زقاق البلاط: هناك تاريخ لنا نتركه يتداعى خلف أسواره
التصنيف: Old Archive
2009-10-18 06:04 ص 1601
فادي طفيلي
من بين العلامات المعماريّة العديدة التي اختيرت لتمثّل تذكاراً لحقبّة النهضة، الحقبة العابرة في زقاق البلاط في أواسط القرن التاسع عشر، المدارس وحدها، بالإضافة إلى المعهد الألماني للدراسات الشرقيّة، هي كلّ ما بقي على قيد الحياة.
وإذا استثنينا المعهد الألماني المذكور، المؤسسة البحثيّة التابعة بالإدارة والتمويل والاستراتيجيا لدولة أخرى غير لبنان، فأنّ المدارس وحدها تلك، أو بعضها الذي يُعدّ على أصابع يد واحدة، تمثّل كلّ ما نجا "لبنانيّاً واستمرّ إلى يومنا هذا في ظلّ التحوّلات الكبيرة.
حيّ زقاق البلاط القديم الذي تميّز في أواسط القرن التاسع عشر بذلك البلاط البركاني الأسود المرصوف في أروقته وطرقه، كان أيضاً حيّ القصور البيروتيّة الشهيرة ومشتى متصرّفي جبل لبنان وحيّ سكن القناصل والولاة ومتسلّمي بيروت والنخب الثقافيّة، من البساتنة إلى اليازجيين فالمرسلين الأجانب، بالإضافة إلى شخصيّات سياسيّة واجتماعيّة بارزة، وذلك لقربه من مركز إدارة المدينة ولمجاورته سراياها الكبيرة الواقعة إلى شماله. الشارع، أو "السقاق" (بالتركيّة) المرصوف بالبلاط الأسود، العابر في وسط الحيّ ليمنحه اسمه، كان يصل جنوب غربي بيروت بقرية المصيطبة. الشارع المبلّط المذكور كان يمتدّ صعودا ً إلى المصيطبة الأكثر ارتفاعاً والمفصولة عن زقاق البلاط بنواح خالية من العمران. إنّه الخلاء الطبيعي، أو البرّي، الذي جعل الحيّ يعدّ ضاحية من ضواحي بيروت الأولى التي أخذت تجذب الباحثين عن سكن هادئ خارج وسط المدينة المسوّر، من دون الابتعاد كثيراً0 عن الوسط المذكور.
المواصفات هذه كلّها، في اللحظة التي أخذت فيها بيروت تتوسّع ابتداء من العام 1840، وفي الحقبة الانتقاليّة ما بين سلطان العثمانيين المترهّل وانتداب الفرنسيين غير المتحقّق بعد، جعلت من زقاق البلاط عنوانا ً لاختبارات تلك الحقبة الانتقاليّة. اختبارات المؤسسات الجديدة القادمة إلى بيروت لتشغل فراغ العثمانيين التدريجي، كما اختبارات الطبقة الأرستقراطيّة الناشئة ومغامراتها. على أنّ اختبارات الطرفين المذكورين، وإلى الإمكانات والدعم التي جاءت بها من خارج الحدود، قامت بإطلاق نخب ثقافيّة محليّة ودعمتها كيّ تحقق إنجازات كبرى في النشر والتأليف والطباعة والبحث اللغوي. وقد اتفق على وسم الإنجازات المذكورة المتحقّقة بوسم "النهضة"، نظرا ً لما كان سائدا ً قبلها من سبات هائل.
زقاق البلاط إذن غدا مسرحا ً للاختبارات البيروتيّة الجديدة في العيش وأنماطه وفي العمران والمؤسسات. فأحيط بالقصور من جهاته الأربعة، كقصر حنيني إلى شماله وقصر الدكتور دي بران على تلّة جنوب غربه وقصر آل الخوري إلى غربه (أزيل) وقصر حسن القاضي إلى شرقه. تلك القصور المذكورة دمجت الأهواء والجهود القادمة من خارج الحدود، بالأهواء والجهود المحليّة. حيث تداخلت في نسيجها الواحد قصور بناها أجانب، كمثل قصر حنيني المبني بجهود أحد النبلاء المهاجرين من روسيا البيضاء، وقصر دي بران الذي بناه الدكتور الفرنسي هييوليت دي بران، مع قصور بناها متموّلون محلّيون. ما نتج عن ذلك في زقاق البلاط البيروتي كان أجواء عمرانيّة كوزموبوليتيّة شبيهة بالأجواء التي سادت باقي مدن المتوسّط، كاستانبول والإسكندريّة في العقود الأولى من القرن التاسع عشر.
في تلك الفسحة الأرستقراطيّة العمرانيّة والحياتيّة التي وجدت موقعها الاستراتيجي المحاذي لوسط المدينة، وجدت الجهود المؤسساتيّة الأجنبيّة القادمة إلى بيروت في تلك الحقبة الانتقاليّة موقعها المثالي، المتّسم بالرحابة المُسهّلة لإطلاق المشاريع والمبادرات. المرسلون الأميركيّون كانوا سبّاقين في ذلك، فأسّسوا، هناك في شمال زقاق البلاط المتاخم للسرايا الكبيرة، المدرسة الأولى والمطبعة الأولى في بيروت عام 1834 إلى الجنوب الغربي من بوابة يعقوب. كما قامت في المحيط ذاته مدرسة المرسلة الأميركيّة سارة سميث، لتكون أوّل مدرسة للبنات في الإمبراطوريّة العثمانيّة. وقد تابع الأميركيّون البروتستانت عقد مؤسّساتهم الرائدة في زقاق البلاط، فأطلقوا مدرسة الإرساليّة الأميركيّة الداخليّة التي عرفت بالثانويّة الأميركيّة للبنات في عام 1862 التي قامت إلى جوارها الكنيسة الإنجيليّة ببرج جرسها الشهير الذي حوى أوّل ساعة في بيروت.
الساعة المذكورة عرفت باسم "ساعة الأميركان". وإذ ضُبط الزمن العام بفضلها في بيروت للمرّة الأولى، أحسّ المعلم بطرس البستاني الذي عمل في المؤسسات الأميركيّة التربويّة الرائدة، بأنّ الوقت قد حان لإطلاق المدرسة الوطنيّة، أوّل مدرسة داخليّة للذكور، فأسسها هناك في مكان قريب.
والحال أنّ مبادرات الأميركيين البروتستانت الكثيفة في زقاق البلاط حثّت المؤسسات الدينيّة والإرساليّة الأخرى على حجز مواقعها هناك في تلك المنطقة "الناهضة"، قبل فوات الأوان. وقد تزامن الأمر في عام 1860 مع نكبة لبنانيّة كبرى، صعّدت من وتيرة المبادرات المذكورة "لإعانة أرامل لبنان وأيتامه"، كما تشير اللوحة الرخاميّة التذكاريّة في "المدرسة البريطانيّة السوريّة" التي تأسست بين العامين 1860 و1868 (المدرسة المذكورة هي اليوم ثانويّة الحريري الثانية). كما قامت بطريركيّة الروم الكاثوليك، التي يقوم مجمعها في المنطقة، بتأسيس المدرسة البطريركيّة في أعلى تلّ مشرف جنوب زقاق البلاط. المدرسة الأخيرة الكبرى ضمّت أساتذة كبار أمثال الشيخ ناصيف اليازجي (والد إبراهيم اليازجي مُبسّط الأبجديّة العربيّة وذلك بتقليل الأحرف من 300 إلى 60).
قصر الطبيب الفرنسي هييوليت دي بران، الأستاذ المحاضر منذ عام 1885 في الكليّة الفرنسيّة للطبّ (جامعة القديس يوسف فيما بعد)، شكّل في عام 1928 موطئ قدم للفرنسيين في المنطقة. فقرّرت البعثة العلمانيّة الفرنسيّة بذلك العام المذكور نقل مدرسة الفتيات التابعة لها من منطقة خندق الغميق، إلى ذلك القصر المدهش المحاط بالحدائق (ليسيه عبد القادر، ثانويّة الحريري الأولى منذ عام 1986).
التحوّلات الديموغرافيّة الكبرى في زقاق البلاط بدأت تؤثّر، منذ أربعينات القرن الماضي، على ملكيات المؤسسات التربويّة.
ففي مبنى يتميّز بأقواسه المثلّثة غرب المدرسة البطريركيّة، كانت ملكيّته تعود للوقف الماروني، أسّس عارف نكد المدرسة المعنيّة لتكون أوّل مدرسة تابعة للطائفة الدرزيّة في بيروت. وقد سبق ذلك بعقود عدّة، وتحديداُ منذ تأسيس الكليّة الإنجيليّة السوريّة (الجامعة الأميركيّة في بيروت) في رأس بيروت عام 1866، انتقال أميركي كبير إلى هذه المنطقة الأخيرة لتغدو مركزاً لكافة جهودهم.
موجة التحوّلات الكبرى في زقاق البلاط بلغت ذروتها في أعوام الثمانينات من القرن الماضي. ففي أعوام الثمانينات الأولى حيث غرقت بيروت في ظلام الحرب الأهليّة وعنفها، أخذت المؤسسات التربويّة البريطانيّة والفرنسيّة تفكّر جدّيا ًبمغادرة المنطقة.
قرار المغادرة المُتّخذ من قبل المؤسسات المذكورة، والذي بدا قرارا ً حاسما لا رجعة عنه، كان من شأنه أن يطلق سلسلة من "المغادرات" المؤسساتيّة، تشبه سلسلة "القدوم" التي شهدتها العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر.
أمّا ما حال دون ذلك، مُبقياً مدارس زقاق البلاط في أمكنتها، فكان استثمار الرئيس الحريري في القطاع التربوي وتأسيسه المجمّع التربوي الكبير في المنطقة، في الصروح القديمة ذاتها التي باعها البريطانيوّن المغادرون.
سوى المدارس القليلة التي أبقت على بنيتها المتجاورة، فأنّ كلّ شيء "نهضوي" في زقاق البلاط هو اليوم خرائب بائسة. حتّى أن الخراب المستفحل هناك، في معالم النهضة وفي تفاصيلها، وإن بدا في بعض الأحيان متصدّرا ً وحاضرا ً، فهو خراب مخنوق ومُحاصر، أو مأسور، كي يهزل في مكانه ويموت من تلقائه بعد أن يغدو جثّة هامدة ينخرها الغبار والضجيج وتدوسها أثقال المجسّمات الناشئة.
قصر حنيني، الواقع عند طرف الحي وعلى تماس جسر الرئيس فؤاد شهاب العابر من شارع سبيرز إلى التباريز شمال زقاق البلاط، يشكّل مثالا ً على ذلك البؤس. فالهيئات والمؤسسات العديدة، الأهليّة والمدنيّة والرسميّة، التي أطلقت أخيرا ً برنامجا ً تعريفيّا ً وتثقيفيّا ً غايته إلقاء ضوء على الحيّ ودوره التاريخي وعلى علاماته الباقية (زقاق البلاط: من الأبجديّة إلى النهضة)، لم تتمكّن من رفع اللافتة التعريفيّة المعدّة للقصر المذكور على جدرانه الخارجيّة، فقامت برفعها على منزل قديم متداع ٍ يواجهه، ومن دون الإشارة إليه. سبب الأمر بقي مجهولا ً، علما ً أن ثمّة من يقيم في قصر حنيني الخرب. لكنّ ذلك أشار إلى ركاكة النوايا الحسنة وضعفها إزاء وقائع التحوّلات الديموغرافيّة والعمرانيّة الراهنة في بيروت. تلك التحوّلات التي لا شرائع لها سوى الجشع والتهافت.
وإذا استثنينا المعهد الألماني المذكور، المؤسسة البحثيّة التابعة بالإدارة والتمويل والاستراتيجيا لدولة أخرى غير لبنان، فأنّ المدارس وحدها تلك، أو بعضها الذي يُعدّ على أصابع يد واحدة، تمثّل كلّ ما نجا "لبنانيّاً واستمرّ إلى يومنا هذا في ظلّ التحوّلات الكبيرة.
حيّ زقاق البلاط القديم الذي تميّز في أواسط القرن التاسع عشر بذلك البلاط البركاني الأسود المرصوف في أروقته وطرقه، كان أيضاً حيّ القصور البيروتيّة الشهيرة ومشتى متصرّفي جبل لبنان وحيّ سكن القناصل والولاة ومتسلّمي بيروت والنخب الثقافيّة، من البساتنة إلى اليازجيين فالمرسلين الأجانب، بالإضافة إلى شخصيّات سياسيّة واجتماعيّة بارزة، وذلك لقربه من مركز إدارة المدينة ولمجاورته سراياها الكبيرة الواقعة إلى شماله. الشارع، أو "السقاق" (بالتركيّة) المرصوف بالبلاط الأسود، العابر في وسط الحيّ ليمنحه اسمه، كان يصل جنوب غربي بيروت بقرية المصيطبة. الشارع المبلّط المذكور كان يمتدّ صعودا ً إلى المصيطبة الأكثر ارتفاعاً والمفصولة عن زقاق البلاط بنواح خالية من العمران. إنّه الخلاء الطبيعي، أو البرّي، الذي جعل الحيّ يعدّ ضاحية من ضواحي بيروت الأولى التي أخذت تجذب الباحثين عن سكن هادئ خارج وسط المدينة المسوّر، من دون الابتعاد كثيراً0 عن الوسط المذكور.
المواصفات هذه كلّها، في اللحظة التي أخذت فيها بيروت تتوسّع ابتداء من العام 1840، وفي الحقبة الانتقاليّة ما بين سلطان العثمانيين المترهّل وانتداب الفرنسيين غير المتحقّق بعد، جعلت من زقاق البلاط عنوانا ً لاختبارات تلك الحقبة الانتقاليّة. اختبارات المؤسسات الجديدة القادمة إلى بيروت لتشغل فراغ العثمانيين التدريجي، كما اختبارات الطبقة الأرستقراطيّة الناشئة ومغامراتها. على أنّ اختبارات الطرفين المذكورين، وإلى الإمكانات والدعم التي جاءت بها من خارج الحدود، قامت بإطلاق نخب ثقافيّة محليّة ودعمتها كيّ تحقق إنجازات كبرى في النشر والتأليف والطباعة والبحث اللغوي. وقد اتفق على وسم الإنجازات المذكورة المتحقّقة بوسم "النهضة"، نظرا ً لما كان سائدا ً قبلها من سبات هائل.
زقاق البلاط إذن غدا مسرحا ً للاختبارات البيروتيّة الجديدة في العيش وأنماطه وفي العمران والمؤسسات. فأحيط بالقصور من جهاته الأربعة، كقصر حنيني إلى شماله وقصر الدكتور دي بران على تلّة جنوب غربه وقصر آل الخوري إلى غربه (أزيل) وقصر حسن القاضي إلى شرقه. تلك القصور المذكورة دمجت الأهواء والجهود القادمة من خارج الحدود، بالأهواء والجهود المحليّة. حيث تداخلت في نسيجها الواحد قصور بناها أجانب، كمثل قصر حنيني المبني بجهود أحد النبلاء المهاجرين من روسيا البيضاء، وقصر دي بران الذي بناه الدكتور الفرنسي هييوليت دي بران، مع قصور بناها متموّلون محلّيون. ما نتج عن ذلك في زقاق البلاط البيروتي كان أجواء عمرانيّة كوزموبوليتيّة شبيهة بالأجواء التي سادت باقي مدن المتوسّط، كاستانبول والإسكندريّة في العقود الأولى من القرن التاسع عشر.
في تلك الفسحة الأرستقراطيّة العمرانيّة والحياتيّة التي وجدت موقعها الاستراتيجي المحاذي لوسط المدينة، وجدت الجهود المؤسساتيّة الأجنبيّة القادمة إلى بيروت في تلك الحقبة الانتقاليّة موقعها المثالي، المتّسم بالرحابة المُسهّلة لإطلاق المشاريع والمبادرات. المرسلون الأميركيّون كانوا سبّاقين في ذلك، فأسّسوا، هناك في شمال زقاق البلاط المتاخم للسرايا الكبيرة، المدرسة الأولى والمطبعة الأولى في بيروت عام 1834 إلى الجنوب الغربي من بوابة يعقوب. كما قامت في المحيط ذاته مدرسة المرسلة الأميركيّة سارة سميث، لتكون أوّل مدرسة للبنات في الإمبراطوريّة العثمانيّة. وقد تابع الأميركيّون البروتستانت عقد مؤسّساتهم الرائدة في زقاق البلاط، فأطلقوا مدرسة الإرساليّة الأميركيّة الداخليّة التي عرفت بالثانويّة الأميركيّة للبنات في عام 1862 التي قامت إلى جوارها الكنيسة الإنجيليّة ببرج جرسها الشهير الذي حوى أوّل ساعة في بيروت.
الساعة المذكورة عرفت باسم "ساعة الأميركان". وإذ ضُبط الزمن العام بفضلها في بيروت للمرّة الأولى، أحسّ المعلم بطرس البستاني الذي عمل في المؤسسات الأميركيّة التربويّة الرائدة، بأنّ الوقت قد حان لإطلاق المدرسة الوطنيّة، أوّل مدرسة داخليّة للذكور، فأسسها هناك في مكان قريب.
والحال أنّ مبادرات الأميركيين البروتستانت الكثيفة في زقاق البلاط حثّت المؤسسات الدينيّة والإرساليّة الأخرى على حجز مواقعها هناك في تلك المنطقة "الناهضة"، قبل فوات الأوان. وقد تزامن الأمر في عام 1860 مع نكبة لبنانيّة كبرى، صعّدت من وتيرة المبادرات المذكورة "لإعانة أرامل لبنان وأيتامه"، كما تشير اللوحة الرخاميّة التذكاريّة في "المدرسة البريطانيّة السوريّة" التي تأسست بين العامين 1860 و1868 (المدرسة المذكورة هي اليوم ثانويّة الحريري الثانية). كما قامت بطريركيّة الروم الكاثوليك، التي يقوم مجمعها في المنطقة، بتأسيس المدرسة البطريركيّة في أعلى تلّ مشرف جنوب زقاق البلاط. المدرسة الأخيرة الكبرى ضمّت أساتذة كبار أمثال الشيخ ناصيف اليازجي (والد إبراهيم اليازجي مُبسّط الأبجديّة العربيّة وذلك بتقليل الأحرف من 300 إلى 60).
قصر الطبيب الفرنسي هييوليت دي بران، الأستاذ المحاضر منذ عام 1885 في الكليّة الفرنسيّة للطبّ (جامعة القديس يوسف فيما بعد)، شكّل في عام 1928 موطئ قدم للفرنسيين في المنطقة. فقرّرت البعثة العلمانيّة الفرنسيّة بذلك العام المذكور نقل مدرسة الفتيات التابعة لها من منطقة خندق الغميق، إلى ذلك القصر المدهش المحاط بالحدائق (ليسيه عبد القادر، ثانويّة الحريري الأولى منذ عام 1986).
التحوّلات الديموغرافيّة الكبرى في زقاق البلاط بدأت تؤثّر، منذ أربعينات القرن الماضي، على ملكيات المؤسسات التربويّة.
ففي مبنى يتميّز بأقواسه المثلّثة غرب المدرسة البطريركيّة، كانت ملكيّته تعود للوقف الماروني، أسّس عارف نكد المدرسة المعنيّة لتكون أوّل مدرسة تابعة للطائفة الدرزيّة في بيروت. وقد سبق ذلك بعقود عدّة، وتحديداُ منذ تأسيس الكليّة الإنجيليّة السوريّة (الجامعة الأميركيّة في بيروت) في رأس بيروت عام 1866، انتقال أميركي كبير إلى هذه المنطقة الأخيرة لتغدو مركزاً لكافة جهودهم.
موجة التحوّلات الكبرى في زقاق البلاط بلغت ذروتها في أعوام الثمانينات من القرن الماضي. ففي أعوام الثمانينات الأولى حيث غرقت بيروت في ظلام الحرب الأهليّة وعنفها، أخذت المؤسسات التربويّة البريطانيّة والفرنسيّة تفكّر جدّيا ًبمغادرة المنطقة.
قرار المغادرة المُتّخذ من قبل المؤسسات المذكورة، والذي بدا قرارا ً حاسما لا رجعة عنه، كان من شأنه أن يطلق سلسلة من "المغادرات" المؤسساتيّة، تشبه سلسلة "القدوم" التي شهدتها العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر.
أمّا ما حال دون ذلك، مُبقياً مدارس زقاق البلاط في أمكنتها، فكان استثمار الرئيس الحريري في القطاع التربوي وتأسيسه المجمّع التربوي الكبير في المنطقة، في الصروح القديمة ذاتها التي باعها البريطانيوّن المغادرون.
سوى المدارس القليلة التي أبقت على بنيتها المتجاورة، فأنّ كلّ شيء "نهضوي" في زقاق البلاط هو اليوم خرائب بائسة. حتّى أن الخراب المستفحل هناك، في معالم النهضة وفي تفاصيلها، وإن بدا في بعض الأحيان متصدّرا ً وحاضرا ً، فهو خراب مخنوق ومُحاصر، أو مأسور، كي يهزل في مكانه ويموت من تلقائه بعد أن يغدو جثّة هامدة ينخرها الغبار والضجيج وتدوسها أثقال المجسّمات الناشئة.
قصر حنيني، الواقع عند طرف الحي وعلى تماس جسر الرئيس فؤاد شهاب العابر من شارع سبيرز إلى التباريز شمال زقاق البلاط، يشكّل مثالا ً على ذلك البؤس. فالهيئات والمؤسسات العديدة، الأهليّة والمدنيّة والرسميّة، التي أطلقت أخيرا ً برنامجا ً تعريفيّا ً وتثقيفيّا ً غايته إلقاء ضوء على الحيّ ودوره التاريخي وعلى علاماته الباقية (زقاق البلاط: من الأبجديّة إلى النهضة)، لم تتمكّن من رفع اللافتة التعريفيّة المعدّة للقصر المذكور على جدرانه الخارجيّة، فقامت برفعها على منزل قديم متداع ٍ يواجهه، ومن دون الإشارة إليه. سبب الأمر بقي مجهولا ً، علما ً أن ثمّة من يقيم في قصر حنيني الخرب. لكنّ ذلك أشار إلى ركاكة النوايا الحسنة وضعفها إزاء وقائع التحوّلات الديموغرافيّة والعمرانيّة الراهنة في بيروت. تلك التحوّلات التي لا شرائع لها سوى الجشع والتهافت.
أخبار ذات صلة
في صحف اليوم: تراجع في موقف الجامعة العربية بشأن حزب الله بعد ضغط
2024-07-02 12:25 م 86
جنبلاط متشائم: أستشرف توسيع الحرب*
2024-06-24 09:10 ص 175
لبنان ليس للبيع... مولوي: نرفض الإغراءات المالية لتوطين النازحين*
2024-06-22 09:59 ص 150
تطوّر "لافت"... أميركا تكشف مكان السنوار وقادة حماس في غزة
2024-01-13 09:01 ص 224
خطة غالانت لما بعد حرب غزة.. هذه أهم بنودها
2024-01-04 09:09 م 276
مفوضية الجنوب في كشافة الإمام المهدي خرجت 555 قائدا وقائدة
2017-07-10 10:26 ص 1622
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية