محمد دهشة
ينهمك العشرات من العمال في بلدة بكاسين بقطاف اكراز الصنوبر او "الذهب الابيض" كما يحلو للكثيرين وصفه، بعدما بدأ موسم قطافها منذ منتصف شهر تشرين الاول لتستمر حتى نهاية نيسان في أطول رحلة قطاف" ثمر على شجر" حتى قيل فيه "الحزورة" الشهيرةما هو "الثمر اللي بيشوف جدو عالشجر".
وحكاية أشجار "الصنوبر" بدأت مع الأمير فخر الدين الثاني الكبيرالذي حمل أول شجرةمن "توسكانة" الإيطالية العام 1516 ثم من "الأستانة"، لتنتشر وتغطّي نسبة 20%من مساحة لبنان المزروعة، وقد تحولت اليوم الى مصدر رزق رئيسي لمايزيد عن 50 ألف عائلة لبنانية، وفقا لإحصاء أجرته قبل أعوام "نقابة مزارعي وعمال الصنوبر في لبنان" عبر عملية ضمان الأحراج من أصحابها ومن البلديات المالكة لأراضٍ مشاعية، ومن خلال بيع الإنتاج، فضلاً عن حلقة العاملين في القطاف والنقل و"كسر الصنوبر" والحطب المستخدم في المواقد، وصولاً إلى التوضيب والتسويق.
ويبلغ انتاج الصنوبر بين 600 و800طن سنويا، فضلا عن انها تعتبر ركناً أساسياً من الثروةالحرجية ذات المنافع الصحية، إذ إن كل شجرة صنوبر تعطي في اليوم الواحد مئتي ليتر من الأوكسيجين، وهي من أهم منقيات الهواء، وهي عامل الجذب الأساسي للاستثمارات السياحية، وخصوصاً في مناطق الاصطياف.
صنوبر بكاسين
وتشتهر بكاسين بأشجار الصنوبر التي تتوزع بين الاملاك الخاصة وبين حرجها البلدي الذي يعتبر أكبر محمية في لبنان إذ تبلغ مساحته حوالى 4 ملايين متر مربع، وفيه اكثر من 120 ألف شجرة معمرة وتتوزع في غالبيتها على الصنوبر اضافة الى السنديان والحور، ويعتبر المورد الأساسي لخزينة البلدية التي تقوم ببيع الثمر عبر مزاد علني، فقد ضمنته في الموسم الأسبق بـ 316 مليونا وبـ 72 مليوناً في الموسم السابق و139 مليون ليرة هذا العام، حيث يقوم المستثمر بقطف الثمر "على أمه" من الشجر وبيعه ولا دخل للبلدية به.
طريقة طرزان
داخل حرج صنوبر خاص يعود للمواطن جوزيف خوري، يقوم بعضالعمال مع اشراقة شمس كل صباحبقطاف أكراز الصنوبر بعد تسلق أشجاره الباسقة التي يصل ارتفاعها إلى سبعة أمتار، يقطفون الاكراز بايديهم حينا ويستعينون بأعواد طويلة معكوفة الأطراف ليسقطوا الأكواز البعيدة بها.. وقد بلغ بعضهم من الخبرة الى حد استخدام هذه الأعواد في الانتقال منشجرة الى شجرة على طريقة "طرزان".
ويقول الخبير بقطاف الصنوبر "المعلم" ويليام الحلو وهو يتسلق احدى الاشجار، استخدم "سلالم الالمنيوم" المقوى بداية لتسلق الاشجار التي يتراوح ارتفاعها بين (3 ـ 7) امتار، قبل ان أعود وأستخدم الحبال العريضة للوصول الى قمة الشجرة وبعدها أبدأ بقطف الاكراز بيدي، قبل ان أستعين بعود طويل يسمى "معقيلي" لأسقط به ما تبقى من اكراز بعيدة عني ولا أستطيع الوصول اليها.
ويصف الحلو عملية القطاف بأنها "صعبة وشاقة"، ولكن خبرته بالمهنة التي مارسها قبل عشر سنوات، جعلت اشجار الصنوبر صديقة له واكرازها طيعة بين يديه، ليؤكد "لا يستطيع اي انسان احتراف هذه المهنة، انها تتطلب الشجاعة والقلب القوي، فضلا عن الخبرة"، موضحا "ان المعلم يتقاضي نحو 60 الف ليرة لبنانية يوميا، بينما العامل "الفكيك" على الارض 45 الف ليرة لبنانية.
ثلاث اجيال
ويؤكد العامل أيهم حسن "ان عمله يبدأ من الساعة السابعة صباحا الى الثانية ظهرا، ومهمته مساعدة المعلم في القطاف وتنظيف الارض وتشحيل الاعشاب كي نرى الاكراز ثم جمعها في اكياس من "الخيش" ونقلها استعدادا لتخزينها ويستمر الحال حتى آخر نيسان، حيث يبدأ الكرز بالتفتح على أمه"، قبل ان يضيف "جني الصنوبر عملية صعبة وخطرةوالموسم يتفاوت بين سنة وسنة، فهناك شجرة تحمل 60 كرزاً وشجرة تحمل 10 أكراز ويمتد موسم قطاف ثمره نحو 6 أشهر، فهو يشمل 3 أجيال متتالية منه تلتقي على شجرة واحدة وهناك مثل شائع نتناقله على شكل "حزورة" تقول "شو هوي الثمر اللي بيشوف جدو عالشجر" فهناك 3 أجيال من الصنوبر في موسم واحد، الموسم.
أما مراحل ما بعد القطاف، فتترك اكراز الصنوبر عادة في المستودعات او على أسطح المنازل وفي أوائل شهر أيار يتم البدء بفلشها حيث تتعرض لأشعة الشمس والهواء لتجف كي تتفتح تلقائيا، عندها، تُنقَل إلى مصنع مخصّص يضمّ ثلاث ماكينات: الشّباقة وظيفتها كسر كوز الصنوبر، العرابة ومهمتها فصل الحبات عن القشرة، والكسارة ومهمتها كسر حبات الصنوبر واستخراجها، هذا المعمل يمكنه تكسير نحو سبعة أطنان يوميا.
وتتفاوت اسعار كيلو "الصنوبر الابيض" وفق حجمه ـ رقم النمرة المتعرف عليها، يباع الكيلو الواحد (نمرة 9) بـ 45 الف ليرة لبنانية، بينما (نمرة 8) الاقل حجما بـ 38 الف ليرة لبنانية وما دون (حتى نمرة 5) بـ 33 الف ليرة لبنانية، بينما يباع القنطار (250 كليو) من الاكراز كما هي بـ 140 دولار اميركي.
المشاكل.. وتهريب
وتعاني أشجار الصنوبر عادة من أمراض عديدة تسبّبهاأنواع جمّة من الحشرات وخاصة دودة الصندل، بينما يتعرض الانتاج الى المنافسة والتهريب خصوصا من تركيا، إضافة الى كلفة اليد العاملة المرتفعة، ويطالب أصحاب القطاع وزارة الزراعة بمساعدتهم على ضبط توقيت فرط موسم الصنوبر بعد العاشر منتشرين الثاني من كل عام، لأن الفرط المبكر يؤدي الى انخفاض في الجودة والنوعية،ومنع المنافسة والتهريب "ام المشاكل" واعتماد استراتيجية زراعيةتقضي بالسماح بتفريد الصنوبر بعضه عن البعض أي توسيع المساحة بينشجرة وأخرى لتفادي أي حريق ممكن.
تذكير
يستخدم الصنوبر اللبناني في إعداد أصناف من أطباق الطعام والمقبلات والحلوى وله ميزة خاصة لجهو جودته ونكهته وهي ليست موجودة في دولة اخرى وهو مطلوب في السعودية والكويت ومعظم الدول العربية .. لكنه يواجه منافسة من الصنوبر التركي الذي تستخدمه محال صناعة الحلويات لأنه أقل كلفة نسبيا