×

هذه هي عدّة العمل الميقاتية... لمواكبة دولة الطويل

التصنيف: سياسة

2011-05-18  09:33 ص  1408

 

 

وراء نجيب ميقاتي، طه ميقاتي على الدوام. يتكامل الشقيقان بشكل استثنائي، لم تعهده عائلات كثيرة. في القضايا العائلية، «البزنس»، وحتى السياسة، جسدان بفكر واحد. يتداولان في أبسط التفاصيل وأعقدها. يفكرّان سوياً ويقرران معاً. الصداقة التي تجمعهما صبغت الرابط الأخوي بشيء من الخصوصية اللافتة للانتباه، وزادت من لحمة القربى بينهما.
«عربة» مشوارهما الاستثماري انطلقت بـ«حصانين»، وما زالت. نجلاهما عزمي وماهر، يكملان سوياً ما بدأه الوالدان. على الطريق نفسه وبالأسلوب ذاته. من أسرار نجاح «الميقاتية» ثقافة العمل واحترام قوانينها وأصولها وضرورة أن تطول لائحة العلاقات وأن تتوسع يوما بعد يوم. كثيرة هي الروايات التي تُسرد من جانب المقربين من العائلة، حول تفاني أعضائها للعمل. ساعات طويلة في المكاتب، متابعة دقيقة لكلّ شاردة وواردة، تنسيق من أعلى المستويات، إلى أدناها...
سرّ عميق طبع شراكة الميقاتييْن، لكنه ينطلق من قاعدة واضحة بكل قريب: «الأكبر سنّاً يرعى الأصغر، والأصغر سنّاً يحترم الأكبر سنّاً»، وهي قاعدة انسحبت على دربهما السياسي. سوياً اختارا نجيب للواجهة العامة، وطه ظلّ حبيس الكواليس. يتولى البكر بعض الاتصالات السياسية لا سيما خارج الحدود وخلف البحار، أو تلك التي يحول موقع شقيقه دون اتمامها. فإذ بطائرته تنطلق الى حلب للقاء بشار الأسد نهارا، وفي المساء يقود سيارته الى وادي أبو جميل عشية الاستشارات النيابية ليلتقي سعد الحريري، فيما شقيقه الأصغر نجيب يتابع من دارته في فردان الاتصالات مع «الرفاق» و«الخصوم».
يخصص نجيب أيام «الويك أند» للاستماع إلى شكاوى الطرابلسيين وأخبارهم، يتمتّع بمعرفة قصصهم الصغيرة وينغمس بين ثنايا همومهم. فيما «الإرشاد» من خصائص طه. هو صاحب فكرة الانتقال إلى «دنيا» الاتصالات في لحظة لم يكن يدرك فيها العالم ماذا ينتظره في هذا السوق الفتي. فإذ بهما يقفزان بموقعهما الاستثماري إلى أبعد من خيالهما.
وكما في أيامهما الأولى كذلك اليوم. لقاءاتهما شبه يومية، بعدما قلّصا المسافات الجغرافية بينهما إلى أقصى الحدود. منطقة فردان الراقية سهّلت بينهما المهمة. أمتار قليلة تفصل بين منزليهما، علماً بأن معظم أفراد العائلة اختار السكن في مبنى واحد، هو الذي يقطنه «دولة الرئيس». التواصل بين نجيب وطه على عدد دقائق الساعة. قد يظن البعض أن هذا الوصف مبالغ فيه، ولكن المقربين من الرجلين، يجزمون أن الشقيقين يتشاوران في كلّ المفاصل اليومية التي تواجههما، سواء في الاستثمار، السياسة، أو حتى الشأن العائلي.
هاتفاهما لا يهدآن. أصابعهما تطلبان أرقام بعضيهما من دون الحاجة إلى العينين. خطوة اوتوماتيكية تلي كل تفصيل صغير قد يواجه الرجلين. تشاور عبر الأثير كافٍ لتبادل الآراء... ومتابعة سريعة للأحداث اليومية و«البزنس» بطبيعة الحال.
دخول نادي رؤساء الحكومات، لم يكبل «أبو ماهر» عن متابعة كل التفاصيل المتعلقة باهتماماته، وهو المعروف بإلمامه حتى بالتفاصيل المملة بحيث يحتفظ لنفسه بورقة اتخاذ القرارات في كل الشؤون التي تتصل به، علماً بأنّ تسلمه الحقيبة الوزارية للمرة الأولى دفعته إلى تصفية كل استثماراته في لبنان ونقلها إلى الخارج، والابتعاد نسبياً عن شبكة أعمال العائلة العنكبوتية.
عزمي طه ميقاتي (نحو 39 سنة)، اسم انضم إلى الثنائي «التأسيسي». تسلّم وابن عمه ماهر دفة السفينة الاستثمارية، وأثبت نجاحه في سوق العمل، فتفرّغ الوالدان للشأن العام، من دون أن يسلّما بعض «القرارات الاستثنائية» في استراتيجية العمل، ولرأيهما القوّة الترجيحية.
ولكونه أكبر أبناء عمه، وبسبب انشغال ماهر (نحو 30 سنة) بالاستثمارات الخارجية، فقد توسّعت الحلقة الميقاتية الضيّقة لتصبح «تريو عائلي»، أشبه بمكتب سياسي في حالة التئام دائمة، لديه القدرة على توزيع الأدوار بين أعضائه، كما على دمجها لحظة تفترض الحاجة. صار كتف عزمي إلى جانب كتفيْ والده وعمّه في الشأن العام، يتابع بعض الاتصالات السياسية، وملازم لطه في بعض اللقاءات المفصلية. يركب عزمي الطائرة الى واشنطن ومنها الى باريس ثم بيروت، وقبل أن تحط تطير مجددا الى الرياض.
حلقة أوسع تتفرّع من النواة. هي التي تضم بعض الأصدقاء المقربين جداً. جو عيسى الخوري احدى تلك الشخصيات، هو في الأصل مستشار العائلة للشؤون الاستثمارية والمالية. تربطه علاقة قديمة بالرجلين، ولا يزال من أبرز مكونات فريق العمل الميقاتي. نقولا النحاس صديق الأحياء الطرابلسية، رافق نجيب في مسيرته الشبابية، ولا يزال، وهو يتحضّر لدخول الجنّة الحكومية من ضمن «الحصة الميقاتية الأرثوذكسية».
لكن نجيب ميقاتي الذي يفتّش دائماً «بين السطور» عن أشخاص يحملون صفات ثلاث: كفاءة وثقة وأخلاق، جمع كثيراً من أولئك الأشخاص، خصوصاً بين جيل الشباب، حتى صار معروفاً في مختلف الأوساط أن المحيطين بالرئيس ميقاتي «أوادم ومحترمين».
لم تكن الحاجة قبل تكليفه تستدعي توسيع فريق العمل اللصيق به، فاستدرك بعد التكليف ليضمّ الزميل خضر طالب بصفة مستشار سياسي في الدائرة الضيّقة لفريق العمل، برغم أنه من خارج الوسط المحيط به، وهذا ما يمنح ميقاتي ميزات إضافية غير مألوفة في الوسط السياسي الذي يحاصر نفسه بالمحازبين أو «الموظفين».
من خلف هذه الدائرة ينشأ فريق عمل موسّع، لم توضع اللمسات الأخيرة بعد على كامل مكوناته، بعضها صار محسوماً والبعض الآخر قيد التداول، يضم أكثر من 12 شخصاً، تتوزع مهامهم بين الشأن الاقتصادي ـ الاجتماعي، وبين الشأن السياسي ـ الدبلوماسي وإلى الشأن الإعلامي الذي يتولّى الزميل فارس الجميّل إدارته على أكمل وجه منذ زمن وزارة الأشغال... حتى يومنا هذا.
وفق الهرمية التنظيمية التي جهّزت «للعدة الميقاتية»، فإن «دولة الرئيس» يتابع شؤون «إمارته» بشكل تفصيلي. تساعده لجنتان أساسيتان تضمّان ممثلين عن القطاعات المذكورة فضلاً عن مدير مكتب ورئيس فريق العمل التنفيذي.
إلى ذلك، دائرة المقرّبين السياسيين لها موقعها أيضاً. الصيدلي خلدون الشريف يأتي في هذه الخانة. له موقعه المستقل وهامش حرمته الواسعة، لكنه يتلاقى مع رئيس الحكومة المكلف في الخيار السياسي، تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة، دعم ابن المدينة لترؤس الحكومة بهدف إعادة الدور السايسي الذي افتقدته عاصمة الشمال. التواصل دائم بينهما، واللقاءات شبه دورية. علاقة تعود إلى العام 2009 وقد ترسّخت بعد تسميته رئيساً للحكومة.
مجموعة الميقاتي التي بنت «أمبراطوريتها» على هيكلية تنظيمية دقيقة، نقلت عدواها إلى كلّ ما يتصل بالميقاتية، اجتماعياً، تنموياً، وسياسياً.
في بيروت، بلال حمد يتابع تفاصيل دقيقة في اتجاهات عدة. وفي طرابلس النموذج الأوضح: «جمعية العزم والسعادة» اللافتة الرسمية للعمل الاجتماعي، يشرف عليها عبد الاله ميقاتي، فيما يتولى «القيادة» التنفيذية عز الدين غندور. تحت هذا العنوان تنشأ شبكة التواصل مع عائلات المدينة. أما فريق العمل الطرابلسي فيتغلغل في كل قطاعات المدينة تحت مظلّة «المنتديات»: مهندسيها، أطبائها، طلابها، المتخرجين، التلامذة، العمال... مصطفى خضر آغا يتولى الشؤون الإعلامية، رامي الرفاعي قطاع الناشطين بين الجمهور وماهر ضناوي قطاع الشباب... وغيرهم الكثير من الكادرات التي تتولّى كل شأن..
عند التاسعة من صبيحة كل يوم جمعة، يبدأ «أبو ماهر» نشاطه في مكتبه الطرابلسي، يستمع إلى مطالب قاصديه، يتجنّب جلسات الديوانية الموسّعة، ليعطي كل شخص حقه بالاستماع إليه منفرداً، سواء في جلسة مغلقة، أم «على الواقف»، على أن يعطي تعليماته الفورية إلى فريق العمل لمتابعة المسألة تنفيذياً. يريحه هذا الأسلوب الشعبوي في التعاطي مع ناسه، كما يستمتع هؤلاء في التعاطي المباشر معه، وإن كان هناك من يحبّذ الاستغناء عن هذه الطريقة. ساعات بعد الظهر قد تشهد مواعيد مع شخصيات محددة تقصد «دولة الرئيس» في قضايا تتطلب متابعة هادئة. لا يغفل عقد اجتماعات مع مسؤولين عن كلّ القطاعات الناشطة ضمن «الجمهورية الميقاتية». كما للواجبات الاجتماعية مكانتها في جدول الأعمال الطرابلسي.
بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني، تاريخ تسميته رئيساً للحكومة، اضطر «دولة الرئيس» إلى تقليص هامش متابعته الشخصية للشؤون التنظيمية والإنمائية في مدينته. صار للقنوات التنظيمية دورها في تقنين الملفات التي يفترض عليه مراجعتها والبتّ بمصيرها.
نجيب ميقاتي، الذي اقتحم السياسة من باب «البزنس»، يحيط نفسه بدائرة استشارية واسعة جداً، معظم مكوناتها من غير صفة رسمية، ذلك لأن الرجل يشجّع ثقافة الاستماع، ولكن المختصرة، لدرجة أنه يربك محدثيه أحياناً في اصراره على «عصر» التعابير والجمل. عمليّ بامتياز، يحب اختزال الوقت في رصد الأراء، لكنه سريع في اتخاذ القرار. أما في القضايا المصيرية، فإن نفسه طويل لا بل طويل جداً.
صاحب القامة الفارعة، شغوف بـ«الرسائل القصيرة» SMS، ارسالاً وتلقياً. كلمات محدودة يطلقها في أثير خطوط كان من أول صانعيها، ويحضّ زائريه على استخدامها في الردّ على استفساراته. جواله «كنز مرصود» بالرسائل، يلجأ إليه في بعض الجلسات هرباً من حديث طال أمده وفحواه. عبره يرصد المزاج الشعبي، يغريه «بارومتر» الشارع، يستمع إلى نبضه، يسأل عن أحواله وفق الطرق العلمية، يواكب لغة الإحصاءات ويتمعّن بمفرداتها... وفي الوقت الفاصل بين موعد وموعد، يستعين بالـ«آي باد» لاجراء مراجعة سريعة للصحافة العربية والأجنبية واللبنانية بطبيعة الحال.
صفتان أساسيتان تلازمان نجيب ميقاتي ابتعاده عن عقلية «ربّ العمل» في التعاطي مع محيطه، وإذا ما اضطر إلى الحديث عن أحد الموظفين لوصفه قولاً «موظف معنا»... وليس «عندنا». أما الميزة الثانية فهي حسّه الانساني الذي يُدمع عينيه عند أي مشهد مؤثر، انطلاقاً من نشأته الدينية، ويحمله إلى مدّ يد العون من دون استثمار سياسي. لا تبذير في الإنفاق السياسي.. لكن لا حدود في الإنفاق المرتبط بالتزامه الديني... الميزة الثالثة، هي عدم إشعار من يجلس معه بأنه قال له اليوم، عكس ما كان أفصح عنه لغيره، البارحة، ودائما بجدية عالية وثقة زائدة لا تحتمل التأويل.
لن تطأ قدما نجيب ميقاتي السرايا الحكومية ليخرج منها كما دخل. مشروعه السياسي تحت إبطه، يحتاج لبعض التدقيق والمراجعة قبل عرضه على طاولة الرأي العام. حضوره الطربلسي يتهيأ ليفلش ذاته، شمالاً أولاً، ولبنانياً ثانياً. الجلوس على كرسي الرئاسة الثالثة مكلف حتى الآن، سرّع عقارب ساعة ولادة تياره السياسي، بعدما اكتست الحالة الميقاتية بعداً استقطابياً في كثير من المناطق، لا بدّ من تأطيرها ضمن تنظيم هرميّ. الوثيقة السياسية شبه مكتملة، بعض المراجعات وتكون في دائرة الرصد. العنوان جاهز: «تيار العزم»، ليعكس عزم «الميقاتيين» لهدم أسوار المدينة الشمالية نحو الزعامة. أما الهيكلية التنظيمية فإنها تبني ذاتها بهدوء وروية وتستفيد كثيرا من تجارب الآخرين.
في منطقة الطريق الجديدة، «عرين» تيار «المستقبل» في بيروت، علّقت لافتات تأييد للقادم من العمق الشمالي، استدعت ردّاً من البعض دفعتهم إلى «مواجهتها» بصور للشيخ سعد الحريري. وجهاء من البقاع الغربي يمدون جسور التواصل مع العاصمة الثانية، ليؤكدوا دعمهم للرجل الثالث في السلطة اللبنانية... أما في المنية والضنية وعكار وبعض قرى الكورة وزغرتا، فإن التمدّد أسرع من القدرة على استيعابه.. كلها «دروب» يتباهى «الميقاتيون» في سرد مفاصلها أمام محدثيهم، وهي تؤدي برأيهم إلى «الطاحونة»: الزعامة.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا