جامعة بيروت العربية
كلية الحقوق والعلوم السياسية
قسم الدراسات العليا
مستقبل الأمم المتحدة في ظلّ القطبية الآحادية
«ملخص رسالة ماجستير في العلوم السياسية»
إعداد
ناتاشا لطفي سعد
إشراف
د. محمّد المجذوب
2009
إن قيام التنظيم الدولي بأشكاله المختلفة له أهمية كبيرة. وفكرة التنظيم الدولي لم تنشأ من فراغ. فالحروب التي تملأ الأرض منذ بدء البشرية، مهما كانت أسبابها (مصالح أو عقائد،...) أو أوصافها (حرب مشروعة، أو عادلة، أو دفاعية، أو وقائية...)، وسواء كانت حروباً عالمية، أو إقليمية، أو داخلية، فهي تنتهي دوماً بكوارث بشرية ومادية يصعب وصفها. والإنسان الذي يعاني من ويلات هذه الحروب بشدّة، هو نفسه، وللأسف، سبباً رئيسياً لها ولكل المنازعات المسلّحة التي وصل شرّها مؤخراً حدّ التفنّن في اختراع وسائل التدمير والإفناء.
وقد ظهرت فكرة التنظيم الدولي بادئ ذي بدء، في كتابات عدد من المفكّرين الغربيين والعرب. وقد تُرجمت بمشروعات عديدة لم تُطبَّق عملياً إذ أن جزءاً منها كان محلي يقتصر على أوروبا فقط، والجزء الأكبر منها اتسم بالمثالية والبعد عن الواقع. وأما الصيغة العملية، فقد تبلورت من خلال محاولات عدّة متكررة لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب حروب دولية كبرى. ولكن أولى التجارب الحقيقية، فكانت إقليمية، وقد تحققت بظهور المؤتمرات الأوروبية في بداية القرن التاسع عشر وإقامة "الحلف المقدّس". وقد تلتها تجارب إقليميّة أخرى. أما الخطوة الأولى في هذا الصدد على صعيد عالمي كانت مع قيام عصبة الأمم على أثر انتهاء الحرب العالمية الأولى. ولكن فشل العصبة في تحقيق الغاية التي قامت من أجلها أدّى إلى تأسيس منظمة عالمية جديدة عام 1945، كانت من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية، وقد عُرفت بـ "الأمم المتحدة".
وللأخيرة، كالمنظمة الأولى، مبادئ وأهداف أهمها حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالتالي تحقيق رغبة الشعوب بعدم نشوب حروب دولية جديدة تعرّض السلام العالمي للخطر.
من هذا المنطلق، تتناول هذه الرسالة البحث في دور منظمة الأمم المتحدة ومستقبلها، وذلك بإعطاء فكرة واضحة عن هذا الدور خلال مراحل مرّت بها هذه المنظمة، ابتداءً من صراع بين معسكرين اشتراكي ورأسمالي في ظلّ ما عُرف بـ "عصر القطبية الثنائية"، مروراً بمرحلة انهيار المعسكر الاشتراكي وظهور ما سُمِّي بـ "القطبية الآحادية"، والذي يُقصد بها تفرّد الولايات المتحدة الأميركية بالهيمنة أو السيطرة على الساحة الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكّل أحد القطبين، وصولاً إلى طرحٍ جدّي لمستقبل الأمم المتحدة في ظلّ هذا الوضع القائم وعرض لوجهات نظر مختلفة فيما يخصّ هذا الأمر.
ويُقسم بحثنا كالآتي:
- الباب الأول: الأمم المتحدة قبل انهيار المعسكر الاشتراكي
- الباب الثاني: الأمم المتحدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي
ويُقسم الباب الأول إلى فصلين:
- الفصل الأول: جهود لإرساء قواعد تنظيمات دولية. وقد تناول هذا الفصل الحديث عن الصيغة العملية لفكرة التنظيم الدولي التي تبلورت من خلال محاولات عدة متكررة لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب حروب دولية كبرى. وقد جاءت أولى هذه المحاولات في أعقاب الحروب الأوروبية التي انتهت بهزيمة نابليون. أما المحاولة الثانية فقد جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث قامت لأول مرة في تاريخ البشرية منظمة عالمية تضمّ معظم دول العالم. ولكن عصبة الأمم أخفقت وعجزت عن الاستمرار لأسباب عديدة وردت في سياق البحث.
وقد جاء الحديث عن ذلك ضمن قسمين:
o القسم الأول: المحاولات السياسية والعملية لإنشاء منظمات دولية
o القسم الثاني: قيام عصبة الأمم وأسباب إخفاقها
- الفصل الثاني: الأمم المتحدة في الميزان. تناولنا في هذا الفصل في البداية، ظروف نشأة الأمم المتحدة، كما عرضنا ما جاء في ديباجة الميثاق. وفي القسم الأول منه، تحدثنا عن مبادئ المنظمة الدولية الجديدة التي تناولتها المادة الثانية من الفصل الأول من الميثاق. وقد عَنينا إظهار ما إذا كانت تلك المبادئ قد مورست فعلاً وطُبِّقت، أم بقيت مجرد نظريات في ظل الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، صديقي الأمس. أما القسم الثاني، فقد خصصناه للحديث عن نشاط الأمم المتحدة في عهد الثنائية القطبية من خلال نقاط ثلاث: أولّها، أهداف الأمم المتحدة ومقاصدها. ثانيها، حالة الثنائية القطبية. ثالثها، نشاط الأمم المتحدة خلال الثنائية القطبية.
وهكذا جاء تقسيم الفصل الثاني على الشكل التالي:
o القسم الأول: مبادئ الأمم المتحدة بين النظرية والممارسة.
o القسم الثاني: نشاط الأمم المتحدة في عهد الثنائية القطبية.
أما الباب الثاني، فقد جاء هو أيضاً ضمن فصلين:
- الفصل الأول: الأمم المتحدة في ظلّ القطبية الآحادية: لقد بدأ هذا الفصل بالحديث عن تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها العالمية تحت أسماء ٍوعناوين جديدة اخترعتها هي لإخفاء أطماعها الشخصية التي لا تخلو من كلّ أشكال التسلّط والعدوان. وهذه الأسماء هي "النظام العالمي الجديد" أو "حق التدخل" بحجة مكافحة الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل، ونشر الديمقراطية والحرية والإنسانية، وغيرها من الأسماء أو العناوين الفارغة حقيقةً من مضمونها.
وفي ضوء الهيمنة العالمية لهذه القوة المنفردة الماردة، التي أصبحت القطب الوحيد على الساحة الدولية، بعد زوال الإتحاد السوفياتي، مع ما رافق ذلك من أحداثٍ عالمية، تم البحث في دور الأمم المتحدة ومواقف الدول والكتل من كلّ هذا، وذلك ضمن القسمين التاليين:
o القسم الأول: المحاولات الأميركية لتهميش دور الأمم المتحدة
o القسم الثاني: مواقف الدول والكتل من محاولات إضعاف الأمم المتحدة
- الفصل الثاني: مستقبل الأمم المتحدة. يشير الفصل الأخير من البحث إلى أن إنجازات الأمم المتحدة خلال مسيرتها ذات الأربع وستين عاماً لا تبرر إخفاقاتها التي ليست المنظمة الدولية وحدها سبباً فيها، بل الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي سابقاً، وبالأخص الأولى التي لا زالت تدير المنظمة الدولية وفقاً لمصالحها واستراتيجيتها. ويبحث هذا الفصل في أسباب الخلل والقصور وفي مواطنه، سواء كان خللاً ذاتياً أو غير ذاتي وصولاً إلى عرض مقترحات لإصلاح المنظمة الدولية تفادياً لانهيار دورها بالكامل وبالتالي زوالها. وهذه الإصلاحات تناولت من جهة علاقة الأمم المتحدة بغيرها من الدول والمنظمات، ومن جهة أخرى هيكلية الأمم المتحدة وسير عملها. وهذا كلّه تم عرضه ضمن القسمين التاليين:
o القسم الأول: مواطن الخلل والقصور في أداء الأمم المتحدة
o القسم الثاني: مقترحات الإصلاح لتعزيز دور الأمم المتحدة
ويخلص البحث، كما جاء في مقدمته، إلى أن أهمية التنظيم الدولي لم تأت من لا شيء، والحاجة إليه لا زالت ضرورية كما في البداية لا بل أكثر خاصة بوجود أسلحة الدمار الشامل وعدم توقف انتشارها. لذلك فإن خبراء القانون الدولي، ومهما اختلفت آرائهم بشأن كيفية إصلاح الأمم المتحدة، فهم جميعاً اتفقوا على ضرورة وجود منظمة دولية يمكنها القيام بتحقيق السلام والأمن الدوليين، سواء الأمم المتحدة نفسها بعد إدخال إصلاحات عليها، أو منظمة دولية جديدة تنشأ بعد إلغاء الأخيرة تكون قادرة على تحقيق الغاية التي أنشئت من أجلها.
ويخلص البحث أيضاً أنه من الأجدى قبل التفكير في الإبقاء على الأمم المتحدة أو في عدم الإبقاء عليها، واستبدالها بمنظمة أخرى لعدم قدرتها على مواجهة المشاكل الإقليمية والدولية، الإنكباب على البحث في جذور تلك المشاكل ومعرفة أسبابها، وبالتالي معالجتها والقضاء عليها. فكلما استطاعت المنظمة أن تعالج الجذور الاقتصادية والاجتماعية للمشكلات الدولية، وتسوية الأزمات بالطرق السلمية، أصبح العبء لمواجهة حالات العدوان المحتملة، أو لإصلاح ما خرّبته الحروب وإعادة بناء ما دمّرته أو ما هدّمته، أقل وقعاً عليها. ففاعلية الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخرى في حال حلّت مكان الأولى، لا تُقاس بحجم وفاعلية أدوات قمع العدوان ووسائله، بل بقدرة المنظمة على حشد كل الموارد المتاحة وتوظيفها للحيلولة دون اندلاع الأزمات أصلاً، أو إيجاد تسويات دائمة وعادلة لها، أو إيجاد تسويات دائمة وعادلة لها، بالطرق السلمية، إذا ما اندلعت.
وللتمكن من معالجة تلك المشاكل، والقضاء على أسبابها، هناك عوامل مساعدة لا بد أن تتوافر، منها بقاء مستقبل الأمم المتحدة بعيداً عن الهيمنة الأميركية، وذلك من أجل خدمة الإنسانية بعيداً عن المصالح الاقتصادية. ومن العوامل الأخرى التي تساهم، وبشكل أساسي، في معالجة المشاكل الدولية والإقليمية والمحلية، والقضاء على أسبابها، هو توافر ميزانية مُعتبرة للأمم المتحدة بعيداً عن الأزمات والأعباء المالية، بحيث تكون قادرة على دعم خطط الأمم المتحدة، وتقوية نشاطاتها. وهناك عامل آخر يكمن في ضرورة عدم ميل الدول الغنية إلى تنظيم أمورها بعيداً عن الأمم المتحدة، والتجمّع في أطر مؤسّسية خاصة بها، وفي ضرورة عدم اتجاه الأطر التنظيمية للدول الفقيرة نحو التفكك والانهيار، كما حصل لمجموعة الـ 77.
وفي النهاية، يقتضي الإعتراف أن العيب الحقيقي يكمن في عدم الإلتزام بتنفيذ الميثاق، وليس في الميثاق نفسه أو في نصوصه. فلكي يتحقق السلم والأمن الدوليان، لا بدّ من احترام الشرعية، وتنفيذ القرارات الدولية على الجميع دون استثناء، ليسود السلام الشامل والعادل. كما لا بد أن تتوافر للدول الإرادة للقضاء على جذور أي خلاف، إذ دون ذلك، لن تفلح أي إجراءات جزئيّة أو مؤقّتة دون استمراره أو اتساع نطاقه. أمّا التحدي الأكبر الذي نواجهه والذي لا بدّ أن نتغلّب عليه، يكمن في ضرورة التزام الحكومات بآلاف الوعود التي قطعتها على نفسها، وعلى شعوبها، وعلى المجتمع الدولي بأسره، وأقسمت أنها ستلتزم بتنفيذها بجدية.
في الختام نقول إن على الدول الكبرى أن ترحم أمّنا الأرض وابنها الإنسان من ويلات الحروب، وأن تنظر بعيني ذلك الرائد الفضائي الذي مشى على سطح القمر، ووصف الأرض عند عودته بقوله: "عندما نرى الأرض من القمر فإنها تبدو جميلة لامعة. إنها واحدة ومسالمة".