عادت رانيا من النادي الليلي برفقة محمّد، وأصرّت على قيادة السيارة، بعدما رأت أن الكحول التي احتساها لا تسمح له بالقيادة. وركنت السيارة في محلّة الروشة بموازاة الرصيف، وتوجّه هو إلى الجهة اليسرى ليتولّى القيادة. وما إن ترجّلت لتفسح له في المجال، حتى أحست به يطير في الهواء...

لم تحسم رانيا أمام المحكمة ما إذا كانت هي مَن فتحت الباب أولا، أو أنها فتحته ومحمد معا. وفي التحقيق تبيّن أن سعيد. ب كان في تلك الليلة يقود سيارته بسرعة 80 إلى 90 كيلومترا على المسلك الشرقي لكورنيش الروشة، فاصطدمت سيارة "رينو" بالجانب الأيسر الخلفي لسيارته، ما أدى إلى انحراف الأخيرة إلى اليمين، لتصدم بيسار مقدّمتها، محمّد، وتقذفه مسافة 25 مترا، ما أدى إلى وفاته...

ألقى سعيد اللوم على سيارة الـ"رينو"، وقال إنّه يجهل هوية المرأة التي كانت برفقته، وإنّ ليس لديه إجازة سوق، وإنه استعار السيارة من عديله الذي كان استأجرها من أسعد.ح. وتبيّن أن نسبة تركيز الكحول في دم سعيد هي دون المستوى المسموح به، ولم تظهر آثار استخدامه الفرامل.

في أثناء جلسة استجواب سعيد، خرجت سعاد من بين الحضور لتفيد بأنها زوجته، ومن كانت برفقته في أثناء وقوع الحادث، وأنّ سائق سيارة الـ"رينو" كان خرج من المحلّ عينه الذي كانا يسهران فيه، وأنه حاول منذ خروجه "التزريك" يمنة ويسرة"، وأكّدت أنّها قالت لزوجها: "شو بدّك فيه" فقال لها: "شو بدّي فيه خليه يقطع".

بحث القاضي المنفرد الجزائي في بيروت يحيى غبّورة في مدى انطباق فعل سعيد على صور الخطأ المنصوص والمعاقب عنه في المادة 564 من قانون العقوبات، وفي الصلة السببية بين فعل سعيد والنتيجة التي أفضى اليها. ورأى أنه تنطبق على الفعل صورتان من الصور الثلاث للخطأ، وهما قلة الاحتراز، وعدم مراعاة القوانين والأنظمة، واعتبر أنه كان على سعيد أن يكون أكثر حذرا لأنه يقود بسرعة قاربت الـ90 كيلومترا، على الخط الأيمن من طريق مؤلّفة من خطّين مخصَّصين للسير، وخط ثالث ضيّق على أقصى اليمين لوقوف السيارات. كما اعتبر في تعليله أن قلّة الاحتراز تتجلى في أبهى مظاهرها بعدم استعمال سعيد المكابح، مع اليقين أنه لم يتفاجأ بسيارة الـ"رينو" ولا سيما أن لا مبرر لما قالته له زوجته، لو كان الأمر تجاوزا عاديا من دون تزاحم.

ورأى أنّ خطأ سائق الـ"رينو"، مثل خطأ محمد الذي كان واقفا في مسافة تقارب ربع الطريق المخصصة للمرور. وأنّ هذين الخطأين، وإن تزامنا مع خطأ سعيد، لا يقطعان الصلة السببية بين فعله والضرر.

وأوضح الحكم أنّ أضرار السيارة التي قادها سعيد، لا يمكن أن تؤدي الى انحراف كامل عن مسارها، حسب قوانين الحركة الفيزيائية، وكان يجب أن تتركز عند مقدمة جنبها الأيسر وليس الزاوية الخلفية. ورأى أنّ وقوف محمد الى جانب الطريق لا يعفي سعيد من محاولة كبح السيارة. وأشار إلى أنّ عدم توقف سعيد من فوره، ومحاولة إعانة محمد وفراره ثم توقيفه، يستجمع الجرم المنصوص والمعاقب عليه في المادة 566 من قانون العقوبات. واستبعد تطبيق المادة 567 عقوبات نظرا إلى أنّ نص المادة 566 يعتبر خاصا بالنسبة إليه.

ورأى أنّ أسعد ارتكب خطأ في تأجير سيارة ليست معدّة لذلك، وقد سبق أن عوقب على هذه المخالفة، إلا أنّ خطأه لا يرتبط بالوفاة، بل هو مخالفة مقصودة للنصوص التي تتعلّق بوجهة استعمال السيارة، وأنّ الشكوى نسبت إلى أسعد جرم التدخّل، في حين أن التدخّل في جريمة غير مقصودة مستحيل. إذ إن نيّة المتدخّل يجب أن تنحو بالاتجاه عينه لنيّة الفاعل، الأمر غير الممكن في الجرم غير المقصود، والذي لا وجود للقصد فيه، بل للخطأ، وأنه لا يمكن تلاقي النيات على الخطأ.

وبحث الحكم في دعوى الحق الشخصي، والتي طلبت شركة التأمين فيها رد الدعوى عنها بما أنّ المتعاقد معها أسعد تعاقد على أساس البوليصة الخاصة وليس بوليصة الإيجار، وأن المادة 974 من قانون العقوبات أوجبت على المضمون أن يطلع الضامن على جميع الأحوال التي من شأنها أن تمكنه من تقدير الأخطار.

ورأى أنه يقتضي التمييز بين حالتين نصت عليهما المادة 982 من قانون الموجبات والعقود، الأولى حالة التكتم عن سوء نية، والثانية عدم قيام البرهان على سوء النية. ففي الأولى يبطل العقد، بصرف النظر عن تأثير التكتم في وقوع الطارئ، والثاني يخفّض التعويض بنسبة الفرق بين معدّل الأقساط المدفوعة ومعدّل تلك التي كان يجب أن تُدفع.

ورأى الحكم أنّ سوء نية المضمون بيّن، من إفادته أنه يقوم عادة بتأجير السيارات غير المعدّة لذلك، ما يعني أنه قصد أن يكتم الأمر ليبخس الشركة القسط المستحق، وأن فعله يقع ضمن الحالة الأولى، ويقع عقد التأمين باطلا، ما يقتضي معه رد الدعوى عن الشركة الضامنة.

ورأى أن أسعد ليس مسؤولا بالمال، وأن مسؤولية أسعد لا احتمال لقيامها إلا على أساس الحراسة، ما يعني خروج البحث عن اختصاص المحكمة، إذ إنّ المسؤولية عن فعل الأشياء هي مسؤولية وضعية لا تقوم على أساس الخطأ. وأكّد أنّ التعويض إنما هو عن الضرر القانوني لا الحقيقي، ورأى توزيع المسؤولية المدنية بين سعيد بنسبة 45 في المئة، والشخص الذي بقي مجهولا والذي كان يقود الـ"رينو"، بنسبة 15 في المئة، لأنه أولى بالمرور، وكان وصل إلى مسافة تناهز نصف الطريق يمينا، وربع ما هو مخصص منها للسير.

وبيّن الحكم أنّ خطأ المتضرر محمد، هو في قراره النزول وفتح الباب، مع أنه رأى أين ركنت السيارة، فقطع الصلة السببية بين فعل رانيا والنتيجة، وأكد من أن انعدام رخصة السوق لا علاقة له بالنتيجة الجرمية.

وقضى الحكم بإدانة سعيد وحبسه ستة أشهر عن جرم التسبب بالوفاة وإضافة ثلاثة أشهر عن جرم الفرار، وإنزال العقوبة مدة ستة أشهر و15 يوما، وإبطال التعقّبات في حق أسعد وقبول الادعاء شكلا في وجه شركة التأمين وأسعد، ورد الدعوى المدنية في وجه شركة التأمين، وإلزام سعيد دفع مبلغ 76 مليون و500 ألف ليرة لورثة محمد.