×

خليل المتبولي : "مصطفى معروف سعد: شعلة المقاومة التي لا تنطفئ"

التصنيف: أقلام

2025-01-20  11:38 ص  32

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

بقلم: خليل إبراهيم المتبولي

في 21 كانون الثاني من عام 1985، كان لبنان على موعد مع واحدة من أبشع محاولات الاغتيال في تاريخه الحديث، حين امتدت يد الغدر والخيانة لتستهدف المناضل الوطني الكبير مصطفى معروف سعد، رمز المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لقد شكّل هذا اليوم منعطفًا فارقًا في مسار الصراع اللبناني مع الاحتلال، إذ حاول العدو الصهيوني وعملاؤه اغتيال أحد أبرز قادة المقاومة عبر عملية غادرة استهدفت منزله. غير أنهم لم يدركوا أن المقاومة الحقيقية لا تُغتال، بل تزدهر من عمق جراحها وتنمو مع كل تحدٍ جديد.

كان مصطفى معروف سعد قائدًا فذًا عُرف بنضاله المستميت ضد الاحتلال الإسرائيلي، وحمل على عاتقه مسؤولية تحرير الأرض وصون الكرامة الوطنية. وعلى الرغم من التحديات الجسيمة التي واجهها طوال حياته، إلا أن ما وقع في ذلك اليوم المشؤوم شكّل صدمة مدوية، ليس فقط لأنه استهدف قائدًا بحجم مصطفى سعد، بل لأنه ترك جرحًا إنسانيًا عميقًا في وجدان كل لبناني حر.

في لحظة مأساوية، انفجر المنزل المستهدف، وكانت تلك العملية الغادرة ليست مجرد محاولة لاغتياله، بل سعيًا لتمزيق الروابط الإنسانية التي تمثلها عائلته. أصيب مصطفى سعد إصابات بالغة أفقدته بصره، فيما استُشهدت ابنته الصغيرة ناتاشا، التي لم تكن قد تجاوزت بضع سنوات، في مشهد يهز كل ضمير حي. ولم تقف الخسائر عند هذا الحد، فقد استشهد أيضًا جاره المهندس محمد طالب، الذي كان من بين الحاضرين في المكان، وأُصيب عدد كبير من الجرحى، مما عمّق الجرح الوطني وزاد من مآسي اللبنانيين.

لقد كانت هذه الجريمة النكراء محاولة خبيثة لإخماد شعلة المقاومة التي جسّدها مصطفى سعد على مدى سنوات. كان الهدف منها القضاء على شخصية وطنية كبيرة، ومحاولة بائسة لإيقاف حركة تحررية متصاعدة. غير أن الاحتلال الإسرائيلي وعملاءه لم يدركوا أن مثل هذه الجرائم لا تُطفئ جذوة النضال، بل تؤججها، وتجعلها أكثر اشتعالًا وإصرارًا.

مثّل مصطفى معروف سعد رمزًا للصمود والوطنية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، وكان صوته صوت الشعب اللبناني المقهور، الذي ينادي بالحرية والسيادة والاستقلال. لم يكن قائدًا سياسيًا أو عسكريًا فحسب، بل كان عاملًا حثيثًا على توحيد الصفوف، وتحقيق حلم لبناني جامع بوطن حر مستقل، بعيد عن الوصايات والتدخلات الخارجية.

وكما أثبت التاريخ، فإن محاولات إسكات الحق غالبًا ما تنقلب على أصحابها. فالتفجير الذي استهدف منزل مصطفى سعد لم يكن سوى شرارة جديدة انطلقت منها المقاومة الوطنية اللبنانية بقوة أكبر. ورغم الألم الذي خلّفه، فقد أثبت الشعب اللبناني مرة أخرى أن القادة قد يُغتالون، لكن الأفكار لا تموت، بل تترسخ في النفوس وتنتقل من جيل إلى آخر.

 

هذا التفجير الغادر لم يكن استهدافًا لأشخاص بعينهم فقط، بل كان محاولة لإخماد فكرة المقاومة ومحو المبادئ التي ناضل من أجلها مصطفى سعد. لكن الأرض التي ضمّها ستظل صلبة، والآمال التي زرعها ستظل خالدة في ذاكرة الشعب اللبناني.

واليوم، بعد مرور أربعين عامًا على هذه الجريمة، يبقى مصطفى معروف سعد رمزًا خالدًا من رموز النضال الوطني. فقد أضافت هذه الحادثة لرصيد صموده وقضيته بُعدًا جديدًا، وخلّفت وراءها إرثًا لا يمكن إخماده. لقد فشلت المحاولات الرامية إلى طمس الذاكرة الوطنية، لأن المقاومة الحقيقية لا تموت، بل تستمر كنبض يتجدد في عروق الأجيال.

في النهاية، تبقى ذكرى محاولة اغتيال مصطفى معروف سعد علامة فارقة في تاريخ لبنان الحديث، ودليلًا على أن المسيرة الوطنية لا تتوقف عند لحظة أو عقبة، بل تستمر لتؤكد أن الحلم اللبناني في التحرر والكرامة لا ينكسر، وأن رموز النضال تبقى شاهدة على مراحل من الكفاح لا تُنسى.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا