رأفت نعيم
غادر رفيق النقيب جريدة «المستقبل» من دون موعد لقاء هذه المرة على غير عادته ..

ثقيل هو الزمن الذي يرحل به الأحباء .. حتى الحزن عليهم لا يستوعب وقع الغياب ..

لأن غياب البعض يغلب بوقعه كل حضور اذا كان الغائب عزيزا محببا لكل من عرفه، فكيف اذا كان الغائب ابو زياد؟.

هو الرحيل الهادئ الذي انتظر صاحبه ولم ينتظره صاحبه .. بل كان اقوى من انذارات المرض وضرباته القاسية بين الحين والآخر .. رحل رفيق النقيب دون ان يزعج أحداً .. هكذا كان في حياته .. لا يحب ان يزعج أحداً .. وهكذا هو حتى في موته ..

مليئاً بالحياة خفيف ظل، عصامي عزيز النفس، كان حضوره حيثما حلَّ حضور النسيم ليلة صيف .. تستمد من وجهه الهادئ الطمأنينة حتى وقت القلق .. ومن ابتسامته الدائمة الإشراق الحافز على المضيّ في الحديث معه كأنه يدعوك لتشاركه هذه الإرادة القوية للحياة والعطاء. غادرنا رفيق النقيب باكراً وهو في عز عطائه لجريدته «المستقبل» التي كان المدير والموجّه الصائب في أصعب المحطات التي مرت بها المؤسسة، ولموظفيها الأخ والصديق قبل ان يكون المدير والمسؤول..

رحل رفيق النقيب باكراً وهو في عز عطائه لأسرته التي كان لها الأب الحاني والحنون والزوج المخلص، الجد المتعلق بأعز الولد .. ولد الولد .. بأحفاده الذين بدأوا يكبرون أمام عينيه .. والذين بخل عليه المرض حتى بالاستمتاع بساعاته الأخيرة معهم ..

رحل رفيق النقيب وأفجعنا برحيله.. رغم انه فاجأنا بقوته وانتصاره على المرض حتى اللحظات الأخيرة ..

رحل ابو زياد الطيب القلب والمنفتح العقل والنقي السريرة .. وعندما يرحل الطيّبون الأنقياء تفقد الحياة بعضاً من وهجها ..

وُلد محمود رفيق أحمد عيسى النقيب في شهر أيار من العام 1944 في حي السبيل في صيدا من أسرة متوسطة مؤلفة من أب وأم وثلاثة أولاد .

شاءت الأقدار ان يتشارك رفيق النقيب والرئيس الشهيد رفيق الحريري الإسم وتاريخ الميلاد ومراتع الطفولة ومقاعد الدراسة، وان يترافق معه في ريعان الصبا مواكبين لمحطات واحداث شهدتها صيدا ولبنان والمنطقة، ليفترقا بعدها كل يشق طريقه في الحياة منشداً مستقبله، حتى شاء القدر من جديد أن يلتقي الرفيقان بعد سنوات طويلة لكن هذه المرة في المملكة العربية السعودية وتحديداً عام 1981 في افتتاح مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف عندما كان مديراً ادارياً ولشؤون الموظفين.

ويذكر المهندس يوسف النقيب ابن عم الراحل ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في صيدا، حادثة جرت معه في ذلك الحين حين حضر الرئيس الشهيد افتتاح المجمع وفوجئ برفيق النقيب أمامه فسارع الى مصافحته ومعانقته قائلاً ليوسف النقيب «هيدا صاحبي .. دير بالك عليه «.. وبعد مغادرته عمله في مجمع الملك فهد، عرض عليه الرئيس الشهيد اعطاءه مبلغاً ليؤسس به عملاً مستقلا بنفسه أبى رفيق النقيب إلا ان يبقى مع رفيق عمره ، فواكبه في بعض محطات عمله ومسيرته عبر تكليفه مهام ادارة إذاعة «الشرق» في بيروت ومقرها السابق كان في محلة مار الياس ، ثم عبر تكليفه ادارة « الوايفز» التي تضم مجموعة شركات للرئيس الشهيد. وعندما قرر رفيق الحريري تأسيس جريدة «المستقبل» حرص على اختيار رفيق النقيب لإدارتها العامة.

رغم صداقته الوطيدة مع الرئيس الشهيد لم يستغل رفيق النقيب هذه الصداقة يوما في اي عمل قام به او في تعاطيه مع الموظفين بحسب يوسف النقيب الذي يشير الى ان رفيق النقيب عمل باخلاص ومحبة وتفانٍ في كل مهمة كلفه بها الرئيس الشهيد وكان يقوم بهذا العمل وكأنه له فيعطيه من كل وقته وقلبه وتفكيره واعصابه .

ويضيف يوسف النقيب : كان رفيق منظماً دقيقا في عمله محبا للناس مريحا في التعاطي مع كل من يتعامل معهم فيلزمهم باحترامه ومحبته لدماثة اخلاقه. كان شخصاً يعتمد عليه وذلك ما جعل الرئيس الشهيد يتمسك به ويحمله بعض المسؤوليات في اعماله، وطوال توليه لإدارة الجريدة وفي عز الأزمات التي مرت عليها استطاع بحكمته وحسن ادارته ان يحل كل المشاكل التي كانت تعترضها ويقود سفينتها الادارية الى بر الأمان بكثير من الاتقان وبروح عالية من المسؤولية وبالحرص على اسرته الإعلامية التي تمثلها.

كان رفيق النقيب من ضمن الدائرة الضيقة لـ«شلة» رفيق الحريري الطفل والفتى والطالب، وبقي حتى بعدما كبر حريصا على التواصل مع رفاق الطفولة والصبا، الذين بقوا في الوقت نفسه الى جانب عائلته صلة الوصل التي لم تنقطع مع مدينته التي أحب وعشق .. صيدا. وهو واظب خلال العامين الأخيرين على التواصل واللقاء مع اصدقائه القدامى امثال « يوسف وزهير النقيب وعادل زنتوت ومحمد علي الناتوت وفايز البزري وغيرهم «.. وبقي رفيق النقيب حتى اقعده المرض ، يطل على صيدا في مختلف المناسبات ، مشاركا اهلها افراحهم وأتراحهم ..

تزوج من السيدة سهام مروة وأنجب منها ثلاثة أولاد هم زياد (ويعمل في مجال التجارة )، أحمد (خريج الجامعة الأميركية ويعمل في اوجيه العالمية) ودانا (زوجة بشير حبال وتعيش في اسبانيا حيث كانت آخر رحلة قام بها الفقيد وأمضى خلالها بعض الوقت مع عائلته وابنته وأحفاده وكان سعيداً ونشيطاً مقبلاً على الحياة وكأنه كان يودعها...

رفيق النقيب ابن آخر تفقده صيدا .. وتفتقده «المستقبل» .. وكما كان يجمعها دائما في حياته ، وكما تحلقت حول سريره مريضا تخفف عنه آلامه وتشد من ازر اسرته .. سيجمع رفيق النقيب اسرتيه الكبيرة والصغيرة .. وزملاءه واصدقاءه ورفاق دربه وابناء مدينته حول جثمانه مودعين .. ومحملين اياه رسالة « الى جنان الخلد يا ابا زياد .. سلم على رفيق الحريري».