×

سنة التضخم والخيبات والخسارات والتشققات

التصنيف: أقلام

2023-12-29  01:51 م  137

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

عارف العبد المدن

نودع سنة 2023 من دون أن نعرف أو نستشرف بشكل واضح أو أكيد، آفاق وملامح الأيام المقبلة المشوبة بالقلق والتوتر والتحسب السلبي.

 

فقد استقرت السنة الراحلة، على نسبة تضخم بلغت 223 نقطة، حسب تقديرات البنك الدولي، فيما استقر سعر ربطة الخبز الحجم العائلي على سعر خمسين ألف ليرة في الأفران، حسب مقياس وزير الاقتصاد الُملهم والعبقري أمين سلام. واستقر سندويش الفلافل على سعر 180 ألف ليرة الحجم الوسط، كما قررتها محلات صهيون الأصلية. أما الكعكة "القليطة" الواحدة "الحاف" من دون زعتر، فوصلت إلى سعر 80 ألف ليرة حسب مؤشر "أبو عرب".

 

أما كيلو البطاطا، فقد نطح الـ70 ألف ليرة، فيما استقرت كرتونة البيض على 380 ألف ليرة ذات الـ30 بيضة. أما منقوشة الزعتر اللبنانية باعتبارها فخر الصناعة اللبنانية وجوهرة التاج الغذائية صباح كل يوم، فقد سجلت هذه السنة قفزة عالمية ووطنية، حين أدرجتها اليونسكو على لائحتها للتراث غير المادي للبشرية، واصفة إياها بأنها "راسخة في الهوية" اللبنانية. فقد استقر سعرها على 80 ألف ليرة حسب مؤشر "بربر" في راس بيروت وسبيرز.

 

بذلك يكون لبنان قد وجه ضربة ولكمة قوية وطعنة عميقة نجلاء من نصله في قلب "الكرواسون" الفرنسية، التي باخت مبادرتها وتمرغت في الفشل أكثر من مرة في وحول الأزقة والأوتوسترادات والمفارق اللبنانية، التي تحولت إلى أكبر وأهم حوض سباحة على شاطىء المتوسط بعد الريفييرا الفرنسية وأكابولكو المكسكية.

 

والنتيجة، في المحصلة، أن عائلة لبنانية من ثلاثة أشخاص بحاجة على أقل تعديل إلى مليون ليرة لتأمين غذاء يوم واحد، إذا ما اقتصر طعامها على المناقيش بزعتر والبيض والبطاطا المسلوقة فقط!

 

الحدث اللبناني السلبي الكبير أيضاً، وفيما المنطقة تغلي وتتلاطم فيها أحداث جسام ومصيرية، تمثل باستمرار الضياع والتخبط والبحث والتنقيب عن رئيس الجمهورية بين تلال اليرزة ومنعطفات بنشعي والرابية وثنايا أبنية وأزقة حارة حريك. وذلك عبر تربع الشغور الثقيل والمريب في مقر الرئاسة الأولى في قصر بعبدا. وسط عجز فاضح عن انتخاب رئيس للبلاد هي بأمس الحاجة إليه لإعادة إثبات وجودها.

 

شركات التنقيب عن النفط والغاز كانت أزفت لنا أخباراً تقول إن لا وجود لأثر غاز أو نفط عندكم، على العكس من كل الدراسات والاستشرافات السابقة.

 

كل ذلك بالتوازي مع نجاح وزير الطاقة المتألق الفريد من نوعه، وليد فياض في تثبيت التغذية على معدل صفر كهرباء!

 

هذا الفشل اللبناني المتضخم أدى إلى انعقاد مؤتمرين إقليميين، الأول في الأردن لبحث قضية النازحين السوريين، والثاني في مصر إثر حرب غزة، من دون دعوة لبنان ليكون موجوداً بين الدول الحاضرة.

 

عملياً، يبدو المجتمع العربي والدولي أقرب إلى نسيان لبنان وشطبه من الذاكرة الماضية والأجندات الحالية أو المستقبلية، والإقلاع عن تذكره والالتفات إلى ضرورة وجوده دولة، يفترض أنها كانت مصدرة للحرف والعلم والثقافة والريادة والإشعاع!

 

أما المؤشرات الإضافية المقلقة والدالة على التباعد والانشقاق، فقد تمثلت كمثال ومؤشر دال، في انقسام معرض الكتاب العربي في لبنان إلى معرضين، الأول والأساسي استمر على الواجهة البحرية في البيال بقيادة النادي الثقافي العربي المبتكر التاريخي لأول معرض كتاب في الوطن العربي، فيما انتقلت دور النشر المتحلقة حول اتحاد الناشرين الأغر، بقيادة وزير الثقافة ونقيبة الناشرين، إلى افتتاح معرضها في الفوروم دي بيروت.

 

من بين المؤشرات المقلقة والسلبية، أن حزب القوات اللبنانية لا يزال يعلن تمسكه باتفاق الطائف والنظام والصيغة الحالية، فيما يتحدث بعض قادته عن نظام آخر محتمل للبنان.

 

فمسؤول التواصل في القوات شارل جبور خاطب المتظاهرين أمام السفارة الأميركية في عوكر قائلاً: "لا نريدكم في "مناطقنا" ولا نريد أن نرى وجوهكم ولا تمتون لنا بأي صلة". فيما أسهب القيادي الآخر في القوات الوزير السابق ملحم رياشي عبر محطة "أم تي في" في شرح محاسن وصوابية النظام الفدرالي للبنان، بعد أن كان القيادي الآخر في القوات غسان حاصباني قد اقترح في وقت سابق تقسيم بلدية بيروت إلى أكثر من بلدية.

 

كل ذلك، يعني ارتباكاً وتردداً وازدواجاً في التوجهات والمواقف المتنقلة بين صيغة الوحدة المركزية الراهنة، وإعادة النظر في الالتزامات السياسية والوطنية السابقة حسب الظرف والتطورات الممكنة والمقبلة.

 

وإذا كانت القوات اللبنانية قد سددت لغريمها جبران باسيل ضربة ليست بالهينة، عبر إلنجاح في دعم التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، فإن باسيل استعاض عن الأمر بتسجيله نجاحاً "باهراً منقطع النظير" في إطفاء أنوار مدينة جبيل وخطف الوهج منها، ونقله إلى مدينة البترون، والتفوق في بيع الليموناضة، بعد أن نفخ طموحاته وتغلب على نفسه، وتمكن من عبور نفق شكا إلى افتتاح "شارع مينو" في طرابلس، التي غاب قادتها ورجالها عن المبادرة والتحرك لأبسط القضايا التي تحتاجها المدينة.

 

وقد سجلت السنة المنصرمة إضافة إلى التشققات، خسارات مؤلمة وقاسية، حيث غاب عنها بحسرة مطرب الصحافة الوطنية المكتوبة الحبيب أبو أحمد الورد، طلال سلمان، مؤسس وناشر جريدة السفير. كما فقدنا وغابت عنا وخسرنا سيدة الألم والعذابات والمحن، العزيزة جيزيل خوري بحضورها الأثير، الرحب والمحبب بعد أن تغلب عليها المرض الخبيث.

 

وفي حساب الخسائر الفادحة والجروح العميقة، خسر لبنان عن طريق مقاومة حزب الله، قافلة من الشهداء الأبطال والمدنيين الأبرياء في ريعان الشباب فاق المئة شهيد، في مواجهة العدو الإسرائيلي، تقدمهم مصور رويترز عصام العبد الله والشهيدة الوردة الزاهرة فرح عامر ورفاقها، في الوقت الذي لا تزال فيه، الزميلة كريستينا عاصي تتحمل وتتنقل وتعالج جروحها المؤلمة والكبيرة والفادحة.

 

بالأمس هدد وزير خارجية اسرائيل السيد حسن نصرالله بالتصفية والقتل، إسوة بالمستشار الايراني في سوريا، فيما ضجت وسائل إعلام العدو بتقارير عن إنجاز الخطط لحرب تستهدف لبنان وتدميره على راس حزب الله في المستقبل المقبل.

 

فهل ستكون السنة المقبلة استكمالا للسنة الماضية، أم ستصبح علامة فارقة على احتمالات سحق لبنان المسحوق أصلاً، وتدمير آخر ما تبقى منه؟

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا