×

خليل المتبولي : نـــام أبـــي

التصنيف: أقلام

2018-09-25  06:16 م  784

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

بقلم : خليل إبراهيم المتبولي

 

نمْتَ يا أبي وغفَوْتَ ، وطالت غفْوَتُك ، ما أصعب هذه الغفوة يا أبي ! لقد كنتَ تقول بأنك تعبت كثيرًا قي حياتك ، وتحتاج أن ترتاح ، وعندما قررتَ أن ترتاح نمْتَ . في نومك ، عيناك ذبلتا كورق الشجر الأصفر المتساقط في فصل الخريف ، يداك ارتجفتا من التعب والمرض ، أنفك احمرّ من زكام الأيام ومن بكائك عليها . صورٌ فوتوغرافية بالأبيض والأسود داعبَت مخيلتك ، ذرفْتَ دموعَ شوقٍ وحنينٍ واشتياقٍ لعطف والدك وحنان صدر والدتك ولرأفة أخيك البكر ...

نمْتَ يا أبي وغفَوْتَ ، تسرّبتَ بخفّةٍ من بين أعوامك الستة والسبعين ، تكوّرتَ على ذاتك ونمتَ .

في تسرّبك إلى نومك رحتَ تتذكّر كلّ الّذين رحلوا قبلَك ، وتقول إنّهم يمدّون أيديهم إليك كلّ ليلة ، تسيح ملامحُ وجهك ، وتتآكل الخطوطُ التي تفيض منها الدموع كلما وجدتنا حولك ننظر إليك والدمعة عالقة في حلقنا . ما بين نومك وصحوتك تراءى لكَ طريق رحيلك ، وبُعد المكان الراحل إليه ، ودورك ، ومكانتك ، وناسك وأهلك ، فتملّكتك الرغبة واللّهفة والإنجذاب إلى النوم العميق ...

نمْتَ يا أبي وغفَوْتَ ، وقبل نومك ، حطّمتَ بدموعك الحزن المفجع وسط ضباب البكاء وهشاشة الموت الكئيب ، القاسي الذي ينسكبُ على جروح الروح فيشقيها ...

ملامح وجوهنا وذكرياتنا وذكرياتك راحت تسافر مع نومك على متن طائرة ردهتها ضيّقة وطويلة تطلّ على مساحة بيضاء خالية من التعب والأرق والإرهاق ، تعلّقْتَ بخيوط شمسٍ جديدة ، وسرتَ وراء ضوئك الساطع في عالمٍ نجهله ربما يكون الأفضل ...

نمْتَ يا أبي وغفَوْتَ ، وتعجّلتَ بالنوم ، ماذا تفعل الآن يا أبي في نومك هذا ؟ لقد انكسر الظهر فجأة بنومك ، وصار الحزن يهرسنا ، والألم يعصرنا ، والذكريات تؤلمنا .

أحنّ يا أبي إلى الطفل الذي كنتَ تلاعبه ، وإلى حضنك بعد عودتي من المدرسة ، وإلى رائحة كفّ يدك وإلى قلقك عليّ وعلى مستقبلي ، إلى مناقشاتك في شتى المواضيع ، وأشتاق إلى خوفك عليّ، إلى ثورتك وغضبك وارتفاع صوتك احتجاجًا على تصرف ما ، أوموقف ما ، أشتاقك يا أبي ، أشتاقك كثيرًا ...

كنّا معك يا أبي وبجانبك ، تصدّينا كثيرًا وبشتى الوسائل لملك النوم ، فعلنا كل ما في وسعنا ، إنما كل ذلك لم ولن يؤخّر نومك ، لقد نمتَ يا أبي وغفوتَ ، وطالت غفوتك ، أشدّ ما في هذه النومة ألمًا يا أبي حزن وبكاء أخوتي وأمي ... نومًا هنيئَا يا أبي !..

 

خليل إبراهيم المتبولي

صيدا 26 أيلول 2018

 

 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا