×

الطريق الطويلُ والشاق للحوار السعودي – الإيراني!

التصنيف: أقلام

2021-05-01  10:17 ص  206

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

المصدر: النهار العربي حسن المصطفى

"إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران".

الحديث أعلاه لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أثناء الحوار التلفزيوني الذي بُث الثلثاء 27 نيسان (إبريل) الجاري، لمناسبة مرور 5 سنوات على إطلاق "رؤية المملكة 2030"، وهو اللقاء الذي نقلت تفاصيله باهتمام بالغ وكالات الأنباء العالمية، خصوصاً أنه يأتي بعدَ أخبار سابقة نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، حول لقاء سعودي – إيراني، تدعي أنه حدث في العاصمة العراقية بغداد، بتنسيق من حكومة مصطفى الكاظمي، وهي الأخبار التي لم تؤكدها رسمياً العواصم المعنية.

استقرار الإقليم
الأمير محمد بن سلمان، قال في المقابلة إن "المملكة لا تريد أن تكون إيران في وضع صعب، بالعكس تريد إيران مزدهرة وتنمو"، مضيفاً: "لدينا مصالح فيها، ولديهم مصالح في المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".

هذا الحرص الذي أبداه الأمير، ربما فاجأ الكثيرين من المتابعين، سواء المؤيدين للرياض أم  من هم في ضفة طهران. إلا أن العارف بالسياسة السعودية، يدركُ أن الرياض جادة في رغبتها في تحقيق السلم، وفي الخروج من أجواء التأزيم التي تسود الشرق الأوسط، وفي الوصول إلى اتفاقات دائمة ومتينة مع إيران. إلا أنها بالتأكيد لا تريد حواراً شكلياً دعائياً لا يحل المشكلات العميقة بين البلدين.

النظام السعودي ليس ثورياً مثل إيران، قد يكون سلوكه "الثوري" الوحيد  -إن جاز التعبير- في الداخل، وتحديداً في التغيرات الجذرية التي تعمل عليها "رؤية 2030"، وهي في حركتها الإصلاحية هذه، تحتاج لأن تكون هنالك أجواء استقرار سياسي وأمني في الخليج، وأن تكون هنالك علاقات جيدة، ليس مع إيران وحسب، بل أيضاً مع كل الدول المؤثرة في الإقليم. 

إشكالية تصدير الثورة
الملاحظات السعودية على السياسة الإيرانية، كانت دائماً تتعلق بمبدأ "تصدير الثورة"، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار. وهو ما عبر عنه الأمير محمد بن سلمان صراحة عندما قال: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران، سواء برنامجها النووي، أم دعمها ميلشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج الصواريخ الباليستية".

إيران دولة كبيرة ومركزية لأمن الشرق الأوسط وتنميته. والدول ذات الثقل الاستراتيجي كالسعودية وإيران، من الطبيعي أن يكون لها نفوذ خارجي. وهو أمر لا يمكن لوم الرياض أو طهران عليه. إنما خطيئة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، تكمن في توسمه وسائل غير "دبلوماسية" تتنافى مع الأعراف الدولية والقوانين المرعية بين الدول. أي أنه يمارس "نفوذاً سلبياً"، عوض أن يكون نفوذه إيجابياً وبناء.
 
السعودية كدولة رئيسة في العالمين العربي والإسلامي، لديها نفوذها الدولي الواسع. إلا أنها تسعى من خلال ما تمتلكه من قوة، إلى أن تكون عامل استقرار اقتصادي وأمني وسياسي، وأن تدفع نحو تكوين شراكات مع الدول التي تتقاطع معها في سياساتها، وهي بذلك، تمارس نفوذها بما يخدم مصالحها، من دون أن يسبب ضرراً للآخرين.

علاقات مطردة
تاريخياً، بعثت السعودية بشخصية رفيعة بعد انتصار الثورة الإسلامية، هنأت آية الله الخميني على وصوله إلى سدة الحكم، كما أن النظام الإيراني حينها، كان في حاجة للوقود، الذي زودته الرياض به.

كانت المملكة تعتقد أن الجمهورية الوليدة، بما تحمل من صبغة "إسلامية" ستكون قريبة من السعودية، ولذا جرت مساع لتوطيد العلاقات من البداية، خصوصاً أن الرياض وطهران كان بينهما تنافس كبير إبان حكم الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، الذي لم يكن يخفي نزعته "التوسعية".

ضمن هذا المساعي لعلاقات طبيعية وغير متوترة، جاءت الحرب العراقية – الإيرانية، لتعقد المشهد، وتدفعه نحو الاختلاف ومن ثم القطيعة والمواجهات المحدودة في بعض المفاصل التاريخية الحرجة.

انتهت حقبة حرب الخليج الأولى، وجاء الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، وبالشراكة مع القيادة السعودية، يبني جسر تواصل جديدا، تعزز إبان فترة رئاسة السيد محمد خاتمي، قبل أن تتوتر العلاقات مجدداً، من دون أن تنقطع، خلال فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

حوار بندر - لاريجاني
حتى إبان رئاسة نجاد للجمهورية الإيرانية، كان هنالك حوار جمع الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني اللذين التقيا مرات عدة في طهران والرياض.
 
ومن أجل إنجاح الحوار، زار حينها الأمير بندر بن سلطان، العاصمة الإيرانية طهران، العام 2007، والتقى مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وهو اللقاء الذي تحدث بندر بن سلطان بشيء من تفاصيله لموقع "إندبندنت عربية"، قائلاً: "طلبت أن ألتقي المرشد الإيراني علي خامنئي، والسبب أنه في المرات السابقة لم يتحقق أي شيء، والتقيته فعلا، وهو يجيد اللغة العربية، والدليل أنه كان يصحح للمترجم بالفصحى، وقلت له يا سماحة الإمام دعنا نتحدث من دون مترجم، العجيب أنني خرجت من ذلك الاجتماع بانطباع إيجابي فهو رجلٌ متنور وقارئ".

الأمير بندر بن سلطان، الذي يقف في ضفة مختلفة عن تلك التي يتواجد فيها المرشد خامنئي، لم يمنعه ذلك من لقاء الزعيم الإيراني، أو الإشادة به فيما يمتلك من صفات. لأن أولى أسس التفاوض والحوار، أن تعرف الطرف المقابل بشكل جيد، وتقدر نقاط قوته وضعفه، وتدرس شخصيته بعقلية محايدة غير انفعالية.

لذا، فالتفريق بين ما هو سلبي وبين ما هو إيجابي، أمرٌ مهم للغاية، لفهم السياسة الإيرانية بشكل جيد. وهذا ما نلمسهُ في حديث سابق لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الذي قال في مقابلة متلفزة في كانون الثاني(يناير) 2020: "أعتقد أن الشعب الإيراني شعبٌ عظيم، وهو شعب يريد بناء بلاده فعلًا والمضي قدمًا بالبلاد، وهم يستحقون الأفضل". معتبرا أن الفرق بين ما هو حاصل في السعودية وما يجري في إيران "أن هناك متطرفين في السعودية ولكنهم أقلية تلاحقهم الدولة وهاربون من العدالة، بينما في إيران هناك متطرفون وهم أقلية لكنهم هم من يديرون البلاد". 

بالرجوع إلى العام 2001، زار وزير الداخلية السعودية – حينها – الأمير نايف بن عبد العزيز، العاصمة الإيرانية طهران، حيث وقع اتفاقية أمنية مهمة، تضمنت مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال. وهي الاتفاقية التي اشتهرت باسم "اتفاق نايف – روحاني".

 الأمير نايف صرح للصحافيين قائلا إن "الاتفاقية الأمنية ستخدم المنطقة وتعزز العلاقة بين المملكة وإيران". مضيفا أن "المملكة وإيران لديهما القناعة الكاملة أن اتفاقية أمنية مثل هذه لا بد من أن تتم بين البلدين، لنعمل من أجل تحقيق الأمن المشترك، ولكي نشعر جميعا أن أمن إيران هو أمن المملكة، وأن أمن المملكة هو أمن إيران".

الطريقُ الوعرُ
  اليوم، هنالك رؤى متباعدة لملفاتِ المنطقة بين السعودية وإيران، وتحديدا في سورية، اليمن، البحرين، العراق ولبنان. وهنالك دعم إيراني لمليشيات مسلحة تهدد أمن السعودية إنطلاقاً من العراق واليمن. ووسط هذه الأجواء المعقدة للغاية، توجد مصلحة للبلدين في أن لا يكونا مُحاطين بمجموعة من الأزمات والحروب والدول الفاشلة. وأن يستفيدا من الثروات التي يمتلكانها في التنمية والتحديث وبناء اقتصاديات قوية ومستدامة. 
 
كما أن هنالك سياسة سعودية واضحة، عبر عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذه السياسة تتمنى "الخير" لإيران. وهي رسالة حُسنِ نوايا فائقة الأهمية، على الساسة في إيران التعامل معها بحكمة. 
 
السعودية لا تنطلق في مواقفها تجاه إيران من موقع الغرائز أو الكراهية، بل المصالح المشتركة. وهي تؤمن بأن نظاماً مستقراً في إيران، يشكل مصلحة سعودية. كما أن الأمن الوطني الإيراني، هو من صميم الأمن الوطني السعودي؛ لذا ما تريده السعودية واضح ومحدد "أن تكف إيران عن تدخلها في الشؤون الداخلية السعودية، ولا تدعم الخلايا الإرهابية والمليشيات، وتوقف التحريض"، كما يقول خبير سعودي متابع للملف الإيراني، مضيفاً: "إدارة الحكم في الداخل الإيراني ليست شأناً سعودياً، هو أمر يحدده الشعب الإيراني، وحكومة المملكة لا تتدخل في ذلك".

 بناء على ما تقدم، يمكن القول إن "اتفاق نايف – روحاني" من شأنه أن يشكل أرضية وتجربة مرجعية لحوار بين طهران والرياض – رغم ما استجد من تعقيدات كبيرة - وهو الحوار الذي إذا تم وسط إرادة حقيقة وجادة، من شأنه أن يبني نوعا من الثقة المتبادلة، والتي هي اليوم مفقودة بين الدولتين. وفي حال تم التعاون في موضوع "الإرهاب" و"الأمن" ووقف تهديد الحدود السعودية سواء البرية منها أم البحرية، ستجد طهران أن العمل المشترك أمر ممكن بين البلدين، وأن الملفات العالقة الأخرى بالإمكان مناقشتها، وهو ما يحتاج لجهد دبلوماسي حثيث يضع استقرار الشرق الأوسط في مقدمة أولوياته.
 
السعودية، وكما أوضح الأمير محمد بن سلمان "تعمل مع الشركاء في المنطقة وفي العالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات"، مضيفاً: "نتمنى أن نتجاوزها، وأن تكون العلاقة طيبة وإيجابية وفيها منفعة للجميع". 

مواقف سعودية واضحة صوب السلم والاستقرار، هل يمكن أن تتفاعل معها إيجابياً حكومة الرئيس حسن روحاني، ويدعمها في ذلك المرشد آية الله علي خامنئي، أم أن "الحرس الثوري" و"التيار الأصولي" سيواصلان سياساتهما "العدائية" التي لن تزيد منطقة الخليج إلا توتراً وهدراً لمقدرات الشعوب التي سئمت منطق الحروب، وتتوق لسلام حقيقي ومستدام! 

 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا