×

بين خدعة لورانس وخديعة هوكشتاين

التصنيف: أقلام

2024-11-22  10:35 ص  57

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

عارف العبد المدن

لم تخب مقولة كارل ماركس، عن التاريخ، حين اعتبر إن "التاريخ يعيد نفسه مرتين فى المرة الأولى كمأساة، وفى المرة الثانية كمهزلة".

 

ويبدو اننا في منطقتنا، قد شهدنا المأساة الكارثية التي طبعت تاريخنا سابقا، وها نحن نشهد اليوم المهزلة الدرامية التي تسيطر على حاضرنا وتطبعه الان من مختلف الجوانب.

 

فقد اتجهت كل الأنظار والاهتمامات، في الأيام الماضية، الى الكلام الذي صدر عن الرجل الأكثر صراحة وتجربة بين ساسة لبنان، في هذه الحقبة، وهو شيخ مشايخ الجنبلاطية الدرزية وليد كمال جنبلاط، الذي لم يتردد في القول امام الخلوة الدرزية في بعدران، ان اللبنانيين خذلوا او خدعوا من قبل الموفد الرئاسي الأمريكي عاموس هوكشتاين. وحين سئل مرة ثانية عن الموضوع من قبل جريدة النهار عاد ليوضح من دون ان ينفي، القول "ربما خدعنا، هو وسيط، حاول مع الرئيس بري مساعدة لبنان... هو كان يطمح للوصول الى منصب وزير الخارجية، فيما لو وصلت الى الرئاسة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لكنها في المحصلة لم تصل.

 

لكن قبل كلام جنبلاط، المثير وحمّال الأوجه، كان الأخ الأكبر الفطن الرئيس نبيه بري قد نعى المبادرة الامريكية في نسختها المحدثة، التي حاول تسويقها الموفد الرئاسي الأمريكي في زيارته الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية متخوفا من ان تُستبدل غزة بلبنان.

 

طلبت اسرائيل، وربما ماتزال عند مطلبها، انها تريد الاحتفاظ بحرية الحركة لمراقبة اليات تنفيذ القرار 1701 عبر الطلعات الجوية.

 

سيكتب الكثير، عن مهمة هوكشتاين في لبنان في المستقبل، وستكشف تفاصيل لا نعرفها عنه، وعن الذي قام به. وهو الذي رعى الاتفاق التاريخي الخالي من الفوائد بين لبنان وإسرائيل، حول الحدود البحرية، والمسالة النفطية، والذي سُجل في الأمم المتحدة ورافقه جدل كبير واسئلة والغاز كثيرة ومتعددة.

 

لكن الصحافة الامريكية تولت جانباً كبيراً من كشف جوانب مهمة من مهمة المبعوث الشخصي للرئيس بايدن الجندي الاسرائيلي، سائق الدبابة الذي شغل مهمة محامي اسرائيل في محادثات اوسلو.

 

ماذا فعل المواطن الإسرائيلي المولد عاموس هوكشتاين وماذا كان دوره؟ وهو الذي ولد في اسرائيل وفي عائلة يهودية أمريكية مهاجرة إلى الولايات المتحدة. بعد ان درس في مدارسها الدينية، خدم عاموس في جيش الإحتلال الإسرائيلي في الاعوام 1992 - 1995، وفي سلاح المدرعات كأحد أفراد طاقم دبابة قبل انتقاله إلى واشنطن، لكنه لم يعد مواطنًا مزدوجًا. كان مستشارًا للسياسة الخارجية لأعضاء الحزب الديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب التابع للحكومة الأمريكية من عام 1994 إلى يناير 2001.

 

بالرغم من ادواره هذه قُبل عاموس من المسؤولين في بيروت، ان يكون وسيطا بين لبنان وإسرائيل لمتابعة الاتفاق الحدودي النفطي. وبعد إنجازه هذا، قبل لبنان وكبار السادة والمفاوضين فيه، والمشرفين على المصائر الوطنية، ان يستكمل هذا الوسيط المُداهن مهمته وعمله في مواضيع اخرى متصلة بالحدود ووقف النار والحديث عن تنفيذ القرار 1701 وما يحيط به.

 

ما يدعو للاستغراب المفجع، سؤال يتبادر الى الذهن بشكل ملح، هل كانت اسرائيل ستقبل بعربي او لبناني قاتل في صفوف المقاومة ليكون وسيطا معها في قضايا تخص ما تعتبره مسالة سيادية اسرائيلية؟

 

اكبر خدع هوكشتاين صاحب البدلات وربطات العنق الانيقة، والشعر اللامع المصفف باتقان، هو حين سُمح له ان يصور ويزين للبعض ضخامة ومكانة موقعهم ودورهم، وقد انطلت الخدعة على كثر، وظن البعض انه قد امسك بالامور والملفات من رقبتها.  

 

حين خاطب هوكشتاين صاحب "الضحكة الصفراوية" كما يقال في العامية، الرئيس نبيه بري امام عدسات الكاميرا بلقب انت الـ BOSS. لم يخطر على بال كثر ان هذا الكلام المعسول ظاهريا، انما اخفى خلفه نوايا مبيتة في تحقيق مصالح واهداف إسرائيل، بترك لبنان ينام على حرير الحماية والضمانة الامريكية الزائفة، فيما مُررت لإسرائيل كل التسهيلات لكي تضرب ضرباتها من تحت الزنار ونازل، وصولا الى اغتيال السيد حسن نصرالله، وان تصيب حيث تريد وبتغطية وحماية امريكية كاملة.

 

حسب وسائل اعلام امريكية، فان "عاموس افندي" هو الذي حدد واوضح سبل الطريق، التي يجب ان تهتدي بها وتتبعها اسرائيل تجاه لبنان وحزب الله، وتوقيت التصعيد والضرب بيد من طائرات وقنابل خارقة من حديد وبارود.

 

حين قررت بريطانيا مطلع القرن الماضي، فسخ الولايات العربية عن السلطنة العثمانية كلفت ضابط المخابرات في جيشها، الكولونيل توماس إدوارد لورنس، للتقرب من الامير فيصل النجل الثالث للشريف حسين. وقد تولى الضابط لورنس تزيين الطريق للعرب للانقلاب على السلطنة حيث انهارت فيما بعد الامبراطورية العثمانية وخُدع العرب شر خدعة ووئدت دولتهم الموعودة، ولقب الضابط الناجح في مهمته بلقب "لورنس العرب".

 

ترى بماذا سيلقب هوكشتاين بعد الان؟

 

لقد خُدع لبنان او خدع نفسه، انه قادر على ايلام إسرائيل وارعابها، وايقافها على رجل ونصف، متناسيا ان إسرائيل محمية بالمال والنفوذ اليهودي والصهيوني العالمي والأمريكي، حيث الغطاء مؤمن لأعمالها وجرائمها من اغلب الدول الغربية. وما تأييد وزيرة خارجية المانيا لحق اسرائيل بقتل المدنيين بحجة الدفاع عن نفسها، الا المثال الواضح على انعدام التوازن بين الدولتين المتواجهتين، على مختلف المستويات. وها هو لبنان متروك لمصيره وعزلته لكي يواجه نكبته الكبرى والواسعة والعميقة بقراه ومدنه وابنيته المهدمة ومصيره الكارثي من دون عون او نجدة ذات اي قيمة.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا