×

الحريري «يتريث» على قاعدة: «إن عدتم عدنا»

التصنيف: سياسة

2017-11-27  02:05 م  295

 
غسان الحبال | الإثنين 27 تشرين الثاني 2017
جريدة الحياة

يتذكر اللبنانيون المخضرمون الذين واكبوا سنوات الحرب الأهلية الطويلة، معاناة جولات عنف لتحسين شروط التفاوض بين الأطراف اللبنانية المتصارعة، والتي عاشوها تحت عنوان «التريث» وانتظار نتائج المفاوضات لوقف إطلاق النار والانتقال إلى المحادثات بحثاً عن الحلول السياسية التي غالباً ما كان فشلها يؤدي إلى تجدد جولات العنف.

واليوم فإن هؤلاء المخضرمين يسبحون بحمد الله على مرحلة «تريث» دخلها لبنان بتجاوب رئيس الوزراء سعد الحريري مع تمني رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عليه التريث في موضوع استقالته وقبولها انتظاراً لما ستنتهي إليه المشاورات اللبنانية- اللبنانية حول الشروط التي طرحها للعودة عن استقالته، وصولاً إلى صيغة لتسوية جديدة.

وقد أعاد احتضان مختلف الأطراف السياسية في لبنان، لا سيما التيار الوطني الحر (فريق رئيس الجمهورية) و «حزب الله»، لتجميد الرئيس الحريري استقالته، أجواء الانفراج إلى البلاد بعد أن كانت أزمة الاستقالة قد فتحت على احتمالات أزمات اقتصادية وأمنية هددت بأخطار كبرى، إلا أن هذا الانفراج الموقت أبقى لبنان كله في دائرة «التريث» بقدر ما أبقى اللبنانيين أسرى تحليل معاني وأبعاد هذا «التريث» ومصطلحات أخرى لم تقتصر على «النأي بالنفس» و «تدوير الزوايا».

ومن المعاني التي يحملها «التريث»:

- انتظار النتائج النهائية التي سيسفر عنها انكباب الأطراف السياسية المحلية على مناقشة البنود، إذا لم نقل الشروط، التي طرحها بيان استقالة الحريري، والتي أجمعت حتى الآن على مبدأ «النأي بالنفس» عن أزمات وحروب المنطقة، مع تنصل «حزب الله» من تدخله وتواجده في اليمن، ورفضه التسليم بمناقشة موضوع السلاح، وهو تحفظ تعاطف معه التيار الوطني الحر.

- انتظار ترجمة النتائج النهائية التي أسفرت عنها محادثات قمة سوتشي الروسية- التركية- السورية، وكذلك الترجمة العملية لنتائج اجتماعات فصائل المعارضة السورية التي جرت في المملكة العربية السعودية، حيث يفترض في ضوء هذه الترجمة أن ينهي «حزب الله» دوره الإقليمي وهو المصطلح الذي تم استبداله لبنانياً بـ «خروج حزب الله عسكرياً من سورية والعراق»، في عملية واضحة لـ «تدوير الزوايا».

- انتظار نتائج الجولة الثامنة من المفاوضات السورية «جنيف ٨» (في ٢٨ تشرين الثاني- نوفمبر الجاري) وما ستسفر عنه المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة السورية التي تجري برعاية إقليمية- دولية.

- انتظار انعقاد «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، الذي يفترض انعقاده في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، في مدينة سوتشي الروسية، وما سيسفر عنه بالنسبة للحل السياسي في سورية، بما يمكن أن يؤدي إلى إعادة فرض الاستقرار في المنطقة.

إذاً لبنان اليوم هو رهين محطة تريث في انتظار نتائج مبادرات الآخرين من قوى إقليمية ودولية.

والسؤال الذي يفرض ذاته هنا: هل سينجح لبنان في تطبيق هذه الثابتة الميثاقية التاريخية التي اصطلح على تسميتها بـ «النأي بالنفس»؟

في محاولة الإجابة على هذا السؤال لا بد من التأكيد أنه لا يمكن لبنان أن يتعاطى بخفة بعد اليوم مع ملف الأزمة الحالية لا سيما لجهة ارتباطها بالأمن القومي لدول الإقليم، والذي يؤثر بدوره في شكل عنيف على الاستقرار في لبنان، ولذلك فإن أي عملية تجميل للواقع عبر التلاعب في تفسير المصطلحات الرنانة غير واردة، وإنما المطلوب هو التزامات واضحة يمكن أن تبنى عليها الشروط التنفيذية لعملية النأي بالنفس.

وعلى رغم أن المسؤولية في تقديم الحلول تقع على جميع الأطراف اللبنانية المعنية المشاركة في الحكومة، إلا أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق رئيس الجمهورية والتزامه بنود التسوية الرئاسية مع كتلة «المستقبل» و «القوات اللبنانية» على حد سواء، لا سيما لجهة الالتزام باتفاق الطائف وبعروبة لبنان والأخذ بشروط تحييده عن نزاعات المنطقة وإحياء العمل بالاستراتيجية الدفاعية، على اعتبار أن هذه البنود هي مسؤولية سيادية تقع في صلب مهمات رئيس الجمهورية الذي يملك تطبيق شرط حق الدولة باحتكار السلاح.

هل سينتظر لبنان طويلاً قبل أن يتمكن من تثبيت استقراره، ريثما تنجز عمليات «تدوير الزوايا» الإقليمية والدولية وصولاً إلى حلول واتفاقات تطفئ النار في المناطق المشتعلة في سورية والعراق واليمن، وتنهي الاشتباكات السياسية فيها؟

قد تعود دورة العمل الحكومية إلى طبيعتها اليوم في ظل «التريث»، لكن من المعلوم أن الكرة الآن أصبحت في ملعب الرئيس عون و «حزب الله» الذي استجاب بسرعة لمبدأ «النأي بالنفس» تاركاً ما تبقى من شروط العودة عن الاستقالة للنقاش والحوار الداخليين، فيما تشير كل الوقائع التي واكبت عودة الرئيس الحريري إلى لبنان، والمواقف التي صرح بها بعد إعلان تجاوبه مع تمني الرئيس عون عليه بالتريث، إلى أن الأمور قد تذهب في اتجاهات ثلاثة:

١- توصل كافة الأطراف السياسية المعنية بالأزمة إلى اتفاق واضح يعيد التوازن السياسي بينها ويقر بعروبة لبنان والنأي به عن كل ما من شأنه أن يهدد استقراره السياسي والأمني والاقتصادي، فتستأنف الحكومة عملها الطبيعي وصولاً إلى إجراء الانتخابات النيابية الموعودة.

 ٢- التوصل إلى اتفاق يقبل بموجبه رئيس الجمهورية استقالة الحكومة ويعيد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة تسهر على تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه لتحييد لبنان وإخراجه من أزماته الحالية.

 ٣- إصرار الرئيس الحريري على استقالته في حال الفشل في التوصل إلى الاتفاق الواضح والموعود مع «حزب الله» و «التيار الوطني الحر»، مستعيراً هذه المرة قاعدة «إذا عدتم عدنا» التي طالما تغنى بها «حزب الله».

 

 

* كاتب وصحافي لبناني

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا