×

أكثر من نصف نساء العالم مهووسات بالشراء وزيارة الطبيب النفسي

التصنيف: أمن

2009-11-13  05:16 ص  2090

 

هل تشعرين بأن انوثتك لا تكتمل إلا عبر التسوق المتكرر والمبالغ فيه؟ هل اعتدتِ التوجه الى السوق في اوّج لحظات غضبك وانفعالك؟ هل يُشعرُك التسوق بالارتياح والاسترخاء حتى لو لم تكن مشترياتك تلزمك؟ اتُحسين بالندم بعد عودتك الى المنزل واكتشافك ان ما قمتِ بشرائه غير مناسب او ضروري؟ هل تشعرين بالذنب لعدم قدرتك على التوقف عن الشراء؟ ان كان هذا ما تشعرين به، فعليك التوجه مباشرة الى طبيب نفسي.. فأنتِ مصابة بهوس التسوق!
هوس التسوق اضطراب نفسي ينتج من رغبة ملحة بالشراء، ويُجبر المصابة على الاستجابة والرضوخ لا ارادياً، سواء كان ذلك وليد حاجة حقيقية للسلعة او عدم الحاجة اليها. بل اكثر من ذلك، فهوس الشراء هو حال من الادمان المرضي الذي يصيب المرأة ويتملك منها ويدخلها في دائرة اللاوعي واللاشعور، الى ان يُفقدها رويداً رويداً قدرتها على التحكم بتصرفاتها، فيغدو هاجسها الاول والاخير اشباع رغبتها العميقة بالشراء واقتناء السلع. وتشير الدراسات الى ان التسوق، بالنسبة الى الرجال والنساء على حد سواء، هو امر مسلٍ وضروري في آن؛ في حال كان المشتري يوازن ما بين حاجاته الشخصية وامكاناته المالية. ولكن ان اخفق الفرد في المحافظة على هذا التوازن واصبح شغله الشاغل الشراء للشراء فقط، عندها يكون قد تخطى الحدود الطبيعية المسموح بها ووصل الى مرحلة اضطراب نفسي تستوجب رحلة علاج على يد اختصاصي يعينه على تجاوز هذه الحالة المرضية.
ثمة من يعتبر ان المهووسات بالتسوق يجدن في الشراء متنفسأ لهنّ يتخلّصن خلاله من الضغوط الاجتماعية والحياتية والنفسية التي تُحدق بهنّ. فلا تفوتن هذه الفرصة الذهبية "لفش الخلق" وافراغ كل ما يعتري نفوسهن من مشاعر مؤلمة وضاغطة تلح عليهن باستمرار. وفي سياق ذي صلة، يُحصى عدد النساء المصابات بهوس التسوق بأكثر من نصف سكان العالم، في حين ان قلة منهن تعترف بهذا، فيما تستمر الاخريات بالانكار وخلق المبررات، على اعتبار ان المرض النفسي وفق عقليتنا العربية ليس الا مدعاة خجل وعار وعقد نقص، ان لم نقل بداية "جنون". وكان لاصحاب المحال التجارية والقيمين على الحملات الدعائية دور لا يُستهان به في تفاقم هذه الظاهرة، إذ أخذوا يقدمون المغريات ويتفننون في سبل جذب المرأة التي يبدو ان مناعتها ضعيفة، اذا جاز التعبير، حيال هذه الاساليب، مع ما تخفيه من نيّات مبطنة.
الحديث عن النساء المهووسات بالتسوق لا يلغي حقيقة مفادها ان حمّى الشراء المبالغ به لا تصيب السيدات فقط، فقد انتقلت عدوى هذا الهوس القهري الى الرجال وان بأوجه مغايرة. في الاطار عينه، ان الرجل بطبيعته هو اكثر قدرة من المرأة على مواجهة الظروف أياً كانت وامتصاص الازمات على اختلافها، مما يجعله أقل عرضة للوقوع ضحية حالات الهوس التسوقي هذه.
من ناحية اخرى، ان الشخص المهووس بالشراء في شكل عام وهرباً من واقع يعذبّه يحاول عبر المبالغة بالتسوق خلق، او حتى اصطناع، واقع مفرح ملؤه المتعة والراحة من دون اخذ عواقب هذا التصرف في الاعتبار. فالهوس، شأنه شأن اي اضطراب نفسي آخر، يضع الفرد في صراع مباشر مع نفسه ومع الآخرين، وقد يتسبب بتدهورٍ في العلاقات الاجتماعية وتوترٍ في الحياة الزوجية، ناهيك عن انهيار الوضع المالي للفرد والغرق في الديون والقروض المستحقة.

هوس التسوق في تعريف عام
 

قبل الغوص في تفاصيل هذه الظاهرة وتفحص خباياها وقراءة كل العوامل والاسباب الكامنة خلف اقتحامها عالم النساء وحياتهنّ، كان لا بدّ من تعريف علمي دقيق لهوس التسوق، وهكذا التقينا اختصاصية الطب النفسي الدكتورة بريجيت خوري التي عرّفت هذه الظاهرة قائلة: "ان هوس التسوق هو حالة نفسية ولا يجوز وصفه بالمرض النفسي كما يعمد البعض الى تسميته، طالما أنّه لم يتسبب بأضرار ولم يُلحق الاذى بمحيط المصاب. وهذه الحال لا تأتي من عدم، اذ أنّها غالباً ما تنتج عن صراعات نفسية حادة، وتستدعي، كسائر الاضطرابات النفسية، استشارة طبيب مختص قادر على مساعدة المريض لتخطي هذه الازمة ومعالجة اسبابها النتائج التي ترتبت عليها". أضافت: "ان هوس التسوق يبدأ باقدام السيدة على شراء القليل من السلع مما يشعرها بالمتعة والراحة والفرح. ورغبة منها بمضاعفة هذا الشعور، تعمد الى زيادة كمية مشترياتها لتشمل ما تحتاج اليه منها وما ليست بحاجة اليه. ومع مرور كل يوم يغدو هذا التصرف خالياً من العقلانية والتحكم أكثر من اليوم الذي سبقه، وما تلبث حال السعادة التي كانت تحس بها السيدة ان تضمحل وتتحول كآبة وخجلاً وقلقاً".

 

عوامل مساعدة
 

الكآبة، الفراغ العاطفي، الخيانة الزوجية، الوحدة، الغضب... انما تشكل جميعها عوامل رئيسة تساهم بشكل أو بآخر في تنشيط الهوس التسوقي لدى السيدة، التي لا تلبث أن تجد في الاسواق والمحال التجارية منفذاً لها للهروب من الكابوس المؤلم الذي يسيطر عليها ويعوق مسار حياتها. هذا ما أكدته الدكتورة خوري في هذا المضمار، واردفت قائلة: "ان هذه الرغبة المستجدة لدى السيدة، والتي تلحّ عليها للشراء دونما تفكير، لا تنبع فقط من ذات المرأة، اذ انها ترتبط ببعض العوامل والمسببات الخارجية التي تعمد الى التحكم بسلوكيات الفرد في صورة مستمرة. فلا يمكن اغفال الدعايات والاعلانات التي غالباً ما تُظهر سعادة المرأة وارتياحها وحيويتها أثناء تجوالها في السوق وشراء هذه السلعة أو تلك. وكأنها توهم المشاهدة بهذا الامل الكاذب لكن القادر على اقناعها في الوقت نفسه. فضلاً عن انتشار المجلات التسويقية والتسوق التلفزيوني والتسوق عبر شبكة الانترنت، حيث تمارس المرأة هوسها المرضي بأبسط الطرق من دون عناء، واثناء وجودها في المنزل؛ بالاضافة الى التنزيلات الخيالية التي تقيمها المحال التجارية كوسيلة لتشجيع المتسوقين على زيادة كمية مشترياتهم، حتى ولو لم يتوافق ذلك مع مداخيلهم وقدراتهم المادية."
لم تبرّئ الدكتورة خوري القطاع المصرفي والتسهيلات المالية التي يمنحها للزبائن من تفشي هذه الظاهرة، لا سيما في اوساط النساء، مشيرة الى ان مهووسي التسوق عموماً لا يلبثون ان يجدوا انفسهم امام عجز مادي كبير وخسائر مالية يصعب تعويضها؛ مما يفاقم الازمة ويزيدها تعقيداً. وليس من المستبعد، ان ينتج هوس التسوق من ظروف صادفتها الفتاة او السيدة خلال طفولتها، كانشغال الوالدة عنها وعدم الاكتراث بمشكلاتها وشؤونها، أو توتر العلاقات بين الطفلة ووالديها ما يفقدها الثقة بنفسها وبمن حولها ويترك في نفسها ذيولاً وعقداً لا يقوى الزمن على ازالتها او علاجها.

سيدات مهووسات
 

"كلوديا"... فتاة في السادسة والعشرين من عمرها، تهوى التجول في الاسواق وشراء السلع، خصوصاً في اشد لحظات غضبها وانفعالها. "عندما اشعر بالضيق او الغضب اسارع الى السوق واقوم بشراء معظم ما يقع عليه نظري من سلع، سواء كانت ملابس، ادوات تجميل، حليّ، أو أطعمة لا فرق.. فالمهم بالنسبة لي هو ان اشتري كي ارتاح وتهدأ اعصابي..." وهي اذ تنكر اصابتها بالهوس تستغرب كيف يعتبر البعض ان من يتسوق وينفق امواله على شراء السلع واقتنائها هو مريض نفسي ويلزمه "مصحّ" على حد قولها.
"بكل بساطة انا لست مهووسة بالشراء بل بالانتقام.. فماذا تنتظرون من زوجة مخدوعة تعيــــش مع زوج مــــــــــراهق، مهووس هو الآخر ولكن بالنساء والسهر و"اللعب عالحبلين"؟ لم أجد طريقة افضل من انفاق الاموال الطائلة لارهاق زوجي مادياً عله يلتفت الى بيته قليلاً..." انّها "وفاء"، سيدة في اوائل الثلاثينات تقضي معظم اوقاتها في السوق حيث تبذر اموالها، كما تقول، كمحاولة لايقاظ زوجها من دوّامة الخيانة والانانية التي وضع نفسه فيها بعدما باءت كل محاولاتها منذ سنوات بالفشل.
ولـ"نوال" قصة مؤلمة حاولت جاهدة التأقلم والتعايش معها الا انها لم تنجح؛ فهي متزوجة منذ عشر سنوات تقريباَ، لكنها حتى الآن لم ترزق بطفل يكلل زواجها ويملأ عليها حياتها. "في كل ليلة، عندما اخلد الى النوم، ينطوي يوم من عمري ويضمحل معه الامل بانجاب طفل طالما حلمت به. أشعر بفراغ كبير يعذبني واشعر بوحدة تكاد تقتلني، حتى علاقتي بزوجي غدت متوترة وذات ايقاع واحدٍ مملّ.
هذا ما قالته "نوال" عندما التقيناها في احدى العيادات النفسية التي تواظب على زيارتها منذ اربعة شهور، وهي التي اعربت عن سعادتها بالتقدم الحاصل في حالها النفسية، اشارت الى انها كانت تعتقد مخطئة ان التسوق بلا وعي او حساب هو الحل الانسب للتخلص من الفراغ والخروج من الازمة المسيطرة على حياتها؛ لكنها اكتشفت بعد حين ان كل ذلك كان وهماً ليس الاّ.

 

موقف الزوج
 

تشير بعض الدراسات الى ان نسبة كبيرة من النساء المهووسات بالتسوق متزوجات من رجال هم ايضاً مهـــووسون اما بالرياضة او الخيانة او الكومبيوتر او الى ما هنالك، لذا يعمد هؤلاء الازواج الى غض الطرف عن هوس زوجاتهم كي لا يكونوا هم انفسهم محط انتقاد او مساءلة. في حين يقود هوس بعض الزوجات الاخريات بالتسوق الى توتر ومشاحنة مع ازواجهن، ما يؤثر سلباً في صلب الحياة الزوجية والعائلية، الى درجة انها قد تكون مهددة بالانهيار في كل لحظة.
... وهذه تجربة زوج روى لنا ما عاناه لسنتين مع زوجته التي تعشق التسوق والشراء الى حد الهوس.
قال "شربل": "هوس زوجتي بالشراء والتبذير دون حساب دمّر حياتنا، فبعد سلسلة من المشكلات والمشاجرات والخلافات وصل بنا الامر الى الانفصال، إذ بات الطلاق هو الحل الامثل لإنقاذ ما تبقى من حياتي واموالي بعدما غرقت بالديون والفوائد المستحقة والفواتير المكدسة". واضاف انه حاول جاهداً اكتشاف السبب الكامن خلف تصرفات زوجته لكنه لم يفلح، كما حاول ايضاً مرات عدة اقناع زوجته بزيارة طبيب نفسي واستشارته لكنها كانت تقابل طلبه هذا بالرفض والغضب، فما كان يمر يوم من دون ان يتشاجر الزوجان، الى ان اصبحت الحياة مستحيلة.

رحلة العلاج
 

كما لكل داء دواء، لهوس التسوق علاج يتابع تحت اشراف اختصاصي في الطب النفسي ويتمثل ببرنامج علاج سلوكي مترافق مع استخدامٍ لبعض الادوية والعقاقير الخاصة بمكافحة حالات الهوس. اما فاعلية هذا العلاج النفسي فتتفاوت ما بين مصابة وأخرى تبعاً لدرجة تقدم حالها المرضية، محيطها، ظروفها وما الى ذلك. ولكن قبل كل هذا على المصابة ان تضع نصب عينيها امراً في غاية الاهمية، هو ان تعترف بهوسها المرضي ورغبتها في العلاج، وان تسأل نفسها بصراحة وصدق عمّا جعلها مهووسة بالتسوق الى درجة تستدعي معالجة نفسية؛ عندها تكون قد خطت أولى خطواتها على درب الشفاء من هذا الوسواس القهري الذي تعانيه. ويمكن المهووسة بالتسوق ايضاً ان تلجأ الى حيلٍ على الذات، قد تساعدها في شكل مباشر أو غير مباشر في تخفيف وطأة هوسها؛ كأن تكف عن استخدام بطاقات الاعتماد، او ان تقصد السوق في ساعة متأخرة من الليل حيث تكون معظم المحال التجارية قد أقفلت، وبالتالي تستطيع السيدة ان تلقي نظرة على الواجهات من دون ان تشتري، او حتى ان تربط تجولها في السوق بحادث ما قد يطرأ عليها كلما شعرت برغبة قوية بالشراء...
ان كنتِ تدركين ولو في سرِّك حقيقة هوسك بالتسوق، وحتى لو لم تبوحي بذلك في العلن، فان استشارة طبيب نفسي تبقى الحل الامثل للتخلص من هذا السلوك العرضي، قبل ان يصل بك الامر الى ما لا تُحمد عقباه. ومع كل هذا يبقى التسوق العقلاني الواعي مصدر متعة وسعادة... على الاقل من المنظار الانثوي.

 

نور القعسماني     

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا