ثريا زعيتر

هدأت العاصفة التي ضربت مدينة صيدا في شهر شباط الماضي·· ولكن صداها ما زال يتردد في آذان أبناء المدينة، شكوى من الأضرار التي خلفتها على الكورنيش البحري، حيث تطاير الحاجز الحديدي الفاصل بين الرصيف والبحر، وانخسف جزء لا بأس به من الرصيف، وبات منظره <مقززاً>، ويُشكّل خطراً على السلامة العامة، ويحرم الكثير من العائلات الصيداوية، خصوصاً من يصطحب أطفاله، ومن أبناء المنطقة من ذوي الطبقات الشعبية والفقيرة من التنزه عليه··
على أن الشكوى، ليست مقتصرة فقط بالتنزه على الكورنيش، بل تصل شظاياها الى قاطني الأبنية المواجهة، الذين عاشوا حصاراً مائياً أثناء العاصفة، حرمهم من مغادرة منازلهم، بعدما غمرت الأمواج مداخلها وعاثت فساداً لكل من حاول أن يقف في طريقها، وسط تساؤلاتهم عن الأسباب الحقيقية، وهل هي قوة العاصفة؟ أم الأهمال والتقصير في اتخاذ الخطوات اللازمة لحمايتهم؟ أم عدم صيانة الكورنيش بشكل دوري؟·
ما زاد من هذه الشكوى أيضاً، أن هذا الكورنيش يعتبر المتنفس الوحيد في المدينة، مع عدم وجود حديقة عامة فيها، ويكفي أبناء المدينة ما يُعانون من جبل النفايات الرابض على صدرها منذ عقود، ومع كل نسمة هواء، بنشر روائحه الكريهة إضافة إلى الأمراض التي يسببها الى جانب التلوث البيئي البري والبحري، الذي يتجسد بأطنان النفايات التي تنهار من متلوث البحر، تعلق في شباك الصيادين بدلاً من الأسماك، فتخربها، وتعطل محركات مراكبهم، قبل أن تعود الى الشاطئ والرصيف في مشهد <مقرف>··
<لـــــواء صيدا والجنوب> استجاب لشكاوى الناس، وقصد الكورنيش البحري الجديد، وحي الفواخير، ناقلاً آراء القاطنين والمتنزهين بما جرى وما هو مطلوب··
الكورنيش البحري، الذي يمتد من مدخل صيدا الشمالي لجهة نهر الأولي بمحاذاة <مدينة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرياضية> - الملعب البلدي، حتى سنييق، قبيل <معمل معالجة النفايات الحديث> ينقسم الى شطرين:
- الأول: القديم: يمتد من الملعب البلدي حتى مسجد الزعتري (بوليفار الشهيد الرئيس رفيق الحريري)، ورصيفه ضيق، لا يمكن للأطفال، وخصوصاً الصغار اللهو عليه·
- الثاني: الحديث: يمتد من مرفأ المدينة حتى سينيق، وتشكل فيه منطقة بدر - قبالة حي <الفواخير>، المساحة الأكبر والأوسع، ولكنه تعرض في العاصفة الأخيرة الى أضرار ما زالت آثارها ماثلة الى الآن·
حفوضة رشيد حفوضة، أحد رواد الكورنيش البحري، تحفّظَ بدايةً عن التعليق على الموضوع، قبل أن يعود، ويقول: أنا من رواد الكورنيش يومياً، وفي الصيف والشتاء، ولكن الأضرار التي لحقت بالواجهة البحرية نتيجة حجم العاصفة التي ضربت مدينة صيدا، في كل الأحوال فأن الأمر يتطلب بالمقابل شيئاً من الحذر عند التنزه عليه والانتباه·
وأضاف: لا أخاف من التنزه على الكورنيش، ولكن الأمر يحتاج الى صيانة خاصة، أنه المتنفس الوحيد، وليس هناك بديل عنه وعلى البلدية الإسراع بإصلاح كل شيء حتى يعود كما كان·
أبو الخير أحمد أبو الخير، هو أيضاً من رواد الكورنيش، قال: أن العاصفة الأخيرة التي ضربت لبنان في شهر شباط الماضي <خرّبته>، ولو كان معي أولاد، فمن الطبيعي أن أخاف عليهم من السقوط في الحفر أو البحر، لذلك أبقى على حذر وقلق في ذات الوقت·
وأضاف: أن الوضع لا يُطاق، ويجب أن نطلق صرخة لبلدية صيدا والمسؤولين في <وزارة الأشغال> وسواهم من أجل إصلاحه، لأنه المتنفس الوحيد، صحيح أن الأمر تأخر بعض الشيء، لكن الخطر داهم، ويجب على المتنزهين الانتباه على أنفسهم وأولادهم والإسراع في إصلاحه قبل وقوع أي مصيبة·
عباس جهاد عباس، صاحب كافتيريا في المنطقة، قال: أن حركة المتنزهين تراجعت كثيراً نتيجة الطقس البارد أولاً، ثم الأضرار التي أصابت الواجهة البحرية والكورنيش، باتت أناس تفضل عدم التنزه عليه خوفاً من الوقوع في الحفر أو البحر، خاصة أنه لم يعد هناك فاصل بين الرصيف والبحر وتحت توجد صخور·
وأضاف: لقد تراجع مع أفول المتنزهين حركة البيع هنا، الأمر الذي يدفعنا الى رفع الصوت والمطالبة بإعادة صيانته سريعاً، ففي الأمر خطر على حياة الناس، وخاصة إذا كان المتنزه يصطحب أطفالاً معه، وقطع لأرزاقنا ولا يرضاه أحد، الحفر موجود في كل مكان، والبحر مفتوح على الصخور، والحديد تلاشى وتطاير، ولافتات التحذير وحدها لا تكفي، وخاصة في الليل، مع قرب بدء فصل الربيع، حيث تجد الناس أنه المتنفس الوحيد لهم·
وأوضح <إننا راجعنا بلدية صيدا، التي هي برأينا المسؤولة عن رعاية شؤوننا الخدماتية، وهي في الأصل مطّلعة على الموضوع من أوله الى آخره، كل يوم تعبر سيارات البلدية، فيما رئيس البلدية المهندس محمد السعودي تفقد المكان، والأمر يحتاج الى قرار، إننا نرفع الصوت لصيانته اليوم قبل الغد، وقبل وقوع أي كارثة - لا سمح الله، مع التأكيد أنه لا يوجد حاجز حديدي، وهذا يشكل تهديداً لحياة الناس، وخاصة إذا كان معهم أطفال>·
الريش وقفت الحاجة بهية الريش، التي كانت تتنزه على الكورنيش، متفاجئة بهول المشهد إذ لم تصل الى نهايته منذ وفاة شقيقتها، قالت: من المفروض أن يتم إصلاحه فوراً، لأن منظره أولاً بشع، وثانياً لأنه يشكل خطراً على حياة المتنزهين، وثالثاً أن هذه المنطقة مكشوفة تماماً على البحر والصخور والخطر، واللافتات لا تكفي للتحذير، وخاصة إذا كان الوقت ليلاً والكهرباء مقطوعة·
وأضاقت: لو كان عندي أولاد، لما تجرأت على إحضارهم الى هنا، خوفاً عليهم، فأخشى أن يركض أحد، ويسقط في الحفر أو البحر ولا تنفع ساعة الندم، وتقع الكارثة، خاصة، وأنه مقصد للكثير من العائلات للتنزه عليه في ظل عدم وجود أي منتفس أخر في صيدا، علماً أن المدينة الوحيدة في لبنان التي ما زالت دون حديقة عامة·
وختمت: إننا ندعو فاعليات المدينة الى التحرك لصيانته، لأنه مرفق عام، ويهم كل الناس من أصحاب الطبقات الشعبية والفقراء الذين يجدون فيه متنفساً لهم في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على ارتياد المطاعم ومدن الملاهي وسواهما·
الأتب أما صرخة قاطني <حي الفواخير> المقابل للكورنيش البحري فهي مضاعفة عن المتنزهين، لأنها معاناة يومية، ومستمرة، ويُضاف إليها مشكلة مكب النفايات، الذي ينشر روائحه الكريهة صيفاً، ونفاياته، عبر أمواج البحر شتاءً، المواطنة مها الأتب التي تقطن في أحد المباني قبالة الكورنيش مباشرة ومكب النفايات، تقول: نحن سكان حي الفواخير، نشكو من المكب لأنه ينفّث روائحه الكريهة صيفاً، ويلفظ نفاياته شتاءً الى الكورنيش، لقد حول حياتنا الى نار لا تُطاق، وما زاد الطين بلة، أن الكورنيش البحري انهار رصيفه، وأثناء العاصفة، طافت المياه، ووصلت الى مدخل البناية، ولم يعد بمقدورنا مغادرتها حتى أننا اتصلنا بالبلدية لنقل مريض أبلغونا أنه يتوجب علينا الصبر حتى تفتح مجاري الصرف وقنوات تصريف المياه، شعرنا أننا في سجن كبير·
وأضافت: نحن في الأصل كنا ضد إقامة الكورنيش البحري هنا، واليوم نعاود القول نريد إعادة الرمل والشاطىء الى المكان، ولا نريد الحجر والحديد، لقد تهاوى في العاصفة، ولم يعد بمقدور المتنزهين المشي عليه <مثل قلته>، ويكفينا <المكب> والجراثيم التي يلفظها، أين ذهبت أموال معالجته؟ ولماذا لم يقفل بعد؟! حتى أننا لا نستطيع الجلوس على الكورنيش من شدة الروائح الكريهة، وخاصة في الصيف وارتفاع درجات الحرارة·
المجذوب الحاجة رجاء المجذوب، التي تقطن في ذات المبنى، قالت: إن قضية الكورنيش طويلة وكان الأساس أن تنفذه شركة فرنسية، وبإعتقادي أن العمل لم يكن متقناً، ويحتاج الى صيانة دائمة، أي أن طريقة العمل لم تكن سليمة هندسياً وفنياً، بحيث يتحمل العواصف القوية والأمواج المرتفعة، فانهار من أساسه وتحت الرصيف وليس فقط الحاجز الحديد، وهذا بحد ذاته مؤشر غير سليم، فضلاً عن بقاء المجاري تصب في قلب البحر، والمكب ينفث روائحه، ونفايات، تعود إلينا مع أمواج البحر هنا·
وأضافت: إننا نطالب بلدية صيدا والمسؤولين عن المدينة، أن يسارعوا الى إصلاحه بطريقة سليمة صحيحة، بحيث تعود وتدعم أساسه بالحديد والباطون والزفت والبلاط اللازم حتى لا يتكرر الأمر، ويقع المتنزهون ضحية من ضحاياه، خاصة أنه المتنفس الوحيد لإبناء المدينة مع عدم وجود حديقة عامة أو مساحات خضراء كما السابق·
وتساءلت المجذوب <ما هي الخطوات العملية التي اتخذتها بلدية صيدا، ومسؤول الأشغال، لمنع تكرر كارثة جديدة، في حال تكررت العاصفة ولفظ البحر أمواجه إلينا·· هل سنبقى تحت رحمة الطبيعة!>·