فاخورة الغازية: أدوات بدائية تصنع آلاف المنتوجات وتنتظر الزبائن
التصنيف: Old Archive
2011-01-19 10:00 ص 4623
ثريا حسن زعيتر
يحوّل نمر مصطفى عطا الله بأنامله الخفيفة الطين إلى فخار في عملية شاقة وطويلة تستمر أياماً، ولكن ما يصنعه "أبو محمد" لم يعد يلقى رواجاً كما قبل عدة عقود خلت.. فقد أفل نجم هذه الحرفة وتراجع حضورها إلى حد الإقفال والإنقراض، بعدما كانت تغزو المنتوجات الفخارية المنازل وحلّ مكانها "السراميك" والخزفيات.. وسواهما، فباتت الفخاريات تتكدس أمام محترفه الصغير في بلدة الغازية - قضاء صيدا تنتظر زائراً أو زبون، علّه <يطيّب> خاطرها وينقلها من مكانها إلى آخر أكثر إستقراراً··
و<فاخورة الغازية> التي ما زالت تُحافظ على طابعها القديم وطريقة عملها البدائية منذ تأسيسها قبل 63 عاماً (مع نكبة فلسطين في العام 1948) على يديّ مصطفى عطا الله، ويملكها الآن ولديه نمر وديب، هي الوحيدة التي عاندت الإقفال وبقيت عصية على الإنقراض في منطقة صيدا من بين حوالى 12 فاخورة كانت تتوزع بين شاطىء الغازية (4 فواخير) و<حي الفواخير> في صيدا قبالة <ثانوية المقاصد الإسلامية> - الذي صار مجرد ذكرى (8 فواخير)، فضلاً عن بيروت (5 فواخير) التي أصبحت من الأطلال، وكذلك (12 فاخورة) في خلدة، ولم يبقَ منها الآن سوى أقل من عدد أصابع اليدين في كل من راشيا الفخار وجبل لبنان والشمال والجنوب··
<لواء صيدا والجنوب> يُسلط الضوء على واقع هذه الحرفة التي كانت تدخل بمنتوجاتها إلى كل منزل قبل أن تعود وتتحوّل إلى الزينة فقط إلا ما نذر··
الحرفة وبداية الحكاية
يروي نمر عطا الله رحلة العائلة مع صناعة الفخار التي إحترفتها أباً عن جد، فيقول: منذ 63 عاماً وأنا أعمل في هذه المهنة بلا كلل أو ملل، بعدما ورثتها عن والدي مصطفى الذي تهجر من عكا في فلسطين مع النكبة في العام 1948 فإستقر في بلدة الغازية، واستأجر محلاً لصناعة الفخار، وبعد مرور عام طلب مالك العقار من والدي إخلاء المكان، فإنتقل الى بلدة الناعمة وعمل هناك في فاخورة على مدى 12 عاماً، وبعد أن أغدق الله عليه من نعمه، عاد إلى الغازية مجدداً، واشترى ذات المحل الذي كان قد استأجره سابقاً، فورثناه عن والدنا، واليوم ما زلت أعمل فيه شريكاً مع شقيقي ديب·
عند مدخل الفاخورة وفي أرجائها، تتكدس أكثر من 4 آلاف قطعة من الأواني والجرار والأباريق الفخارية بأشكالها المختلفة والمتنوعة، الكبيرة منها والصغيرة، صنعها بكد وتعب وعرق نمر وديب على مر السنوات الماضية، لم تجد لها زبائن أو منازل لتستقر فيها، في مؤشر واضح على أن الإقبال على شراء هذه المنتوجات لم يعد في عصره الذهبي كما السابق، بعدما تحولت من حاجة منزلية أساسية إلى مجرد كماليات تزيّن القصور والمنازل الفخمة· فخف الطلب على القطع التي كانت أكثر رواجاً، وهي: الطبلة <الدربكة>، إبريق الفخار، أواني <الزريعة> والقجة للأطفال·
وتابع عطا الله: ليس الغلاء هو السبب، فالأسعار ما زالت على حالها ولم تتغير كثيراً على الرغم من أن كلفة مواد هذه الصناعة تضاعفت، حيث إرتفع سعر التراب أضعافاً، وبات سعر نقلة التراب الصلصالي الأسود يصل الى 500 دولار أميركي، بعدما لم يكن يتجاوز 100 دولار، والتراب الأصفر الكلسي كذلك، بينما سعر الإبريق لا يتجاوز 3 آلاف ليرة لبنانية والجرة 5 آلاف و<المزهرية> تتراوح بين 10-50 ألف ليرة لبنانية وفق حجمها - أي أن أسعارها رخيصة قياساً على الغلاء الذي نعيشه في لبنان·
أدوات بدائية وبشرية
ورغم كل التطور الذي شهدته مختلف الصناعات التراثية لتواكب التطور، إلا أن صناعة الفخار ما زالت تُحافظ على النمط التقليدي، فالمهنة تعتمد على العنصر البشري وليس على المعدات والآلات، والفرن يعمل على الحطب والمازوت، وتنقية التراب من الشوائب تتم عبر طريقة تقليدية، إذ يتم وضعه في بركة ليتم نخله، ولم يستطع التطور حتى هذه اللحظة إستبدال الدولاب بقوالب الصب، وحدها طريقة تحضير العجين هي التي تغيّرت عن السابق، فحلت الآلة الكهربائية بديلاً عن اليد العاملة·
ويشرح عطا الله كيفية صناعة الفخار، فيقول: إننا نذوّب التراب الصلصالي والكلسي بالماء المالحة في بركة صغيرة، لها فتحة من خلالها يتسرب الماء مع الطين الذائب مباشرة إلى بركة تكون منخفضة عنها قليلاً، وبعد أيام عدة يترسب الطين في قعر البركة الكبيرة، وعندما يصبح جاهزاً يُؤخذ إلى <عجانة> كهربائية، ثم يضاف إليه القليل من رمل الشاطئ، فتخرج العجينة من <العجانة> طرية، سهلة الإستعمال وتقسم بواسطة شريط حديدي إلى أقسام متساوية الحجم، وتنقل إلى دولاب الفاخوري والآلة المستعملة اليوم في صناعة الفخار هي نفسها التي استعملها الفراعنة في مصر منذ 4 آلاف سنة وكانت عبارة عن عامود قائم، علوه نحو 3 أقدام يدور في دائرة، ينتهي أعلاه بدولاب أُفقي صغير، وفي أسفله دولاب أفقي أكبر يتحكم الصانع بحركة الدولاب السفلي بقدمه، وبحركة الأعلى بواسطة يديه فنجعل من الطين أولاً شكلاً مخروطياً، ثم نصنع ما نريد من الأشكال، قبل إدخالها إلى الفرن بعد تنشيفها في الشمس، حيث تكتمل عملية صناعة الفخار بأشكاله وأحجامه المختلفة في مدة 20 يوماً·
الزخرفة وتصريف الإنتاج
وقد رافقت الزخرفة منذ القديم صناعة الفخار، وفي بعض الأحيان يتم إستخدام ألوان لطلي الفخار، ولكن يفضل نمر عطا الله الحفاظ على اللون الطبيعي، فلا يدخل عليها ألواناً إلا بناء على طلب الزبون، ويقول: إن زخرفة الفخار تعني إضافة الورود أو الأشكال النافرة المصنوعة من الفخار إلى القطع التي يجري تشقيقها وترخيمها، أما الألوان المستعملة فهي الزجاجية المائية والنارية و<السنتيتيك> والزخارف وتستوحى من السيراميك ومما في الكتب التشكيلية من رسوم، ومن البرامج الفنية التلفزيونية، هذا إلى جانب الموهبة أو وفق طلب الزبون إذا أراد شيئاً معيناً·
ومن الصناعة إلى سوق تصريف الإنتاج عملية صعبة ومعقدة، بعدما تراجعت حركة الشراء منذ الثمانينيات، أمام غزو <السيراميك> و<البلاستيك> و<الفخار الصيني> وغيره، فضلا عن أن الفخار لم يعد حاجة أساسية في الإستعمال المنزلي، وأصبح إقتناؤه من الكماليات· ويتحسر عطا الله على الماضي، حيث كانت حركة العمل في <الفاخورة> تشبه خلية النحل، <فلا نكاد ننتج الفخار حتى يتم تصريفه فوراً، أما الآن فبالكاد يأتي زبون باليوم ليستحلي فخارة>·
وأضاف: إن كل العام كان موسماً للبيع، يزداد في الصيف مع وفود السياح والزائرين إلى لبنان، ويتراجع قليلاً في الشتاء، أما اليوم فلم نعد نعرف متى نبيع ومتى لا·· ننتظر الزبون، قد يأتي الآن أو اليوم أو في الغد، وقد لا يأتي أبداً·
وأشار الى <أن كبار السن هم الأكثر إقبالاً على شراء الأباريق لأنهم يحبون شرب المياه بها، كذلك أصحاب بعض المحال التجارية الذين يعرضونها للبيع كأدوات للزينة>·
قلق على المصير
وكثيراً ما راودت عطا الله فكرة عدم بيع بعض الفخاريات من شدة جمالها، فيقول: عندما أصنع قطعة فخارية جميلة أقول في قرارة نفسي لا أريد بيعها، بل يجب الإحتفاظ بها كتحفة، ولكن عندما يأتي زبون أعود وأتراجع عن القرار، إنها رزقة ولا يجوز أن أرفضها، على أمل أن أصنع مثلها لاحقاً·
ولا يخفي عطا الله قلقه على مستقبل هذه الحرفة لأنها لم تعد تؤمن لقمة عيش أصحابها، قائلاً: مدخولها لم يعد يكفي العائلة بالكامل، وبتنا نبحث عن مهنة تدعمها إذ بدأنا بصب الحديد لتأمين مدخول إضافي، وحين تتوقف هذه المهنة عن سد رمقنا فنحن بالتأكيد سنعمد إلى إقفال الفاخورة، مما سيحرم أولادنا هذا الإرث التراثي·
أخبار ذات صلة
في صحف اليوم: تراجع في موقف الجامعة العربية بشأن حزب الله بعد ضغط
2024-07-02 12:25 م 86
جنبلاط متشائم: أستشرف توسيع الحرب*
2024-06-24 09:10 ص 175
لبنان ليس للبيع... مولوي: نرفض الإغراءات المالية لتوطين النازحين*
2024-06-22 09:59 ص 152
تطوّر "لافت"... أميركا تكشف مكان السنوار وقادة حماس في غزة
2024-01-13 09:01 ص 229
خطة غالانت لما بعد حرب غزة.. هذه أهم بنودها
2024-01-04 09:09 م 276
مفوضية الجنوب في كشافة الإمام المهدي خرجت 555 قائدا وقائدة
2017-07-10 10:26 ص 1622
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية