×

بحر العيد مظهر من مظاهر البهجة والفرح في صيدا وحنين إلى الماضي

التصنيف: Old Archive

2009-12-02  05:09 ص  7427

 

 

ما زال الصيداويون يتمسكون بعزم وإصرار بمظهر من مظاهر تراثهم وذاكرتهم <بحر العيد>، التي لم تستطع لا <مدينة الملاهي> الجديدة التي تنتصب عند مدخل صيدا الجنوبي لجهة الحسبة منذ سنوات بألعابها الكهربائية الحديثة، ولا الطريق البحري المستجد عرضاً والذي كاد يقضي على معالمه ومساحته أيضاً·· من أن يمحو من ذاكرتهم حنينهم الدائم إلى <بحر العيد> الذي توارثوه جيلاً عن جيل وأباً عن جد، حتى قيل <إن فرحة العيد لا تتم في صيدا إلا إذا لعب الأولاد على المراجيح القديمة>، أو من لم يذهب إلى بحر العيد في صيدا كأنه لم <يعيّد>، أو كمن لم يمر عليه العيد··

<لـواء صيدا والجنوب> يُسلط الضوء على واقع <بحر العيد> بين الماضي والحاضر، بعدما تحول إلى مظهر من مظاهر العيد في صيدا··

<بحر العيد> <بحر العيد> عبارة عن ساحة تقع قبالة ميناء الصيادين عند الكورنيش البحري في صيدا، وتجاور المدينة القديمة وتحاذي <خان الافرنج>، حافظ الصيداويون على بقائه من الإندثار، إذ كاد يتلاشى مع المراحل العمرانية التي تعاقبت على المدينة بدءاً من الواجهة البحرية، مروراً بشق الطريق البحري وتوسعته، وصولاً إلى مشروع الإرث الثقافي، صحيح أن مساحة <بحر العيد> تآكلت وتقلصت إلى حدودها الدنيا، لكنه بقي شاهداً على الذكريات الجميلة، وبات واحداً من مظاهر العيد في المدينة لا يُمكن أن تكتمل الفرحة دونه، وهو يدخل البهجة إلى قلوب الأطفال الصغار·

قبل أيام قليلة من العيد، تنطلق ورشة تجميع <بحر العيد>، حيث تنصب <الأراجيح>، التي اعتاد أبناء المدينة على اللهو بها، كل واحد يحمل أدواته وعدته ويحط رحاله في هذه الساحة التي باتت عرفاً المتنفس الوحيد للفرح·· فـ <المرجوحة> و>الشقليبة> و>الدويخة> وسواها من الألعاب تميز هذا <البحر>، وهي تُتناسب مع جميع الأعمار، يجمعها الحديد الصدأ حيناً، والذي طُلي ليخفي <الشيخوخة> حيناً آخر·· وقد أضيف إليها منذ فترة ركوب الخيل، وبيع الترمس والفول والمخلل والبزورات وغزل البنات، مثلما كان يحصل قبل قرون، إذ كان يتحول المكان إلى سوق شعبي لبيع الحلوى، المخللات، المعللات، والسندويشات على أنواعها·

الترياقي ويقول الشاب عبد الرحمن الترياقي (38 عاماً)، (الذي يكمل عمل جده عبد الرحمن الذي بدأه منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي على إحدى <الدويخات>): لقد ورثت المهنة عن والدي سمير، الذي ورثها عن جدي عبد الرحمن منذ ربع قرن من الزمن، لم نتخلف يوماً عن إقامتها في أي من عيدي الفطر والأضحى، لقد بات المكان رمزاً للعيد بكل معانيه، فنستذكر الماضي الجميل·

وأضاف: إنني أعمل في حدادة الافرنجي، وعملي يتكامل مع مهنة <الدويخة>، كل عيد أتفرغ للعمل هنا، قبل ثلاثة أيام أقفل المحل مؤقتاً، أعيد نصب <الدويخة> قبل عيد الفطر وأجري عليها الصيانة قبل عيد الأضحى، إذ أتركها منصوبة ما بين العيدين تفادياً للتعب والعمل الشاق·

وأشار إلى <أن مساحة <بحر العيد> كانت أكبر من الآن بكثير، لقد تآكلت بفعل الواجهة البحرية والبناء والكورنيش البحري، ورغم ذلك ما زالت مكاناً للفرح والذكريات، وعنواناً للتمسك بالتراث والتقاليد والعادات، كل الصيداويين يعرفون أن <بحر العيد> بات من تقاليد العيد>·· مؤكداً على <أنه لن يستطيع أحد أن ينتزع منّا هذا المكان، لأنه يعني بكل بساطة أنه يريد محو ذاكرة المدينة، هذا التراث الذي نُحافظ عليه أباً عن جد منذ أكثر من 100 عام· و>الدويخة> التي تعتبر لعبة الأطفال الفقراء المفضلة، تدور من خلال محرك يعمل على المازوت بواسطة <مانيفال>، بعدما كانت في السابق تُدور يدوياً وتحتاج إلى قوة عضلات، وأن <الدق> بـ 500 ليرة لبنانية -> وفق ما يؤكد الترياقي·

وأضاف: إن معظم الأطفال الذين يرتادون هذه اللعبة، هم من الفئات الشعبية الذين ليس باستطاعتهم إرتيادها في الملاهي بسبب أجرتها الباهظة·

وختم الترياقي بالقول: ما زال الاقبال كثيفاً على المكان، يستذكرون المكان ويلتقون من جديد، لا وقت محدد للعمل أيام العيد، نبدأ في الصباح الباكر ونبقى طالما هناك أناس يلهون، يأتي إلينا من كل الطبقات الاجتماعية، أغنياء وفقراء وذوي دخل محدود، ومقيمين ومسافرين ومغتربين، يحضرون الأولاد الى بحر العيد، ليتذكروا الماضي ويعلموا أولادهم التمسك بالتراث·

إدريس ويوم العيد، يستقبل <بحر العيد> قاصديه دون إذن أو خروج أو بطاقات مدفوعة سلفاً، كما هو الحال في بعض <مدن الملاهي>، ويميزه الضجيج وتداخل أصوات <الأراجيح> مع نداءات الباعة المنتشرين في أرجائه وضحك وبكاء الأطفال، ليتحول المكان إلى واحة لتذكر أيام الماضي الحلوة، حين كان الصيداويون جميعاً يلتقون فيه كتقليد لا غنى عنه، فالتوافد إلى المكان ليس سببه فقط الضائقة الاقتصادية، إذ تستطيع بمبلغ قليل الترفيه عن الأولاد، وإنما تمسكاً بعادة دأب الأجداد والأباء على فعلها جيلاً بعد جيل·

ويتذكر الصيداوي الحاج عبد الله إدريس (75 عاماً) أيام العيد الخوالي <حين كان بحر العيد في ذروة تألقه، كانت الساحة موصولة بالبحر، مليئة بالرمال وتنصب أكثر من 70 أرجوحة فيها، ويتحول المكان إلى سوق شعبي لبيع المخللات والمعللات والفلافل والحلوى والبوظة والسندويشات على أنواعها، كان الناس يتوافدون إليه مثل <النمل>، يشترون ويلهون ببضع قروش، أما اليوم فقد تآكل المكان، ولكنه في ذات الوقت حافظ على ذاته من الاندثار>·

وختم الحاج إدريس بالقول: كنت في الماضي ألهو مع رفاقي، ثم اصطحبت أولادي، واليوم أحرص في كل عيد على اصطحاب أحفادي الى <الأراجيح>، أروي لهم قصص الماضي وذكرياته الجميلة، كي أزرع فيهم حب الانتماء، والحفاظ على هذا التقليد أمام وسائل الترفيه الحديثة و<مدن الملاهي> ومحال <الإنترنت>·

سعيد بينما يقول الفتى محمد سعيد (20 عاماً)، الذي يقيم في بلدة عبرا: كل عيد أحضر إلى هنا، بهدف التسلية وتذكر تراث المدينة، كثيراً ما حدثتني والدتي مريم عن المكان، فأردت التواصل رغم كل وسائل الترفيه و<مدن الملاهي> و<الإنترنت>· هنا يشعر الإنسان بمتعة مختلفة تجمع بين الماضي والحاضر، وخصوصاً انه يرى الفرح على وجوه الأطفال والوافدين من مختلف الأحياء، إنه ملتقى الأحبة والأصدقاء في العيد·

وختم سعيد بالقول: وعادة يشهد <بحر العيد> إزدحاماً كثيفاً، <أراجيح> نُصبت على ناصية الطريق، إحتلت كامل المسرب الشرقي للطريق البحري الذي أنجزت أعمال تبليطه منذ فترة من الزمن، ليتحول المسرب الغربي ورصيفه إلى مكان لركوب الخيل الذي استحدثت مع تزايد الإقبال على المكان، إلى جانب بيع المخلالات والفول والترمس، وألعاب <السحبة> والربح والخسارة، بينما تتفاوت قيمة <الدور> في <الأراجيح> بين 500 و1000 ليرة لبنانية، حسب كبر الأرجوحة وصغرها وعمر الأطفال، وتستمر لدقائق معدودة··

<دويخة> و<أراجيح> وفي موازاة <الدويخة>، يصدح صوت <أبو محمد> الآغا: <كشو كشو·· هالدبان·· يلعن وشوا هالدبان>، مع رديات الأطفال التي تلهو على أراجيحه الثلاث، حالها حال <أبو يوسف> الذي ينافسه مع الأطفال الذين يستخدمون أراجيحه في مضاربة من نوع آخر، يستخدمون فيه <رديات>، وإن إختلفت عن <ردية> الآغا: <يا أولاد الكوشة يُويا، عندنا جاروشة يويا، جاروشة مين، أبو إسماعيل، خلف بنات·· يلا ويلا وهيا>، لينتهي الدور ويصعد الأطفال من جديد، حيث لا تكتمل فرحتهم إلا على وقع الأغاني الشعبية التي ترافق لهوهم·

الفاتح ويقول الطفل محمد الفاتح (14 عاماً)، الذي يقيم بالقرب من ساحة <باب السراي>: لقد ولدت هنا وتفتحت عيناي على <الأراجيح> الحديدية ولن أنساها أبداً، منذ أن كان عمري ثلاثة أعوام وأنا أحضر إلى بحر العيد، ألعب مع رفاقي، وعندما أكبر سأعلم أولادي ذات الشيء كي نبقى ملتصقين بهذا المكان والتراث، فالمكان جميل ويُمكن للإنسان أن يستمتع في <الأراجيح>، هي رخصية و>مقبولة>·

أما الشيء المميز، فهو تحويل مراكب الصيادين إلى مراكب سياحية، لتقل الأطفال وقاصدي البحر في <نزهة> إلى <الزيرة>، وقد تفنن أصحابها في جذب زبائنهم، سواءً في وضع كراسي أو بث الأغاني أو زيادة مدة النزهة، ويدفع <الراكب> عادة نحو 2000 ليرة لبنانية·

ثريا حسن زعيتر Th@janobiyat.com
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا