×

الغابة المزدهرة والدولة المعلقة

التصنيف: أقلام

2024-01-05  05:54 م  376

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

عارف العبد المدن

أغلق الشعب اللبناني ملف صور الأحداث للعام الماضي 2023، على صورة تمثلت فيها كل عناصر الوقاحة والاستفزاز والصدمة والغرابة. وهي صورة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي لم يعثر عليه سابقاً لتبليغه الحضور إلى القضاء، وهو الذي كان يقف محاطاً بحراسة أمنية رسمية، وسط كنيسة، لحضور صلاة الجنازة لأخيه المتوفي.

 

وقد أظهرت اللقطة المنشورة سلامة وهو ينظر إلى الكاميرا بعيون مفتوحة و"مفنجرة" من دون وجل أو تردد أو اهتمام، مما أثار الكثير من الأسئلة عن هذه الوقاحة العلنية والاطمئنان الواثق والشجاعة المدعومة، بالرغم من المذكرات القضائية الصادرة بحقه، وطلبه للتحقيق والاستجواب، ناهيك بمذكرات التوقيف الدولية المتعددة.

 

والحقيقة الواقعية، أنه منذ أن تسرب خبر احتفاظه في مكان آمن، باعترافات ووثائق وسجلات مفصلة عن كل تعاملاته وعملياته وأسراره السابقة.. فإن "مادوف لبنان" نجح في إرسال الرسائل التحذيرية المناسبة إلى كل من يعنيهم الأمر في لبنان، أنهم إن قرروا إغراقه، فإنه لن يكون غريقاً بمفرده. بل إن ما احتفظ به من سجلات وأسرار قابلة للكشف وكفيلة بحمايته وإحاطته بالأمن والأمان المطلوب، طالما هو في لبنان وبين أيادي وصيانة القوى الأمنية والقضائية وحفظها المصون ورعايتها بالرياء والفضائح والأوساخ والفساد.

 

هذا في آخر أيام السنة الماضية. لكن المواطن اللبناني الذي أقفل عامه الماضي على "جرصة" ووقاحة قداس جنازة شقيق سلامة، استيقظ في اليوم الثاني من السنة على صدمة أخرى ليست بالهينة. وهي صدمة جريمة الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في قلب الضاحية الجنوبية، والتي أسفرت عن اغتيال القيادي في حركة حماس المناضل الشيخ صالح العاروري مع رفاق له في إحدى شقق بنايات حي معوض.

 

عنصر المفاجأة للرأي العام، تمثل بالمعلومات التي قالتها وسائل الإعلام عن مكتب منذ وقت طويل لحركة حماس في المبنى المستهدف. طبعاً من دون علم أو اعتراض أو موافقة الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية أو القضائية، التي يفترض أنها تعلم وتشرف وتوافق على مثل هذه الأحداث والوقائع ، في أي بلد طبيعي كمثل باقي البلدان.

 

وقبل انكشاف سر ومفاجأة مكتب حماس، عبر التفجير الإسرائيلي المجرم، كانت الضاحية الجنوبية بالأمس غير البعيد، مقراً لبعض فصائل ومجموعات الحوثيين في حربهم ضد العربية السعودية، وغيرها من الدول العربية. وقبل الفصائل اليمنية، كانت فصائل المعارضة الخليجية الأخرى بل وأغلبها، من قوى بحرينية وسعودية وغير ذلك تتخذ من أبنية في الضاحية الجنوبية مقرات لها ومكاتب وأنشطة سياسية وإعلامية ومراكز شبه دائمة. وكل ذلك من دون علم أو سماح وموافقة أجهزة الدولة اللبنانية الأمنية والسياسية والدبلوماسية.

 

بين صدمة اغتيال القائد الفلسطيني في الضاحية، وما تطرحه من احتمالات، يتبين أن لبنان الحالي ومنذ أيام "جمهورية الفاكهاني" بقيادة الراحل ياسر عرفات، لم تخرج ولا تزال تعيش وفق نظام الغابة. أي وفق نظام "حارة كل مين إيدو إلو" وكل من له نفوذ وقوة يفعل ما يشاء، سواء كان رياض سلامة أو أبو حسن سلامة، أو أبو أياد، أو أي مستقو آخر على سلطة الدولة اللبنانية وقوانينها وأنظمتها وسيادتها.

 

وهذا ما شكل مانعاً لتطبيق الكثير من القوانين والأحكام والقضايا المجهضة على مختلف المستويات. حتى أن لبنان بحالته الراهنة صار مضرباً للمثل في التفلت من القوانين والأنظمة والعيش وفق قوانين القوة والسلاح والتشبيح والاستعصاء والغيتوات.

 

والراهن أنه ما من صاحب حق قادر على الوصول إلى حقوقه عن طريق القانون.

 

آخر الأمثلة، الفاقعة، قصة رياض سلامة، إضافة إلى قصة "عصابة المصارف" المصونة وقصة تهريب السلع من "البابوج إلى الطربوش"، ومن الهاتف الجوال إلى تهريب الأدوات المنزلية، عبر العصابات المعروفة والمكشوفة.

 

في قضية انفجار مرفأ بيروت والضغوط التي مورست، وقاضي التحقيق من يومها جامد في مكانه عبر أكثر من طريقة ووسيلة التفاف واحتيال، والتحقيق محجوز ودماء ضحايا الانفجار وأصوات أهاليهم لم ينظر أو يستمع إليها أحد.

 

قبل جريمة انفجار مرفأ بيروت، جمدت وتوقف التحقيق وعمل المحاكم في الكثير من الجرائم السابقة، ولم يتم الوصول إلى أي نتيجة، في مقدمها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي حدد وعرف مرتكبوها وتحولوا إلى قديسين ليس من الممكن الوصول إليهم، إضافة إلى كل الشخصيات التي تم قتلها واغتيالها، والتي كانت محسوبة على تيار واتجاه الرابع عشر من آذار المتناثر والمندثر.

 

القانون والنظام العام المسيطر في لبنان اليوم، هو قانون الغابة، بكل أشكاله وصنوفه، أما مشروع الدولة المدنية الدستورية القادرة العادلة المتوازنة، فهو المشروع الوحيد المؤجل والمعلق من الآن وإلى أجل غير معروف.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا