محمود زيات الديار

بعد ان تحطمت الآمال الصهيونية بإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، بعد اكثر من ثماني سنوات من الحروب ضد سوريا، جاءت الجرعة الاميركية لانعاش الكيان الاسرائيلي بـ «انتصار» لم تتجاوز حدوده حدود الورقة التي حملت توقيع الرئيس الاميركي بالاعتراف بـ «السيادة الاسرائيلية» على الجولان السوري المحتل ليكون تعويضا عن الخيبات القادمة من سوريا... والهزائم القادمة من لبنان، والتي مُنِي بها قادة الاحتلال في حروبهم خلال العقود الثلاثة الماضية.

ولان قوات الاحتلال الاسرائيلي وبمباركة وغطاء اميركيين، مارست على الامم المتحدة وقراراتها المتعلقة بلبنان، مراوغة حول لبنانية مزارع شبعا، التي يشملها القراران 425 و426، وصمَّ قادة الاحتلال آذانهم امام القرار الاممي رقم 1701 الذي اكد على الانسحاب الفوري من القسم الشمالي من الغجر، الذي كان تحرر، بعد ترسيم الحدود في اعقاب تحرير الجنوب عام 2006، وعادت قوات الاحتلال لتحتله خلال عدوان تموز 2006، وتزامن ذلك مع حالة عداء لسوريا من اطراف لبنانية طالبت بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، حتى ولو كانت خاضعة لسيطرة الاحتلال!، فان ما تتلمسه الدوائر السياسية اللبنانية، تقول اوساط نيابية جنوبية مطلعة على ملف المناطق اللبنانية المحتلة، ينذر بمخاطر عديدة يحملها اعلان السيادة الاسرائيلية على الجولان، وتتمثل بالتعامل مع المناطق اللبنانية المحتلة من ضمن الجولان السوري المحتل، ما يرسم مرحلة جديدة لن تكون سمتها الا المواجهة مع الاحتلال.

وتلفت الاوساط الى ان ثمة خطأ سياسياً واعلامياً ودبلوماسياً يرتكب في لبنان على المستويين الرسمي والشعبي، يتمثل باختصار مصطلح المنطقة اللبنانية التي ما زالت محتلة بـ«مزارع شبعا»، بالرغم من ان الترميز المعنوي لهذه التسمية يحمل ضررا، بسبب اغفال بعض الحقائق التاريخية التي يتحدث عنها معظم المطلعين على الواقع الجغرافي والتاريخي للمنطقة وهي موثقة، وتُذكِّر ان ورشة واسعة اجريت في عهد حكومة الرئيس سليم الحص، غداة تحرير معظم مناطق الجنوب في ايار العام 2000، وقد وصلت الى المراجع الرسمية المعنية تقارير ودراسات واقعية عن هذا الملف، وقد قامت حكومة الحص باثارة الملف مع جهات دولية.

ومن الحقائق المتعلقة بوضع المنطقة اللبنانية المحتلة، تلفت الاوساط، الى ان الاحتلال الاسرائيلي يحتل اراضي تمتد من مزرعة المجيدية غربا وحتى جبل الروس شرقا، ويقيم العدو في هذه المنطقة مركزين عسكريين استراتيجيين هما موقع رويسة العلم في جبل الروس على مسافة كيلومترين شرق بلدة كفرشوبا، وموقع رويسة السماقة على بعد اربعة كيلومترات الى الجنوب منها، وان هذه الاراضي لم تكن في أي يوم من الايام خاضعة للسيادة السورية، وتؤكد الوقائع ان المقاومة الفلسطينية اقامت فيها قواعد لفدائييها في العام 1968، بعد معركة الروس التي استشهد فيها «الاخضر العربي»، وكان يُفترض ان تكون المنطقة من ضمن نطاق عمل قوات الامم المتحدة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» التي توجد اليوم في منطقة المرجة المقابلة للموقع الاسرائيلي في رويسة العلم، وفي بركة بعثائيل القريبة من رويسة السماقة.

وتشير الاوساط، الى ان العدو الاسرائيلي اقام في العام 1970 شريطا شائكا وبوابة عبور في منطقة جل الاحمر الواقع على بعد كيلومترين من بركة بعثائيل جنوبا، لتُنقل البوابة في العام 1978 الى مكان متقدم لا تتجاوز المسافة مع البركة بضعة امتار قليلة، لتصبح مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية داخل سيطرة الاحتلال.

ووفق ما يؤكد المتابعون لملف المناطق الجنوبية المحتلة في منطقة مزارع شبعا ـ تلال كفرشوبا ـ القسم الشمالي من البلدة العجر السورية، فان مساحة الاراضي الواقعة تحت الاحتلال في خراج بلدة كفرشوبا، والواقعة الى الشمال من مزارع شبعا، بحوالى 15 كيلومتراً مربعاً، وتضم 50 عقارا موزعة على كرم حالا، باب الهوا، المعيصرة، ظهر الحمار، الشمايس، مراح الفحول، جورة الزين، رويسة احمد يعقوب، المبسوطة، حاكورة ركيزة، المرج، مراح فراشة، باب الحجر، شعاب سعد الدين، كسارة فياض، حفور الحمص ومقلب الخرايب، وكل هذه المساحات لا ترتبط بملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ولا اشكالية في لبنانيتها، وقد وجدنا على مدى السنوات الماضية الاحتجاجات التي قام بها اهالي المنطقة، واصحاب هذه الاراضي، على مزاعم العدو الذي يعتبرها ارضا سورية من ضمن الجولان السوري الذي احتله خلال حرب العام 1967، ووسط اغفال من الامم المتحدة بضمها الى الخارطة الجغرافية التي يتناولها قرارا مجلس الامن 425 و426 الصادران في آذار العام 1978، على اثر الاجتياح الاسرائيلي لمنطقة جنوب الليطاني.

وكان اهالي كفرشوبا وقرى العرقوب، طرحوا ملف الاراضي المحتلة، وقدموا الى رئيس الجمهورية انذاك العماد اميل لحود ورئيس الحكومة سليم الحص الاوراق التي تثبت لبنانية المنطقة، لكن الهيئات الدولية بقيت تدور في المماطلة والغموض واستسهلت الابقاء على الاحتلال فيها، في خضوع واضح للارادة الاميركية والاسرائيلية.

} ضم مزارع شبعا الـ14 }

ومزارع شبعا التي تعرضت لعدوان واسع في العام 1967، وقعت تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، وهي اربع عشرة مزرعة هي فشكول، المغر، بيت البراق، الربعة، زبدين، برتعيا، افوا، كفردورة، برختا، جورة العليق، رمتا، خلة الغزال والقرن. كما احتلت اسرائيل اراض مجاورة للمزارع، وهي في خراج بلدات العرقوب تعرف عند الاهالي بأسماء وادي الخنسا، الجاصير، رويسة بيت الداس، رويسة السماقة، الجل الاحمر وحرج مشهد الطير، وتقدر مساحة هذه المزارع بحوالى 90 ألف دونم بطول 11 كيلومتراً، وعرض يتراوح ما بين 4 و5 كيلومترات، و هي كانت غنية باشجار الزيتون واللوزيات.

ولتكريس احتلالها للمنطقة، قام الاحتلال بحملات تهجير منظمة لاهالي المنطقة، وبخاصة بلدة كفرشوبا التي نزح قسم كبير من اهلها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وجرت عملية ابعاد خلال اجتياحَي 1978 و1982، لعشرات العائلات من كفرشوبا التي تعرضت آثارها التاريخية لعمليات نهب منظمة، قامت فرق متخصصة بالاثار، بإيعاز من قوات الاحتلال.

} فشل مشروع توطين

يهود الفالاشا في المزارع }

واعتبارا من العام 1970 وحتى العام 2000 تاريخ تحرير معظم المناطق اللبنانية في الجنوب، شقت قوات الاحتلال الاسرائيلي طرقات وسط الحقول الزراعية لمزارع شبعا وغيرت معالم المنطقة، واستهدفت هذه الاعتداءات مزرعة المجيدية وتلال بلدتي كفرشوبا ووصولا الى خراج بلدة شبعا، وفي خطوة هي الاخطر، سعى المحتل الاسرائيلي الى تحويل هذه المناطق الى «مستعمرة» لتوطين افواج اليهود الفالاشا الذين استُقدموا من اثيوبيا، لكن الاهالي وقفوا في وجه هذا المخطط الاستيطاني، وانجزت المقاومة الوطنية العديد من العمليات العسكرية في المنطقة، وتحديدا في مزارع شبعا، وجعلت الحلم الاسرائيلي يتبدد بتصفية المبشر الاميركي روبنسون، في عملية نوعية نفذتها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي.