إرسال تعزيزات إضافية الى المنطقة، فأرسلت وحدات من فوج المغاوير الذين عملوا مع العناصر الاخرى على ابعاد الشباب وإنهاء التحرك. وقد أدى الإعتداء الإسرائيلي على المتظاهرين إلى سقوط 10 شهداء وأكثر من 112 جريحا.
واشار الكثيرون من المشاركين الفلسطينيين في المسيرة الى ان حلما تحقق بالنسبة اليهم لأن فرصة اتيحت لهم لالقاء نظرة ولو من بعيد على فلسطين، لأنهم ممنوعون من الدخول الى المنطقة الحدودية الا بتراخيص مسبقة من مخابرات الجيش اللبناني. كما انها فرصة لهم للتأكيد للقاصي والداني، بان تنازلهم عن حق العودة الى فلسطين لا مساومة عليه. ولا يخفي بعضهم بانها مناسبة ايضا للجهات المنظمة ولاسيما حزب الله بالاطلالة على المشهد العربي عبر بوابة مارون الراس اضافة الى فرصة اضافية للسائقين من اصحاب الحافلات الذين لن يقل اجر اي منهم عن المئة دولار اميركي حسب قولهم.