سامر زعيتر

ما أن تتلفت يمنة أو يسرة، حتى ترى الأعلام ترفرف إما فوق الشرفات أو على سطوح الأبنية، فيما تنقلك مواكب السيارات الى احتفالات عارمة بفوز منتخبات متعددة...
هوس بالمونديال، مشهد يتكرر بشكل يومي ويترافق مع صخب في الطرقات حيناً أو احتباس للأنفاس بانتظار صافرة الحكم أحياناً أخرى، أو تسجيل هدف يعلن فوز منتخب على آخر...
أما المستفيدون من هذه التظاهرة الكروية، فهم كثر، يستعدّون لها على غرار أي موسم تجاري، فيما المتضررون منها مادياً ومعنوياً أكثر، لكنها تبقى مناسبة تأتي كل 4 أعوام، وتعيد معها «ركلجة» حياة الناس وضبطها على توقيت مباريات المونديال...
«لـواء صيدا والجنوب» رصد ظاهرة الهوس بالمونديال، وعاد بهذه الانطباعات...\

فرصة للتجار
يحتار المرء من أين تكون البداية، ولكن الأعلام المنتشرة على أبواب المحال وإن تعددت أنواع تجارتها، تدلك الى بداية الطريق.
{ أشار صاحب أحد محال بيع الألعاب والهدايا بسام درزي الى ظاهرة المونديال بالقول: «استعدّينا لهذا الموسم من خلال استقدام تشكيلة واسعة لمحبي كرة القدم وعشاق المنتخبات المشاركة في هذه البطولة، التي تشكّل فرصة تتكرر كل 4 سنوات، وهذه التشكيلة تضم الأعلام بكل الأحجام والتي يطلبها كبار السن، أما الصغار فإنهم يهتمون بالأساور والقبعات بشكل أكبر. ونحن بالطبع علينا إرضاء جميع الأذواق، وهناك بعض الأمور تطلب منا ولا تتوفر لدينا، بل تتوفر لدى بائعي زينة السيارات، فضلاً عن طلب البعض لأعلام تخص منتخبات لا تحظى بشعبية كبيرة، ولا تتوفر بشكل كبير في الأسواق. أما البضاعة التي لا تباع فإننا نحتفظ بها الى الموسم المقبل، أي بعد 4 أعوام، ومن ثم يتم استقدام بضاعة جديدة، والحمد لله الاقبال هذا الموسم يعد جيداً، لكن نجد بالمقابل كثرة في عدد البائعين، الذين ينتشرون في الأحياء بشكل مكثف».
توافق على الاختلاف!
تحضير مسبق، جاء تلبية لحاجات الزبائن ورغباتهم، الذين يأتون للتعبير عن مشاعرهم تجاه من يحبون من خلال شراء رموز وأعلام لهذه الدول وإن كانت بأحجام كبيرة لتزيّن شرفات المنازل.
{ وعن ذلك قال باسم جوهر: «أشجع المنتخب الألماني لأن لاعبيه يعدّون من أبرز المميّزين، وقد اعتدت تشجيع هذا المنتخب منذ الصغر، لذلك اشتريت علماً كبيراً ووضعته في المنزل بطول ثلاثة أمتار وعرض مترين، وطبعاً نحن نشجع هذا المنتخب، رغم أنني ضد وضع علم لبلد غير بلادي، ولكن لأننا نشجع المنتخب الألماني ونحبه نضع علمه في بيوتنا».
{ بدوره شقيقه محمود جوهر قال: «ألمانيا تحضن العديد من الفلسطينيين لذلك نشجع هذا المنتخب، فضلاً عن أن الكلب الذي يرافقنا هو أصلاً من ألمانيا، لذلك نحن نلبسه علم بلاده، ولكن بما أنه كان على البحر لم يرتد اليوم هذه الثياب».
تشجيع مماثل يعبّر عن توافق رغبات بعض الأخوة أو الأصدقاء، ولكنه لا يكون كذلك مع البقية، مما يثير تساؤلات عن النزاعات بين الأصدقاء بسبب التشجيع لمنتخبات مختلفة، أو التوافق على الاختلاف.
{ توفيق العدوي قال: «أشجع المنتخب الإيطالي، ورغم أن أصدقائي يشجعون منتخبات أخرى، لكن نجتمع في أحد المقاهي لمشاهدة المباريات، لأن الهدف الأساسي هو مشاهدة اللعب الممتع والذي يشكّل المونديال المكان الأنسب لرؤيته، نظراً لقوة المنتخبات ولاعبيها».
تضرر مصالح وإستقرار أخرى
إستفادة للبعض يقابلها تضرر من قبل البعض الآخر، فيما وضع شاشات لمشاهدة المونديال، بات السر في استقطاب الزبائن.
{ الحلاق فادي قال: «لقد تضرر عملنا بسبب انشغال الناس بمتابعة المونديال وهو أمر ملفت بالنسبة لنا، فبعد أن كان المحال يعج بالزبائن اليوم نفتقدهم».
{ بدوره صاحب محل الانترنت أبو هادي السبكي قال: «المونديال يشكّل مناسبة تأتي كل 4 سنوات، ولعبة كرة القدم هي لغة عالمية، لذلك نرى الزبائن لا يأتون في المساء كما جرت العادة لانشغالهم في متابعة مباريات كرة القدم، بل يأتون في النهار، إضافة الى أسباب أخرى، فقد كنا نرغب بوضع شاشة لكن تضارب المعلومات والأمور حرمنا من القيام بهذه الخطوة، وأنا أشجع الأرجنتين، لحبي للاعب ميسي، وفي السابق كنت مع رونالدو البرازيلي، فأنا لا أهتم بالمنتخب بل باللعب الجميل، لأنني لبناني وأشجع بلدي، ولكن ذلك لا يعني عدم محبة اللاعبين المميّزين».
أما البعض الآخر فتمكن من الحفاظ على زبائنه وإن انشغل هو أيضاً في متابعة المونديال، وذلك من خلال تركيب أجهزة لاستقبال ترددات المونديال.
وعن ذلك أشار الحلاق علي الحاج بالقول: «هذا المونديال الثاني الذي يمر عليّ منذ فتح المحل، ونحن نضع تلفزيون يمكّن الناس من متابعة مباريات المنتخبات التي يحبون».
{ بدوره العامل في قهوة حمادي محمود عبد الغفور قال: «ركبنا أجهزة على التلفاز لتمكين الزبائن من مشاهدة المباريات، وقمنا بتمديد الدوام تلبية لرغبة الزبائن، وطبعاً في الليل تنطلق المسيرات المشجعة، والبعض يحب ذلك والآخر لا، ولكنها غير مزعجة لمحبي كرة القدم».
إعادة ضبط عقارب الزمن
التقدم بطلب إجازة من العمل أو إعادة ضبط توقيت المواعيد على مباريات المونديال، يبدو أمراً شبه عادي بالنسبة لعشاق الكرة.
{ وعن ذلك قال أحمد العيساوي: «أشجع المنتخب الإيطالي، ونحن نعيد «ركلجة» حياتنا مند بداية المونديال، فالمباريات التي تلعب فيها الفرق بعد منتصف الليل ونشجعها لا بد من متابعتها، فنسهر على التلفاز ومن ثم نخلد للنوم بعد العودة من العمل».
{ بدوره صاحب «مطعم نينار» وسام معروف قال: «أولاً قمنا بتجهيز المطعم بشاشة بتقنية عالية، وهي الأكبر في مدينة صيدا، طولها 6 أمتار وعرضها 4 أمتار، ونحاول تقديم سعر مناسب للزبائن واستقطاب العائلات لتشجيع السياحة في المنطقة بعد الأحداث الأخيرة التي مرت على صيدا، فضلاً عن تقديم خدمة جيدة من خلال فريق شبابي متدرب على الفندقية، إضافة الى أن الأسعار تناسب الجميع، وكل ذلك يضاف إليه تمديد فترات الدوام ليلاً وذلك حسب المنتخب الذي يلعب، فإن كانت بعد الفجر فبالطبع نستقبل الزبائن لتلبية رغباتهم».
سياسة المونديال
أما هو، المونديال، فلم يترك مكاناً أو زاوية إلا وانتشر فيها، حتى تحوّلت الأحياء والمحال الصغيرة الى ملتقى للشباب أو مقاهي تستقبل محبي كرة القدم، فترى الفتية يسابقون الكبار في مشاهدة المباريات، ويفتح الجميع أبوابه وإن لم يملك أبناء الحي الدخل المناسب لمشاهدة المباريات، لأن الجميع مرحّب به وإن كان من دون مقابل.
{ وعن ذلك أوضح محمود خير بالقول: «نفتح أبوابنا لجميع عشاق كرة القدم، وحتى إن لم يكن لديه المال، فنحن نشعر بالناس، ومن حق الجميع مشاهدة المباريات، ومن يرغب في طلب أي شيء نوفّره له».
شغف بالمونديال، ربما لكونه ظاهرة تتكرر مرة واحدة كل أربع سنوات، أو لعشق اللعبة الأكثر شعبية في العالم، أو لمواهب صانعي ألعابها، لكن تبقى فرصة للتلاقي أو الاختلاف والتعبير عن مشاعر الفرح والحزن، في زمن يتسع لجميع الهوايات والتعبير عنها بشتى الوسائل، والأهم من ذلك الابتعاد عن هموم السياسة وأهلها.